الصوم ... والتأهيل الحضاري -2-

بقلم الدكتور ماجد الدرويش

-2-

ما هي التزكية؟ ولم هي مقدَّمة على التعليم؟ وما دور شهر الصوم فيها؟

التزكية لغة واصلاحا:

في معجم مقاييس اللغة: (زَكَى) الزَّاءُ وَالْكَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى نَمَاءٍ وَزِيَادَةٍ. وَيُقَالُ الطَّهَارَةُ زَكَاةُ الْمَالِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مِمَّا يُرْجَى بِهِ زَكَاءُ الْمَالِ، وَهُوَ زِيَادَتُهُ وَنَمَاؤُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَتْ زَكَاةً لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ. قَالُوا: وَحُجَّةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103] . وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ رَاجِعٌ إِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهُمَا النَّمَاءُ وَالطَّهَارَةُ.

وفي الشرع تطلق على معنيين:

-         النماء الحاصل من بركة الله تعالى.

 

-         وعلى التعديل الذي هو ضد الجرح، فإذا كان الجرح طعنا في الشخص فالتزكية توثيق له، والتوثيق مهم في حياة المسلم ليكون من الأمة المزكاة بقوله تعالى: ) كنتم خير أمة أخرجت للناس ( وقوله تعالى: )وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم  شهيدا(  والشاهد لا تقبل شهادته إن لم يكن موثقا.

فالتزكية في الشهادة اصطلاحا: نسبة الشاهد إلى الطهارة مما يبطلها من الكبائر. لذلك قالوا:

وأصل التزكية نفي ما يستقبح قولا أو فعلا، وحقيقتها الإخبار عما ينطوي عليه الإنسان.

لماذا التزكية قبل التعليم؟

سبق أن مهمة الرسل لخصت بالخطوات الثلاث.

ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وكانت أمته هي التي أنيط بها حمل أمانة الدعوة والإرشاد والتبليغ، كان لا بد أن تكون الأمة مزكاة وموثقة وغير مطعون فيها ليقبل قولها.

فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام مزكون خِلْقَةً، فهم من لحظة خروجهم إلى الدنيا تتولاهم عناية الله تعالى بالحفظ والمنع، وهي العصمة الواجبة لهم.

 

وبالرغم من ذلك وجدنا أن أقوامهم وقفوا منهم هذه المواقف الشديدة بالرغم من أنهم يعرفون تمام المعرفة صدقهم وأمانتهم. فما بالكم بمن ليسوا معصومين من أول الخِلقة؟ وهم هنا أمة سيدنا محمد التي أنيطت بها أمانة الدعوة، فهذه الأمة الوسط، والتي وصفها الله تعالى بالخيرية، لا يمكن أن تنجح بمهمة التبليغ إذا لم تكن على درجة عالية من العدالة والصدق والأمانة ، وأن لا تفعل خطأ تعلمه، أي تتعمد ذلك.

والتاريخ يشهد أن تحقق هذه الأوصاف في كثير من أفراد الأمة قديما كان من أسباب انتشار الإسلام السريع، والتاريخ الحالي يشهد بأن بُعد أفراد كثيرين من الأمة عن هذه الأوصاف من جملة الأسباب التي تساهم ليس في بعد الناس عن الإسلام، وإنما في اتخاذ ذلك ذريعة لعدم الاقتراب منه، وربما لمحاربته. كما قال تعالى حكاية عن دعاء المؤمنين: ) لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (. و)لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: وَتَكُونُ الْفِتْنَةُ الصَّدَّ عَنِ السَّبِيلِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين