الشيخ محمد نافع شامي رحمه الله -10-والأخيرة

 




كيف تصنع الأهواء بأهلها ؟
توجه المضللون إلى تشويه سمعة الشيخ في خارج إدلب من القرى والأمصار ، وخلطوا الصدق بالكذب والافتراء ، ثم لم يلبثوا أن رأوْا تقلّص قيمتهم العلمية وتناقص مقدارهم عند الناس ، فحزَّ ذلك في نفوسهم ، فسعواْ لغايتهم بالاستنصار بالحاكم ، يذكرونه بأنَّ الشيخ كان رئيساً للإخوان المسلمين، وبأن وظائفه الخطابية والتدريسيه تساعده على نشر الضلال وإيقاع الفتن بين الناس ، فأوجدوا من شكاياتهم مستنداً لتحقيق ما يشتهون وصدر قرار من مجلس الوزراء بمنعه من الخطابة والتدريس .
وليس هذا كلاماً يُدَّعى أو يُقال ، بل كان لدى الوالد كتاباً بتوقيع هؤلاء المشايخ ، وعليه خاتم افتاء محافظة إدلب ، موجَّهٌ إلى المُحافظ يطعن بالشّيخ ويصفه بتضليل الناس ، وهذا الكتاب سقط من جيب حامله في الطريق وهو يحمله إلى المحافظ ، فجاء به مُلتقطه إلى والدي ، فحزَّ ذلك في نفسه كثيراً ، ولم يزدْ على أن قال : هذا ياولدي صنيع المنسوبين إلى الإفتاء والعلم والدين .

صـــدى الدعـــوة :
كان ضيق صدر المشايخ بهذه الدعوة المباركة من جملة عوامل انتشارها في أوساط الشعب ، ذلك لأنهم بالغوا في الكذب والتدْجيل ، فدفعوا الناس بمبالغاتهم وإشاعاتهم المغرضة ، للتثبت والتحقق ، وظهر لهم صدق الشيخ في الدعوة إلى الله ، فكان تلامذته موضع الاحترام والتقدير ، وازدرى الناس خصومه ، وازدادوا كُرها لهم ، وباتوا في غمٍ وهمٍّ وخذلان ، وكثُـرَ إقبال الشباب على الدروس التي كان يلقيها الشيخ في بيته مساء كل يوم اثنين وأربعاء وجمعة ، وزاد إيمان الناس بدعوة الحق .
ويمكن أن توصف إدلب وقتها بأنها أكثر البلاد وعياً وفهماً ، والحمد لله رب العالمين .
كان وقته – رحمه الله – موزعاً بين عمله كمديرٍ لمدرسته الخاصَّة ، و بين العمل الاجتماعي مع الناس ، و حل المنازعات ، و فض الخصومات ، و رد على فتاوى المستفتين ، و بين علمه و مطالعاته و دروسه و لقاءاته ، حتى لا يكاد يبقى لبيته من وقته إلا القليل .
و يا ليت وقت العمل كان مفرّغاً لعمله ، فمكتبه في مدرسته ديوان محكمة ، بل قل دائرة فتوى ، و إن شئت فهي دار ضيافة ، إضافة إلى كونها إدارة المدرسة .
كانت أمي حفظها الله تناديه مداعبة " يا جارنا " إن أرادته لشأن خاص أو لتناول الطعام ، و قلَّ أن يتناوله منفرداً مع أهله ، فكثيراً ما يكون معه على طعامه الضيفان ، و ما أكثرها من أيام كانت أمي فيها ثائرة و هي تعد الطعام للضيوف الذين أتوا مع ولدي بغتة ، فهي تفعل ما بوسعها في أقصر وقت لتكون المائدة معدة في وقتها ، و بشكل يريحها أمام ضيوف زوجها ، - و الحق – أن ثورتها كانت مع نفسها ، لا يشعر بها والدي ، و من أجل أنها في ضيق من الوقت لا يعينها على إظهار مائدتها بالشكل الذي يُرضيها ...

اجتهاداته :
كان له الكثير من الاجتهادات ، في مواضيع مختلفة .... مثل :
• حكم ولد التحميلة .
• أحكام إسقاط الجنين .
• حكم استيداع السندات في المصارف .
• صلاة الظهر يوم الجمعة .
• فتاوى في الطلاق .
• فتاوى في الرضاع .
زكاة أموال الشركاء .

كان له أحاديث إذاعية في الإذاعة السورية 1965 في سلسلة طويلة تحدَّث فيها عن :

1. الإسلام و الحرية الفكرية
2. الإسلام و المدنية الحديثة
3. الإسلام و العدالة الاجتماعية
4. الإسلام و السلام العالمي
5. الإسلام و العدوان الخارجي


من أبحاثه المنشورة :
مقالات عديدة في مجلات عدة ومنها :

- بحث بعنوان ( الحياة التعليمية في محافظة ادلب ) نشر في مجلة العمران .
- بحث بعنوان ( رجالٌ من إدلب ، أسهموا في صنع التّاريخ ، ويجب أن لاينساهم التّاريخ ) نُشرفي مجلة العمـران .
- بحث بعنوان ( هل وجه المرأة عورة ) نشر في المجلة السلفية في الهند .
- بحث بعنوان " العراق والشعبة العالية الدينية ، في جامعة آل البيـــت " نُشِر في مجلة الجامعة .
- محاورات كتابيــة بينــه و بيـن السيـــد يوســف هرمــز ساعاتـــي من لبنــــان يحـاول فيهــاالمذكور تنصير الشيخ
وقد جمعت هذه المحاورات تحـت عنـوان ( دعوة لتنصيـــر الشيـــخ نافع ) وفي نهايتها أسئلة موجهة له عن
الطائفية ، وكانت على مستوى رائعٍ رفيعٍ من الأدب والذوق والموضوعيَّة .
- القدرة المذمومة و العجز المحمود .


كُتبُــــه ...
كان طيلة حياته منشغلاً بحل مشاكل النّاس ، والردِّ على استفتاءاتهم ، وإقامة دروس الوعظ والإرشاد لهم ، مما لم يسمح له بوقتٍ كافٍ للتأليف ، فكانت تآليفه قليلةً نادرةً :

من كتبه المطبوعة :
- كلمات في الشرك والتوحيد .
- صلاة الجمعة .


أمَّا كتبه المنسوخة فمنها :
- النَّصر في الإسلام
- التقليد في الاسلام و أثره في الأمة .
- البدعة و أثرها في الأمة .
- حكم المتعة في الاسلام .


أشعاره ...
هو ليس بشاعر ، ولكنَّه أحبَّ الشِعر و كتب فيه ما يزيد عن ديوان .
كان يكتب خواطره شعراً ، و كثيراً ما كان يكتب قصيدة المناسبة .
كتب عن الوطن و كتب عن الأمور الاجتماعية التي كان يحُس بها حولَه و يلامسها عن قُرب و كتب في الرثاء .
كتب مساجلاتٍ شعرية و شطَّر الكثير من قصائد الشعر .


بعض الأمثلةٌ من شعره ....

قال فـي رثــاء والــده الشيخ عبد الكريم الشامي " رحمــه الله "

لقـدْ أنْزلُـوكَ القبْـرَ جَهــراً و إننـي ******* إلى قلبـيَ المُضنى نَقلتُـكَ في السِّــرِ
فأنْــتَ إذاً في قلـبِ مولودكَ الــذي ******* عَهدتَ به الإخلاصَ فاهنَـأ بذا القَبـرِ
أقـولُ لمـن أضْحـى نَزيـلاً بقبـــرِه ******* عليكَ أبـي أزكى السَّلام مَدى الدَّهـرِ
لقدْ عزّني صَبـري عليـكَ فلـم يَـدَعْ ******* لِقلبـي نَصيبـاً من عَـزاء ولا صَبْـــرِ
وقدْ كُنـتُ أبكـي مٍـن فِراقِـك ليلــــةً ******* فكيفَ و قدْ صارَ الفِـراقُ إلى الحَشـرِ


وقال في الرثاء أيضاً ، يرثي سماحة الشيخ العلامة طاهر المنلا الكيالي الرفاعي .

تساءلَ النــاسُ ما للأرضِ مائــــــــدةً ****** فقــالَ قائلُهـــم دُكَّـــتْ رواسيها
فكرروا سؤلَهم : ما بالُها نَقُصَـــــــتْ ****** فصاح صائحُهم طاحـتْ عواليها
فاستنبؤوا مَنْ خلا منها فصدَّعَهـــــا؟ ****** فقيل ( طاهرُنا المنلا ) ثوى فيها
اللهُ أكبرُ جَلَّ الرزْءُ وانصدعــــــــتْ ****** منا القلوبُ على فقــدانِ هاديـها
قد كنتَ يا طاهرَ الأذيالِ مفخـــــــرةً ****** على البلاد تباهتْ إدلــــــبٌ فيها
علمٌ غزيرٌ وفضل غيرُ منحصـــــــرٍ ****** وحكمة قد سمتْ دهراً براعيهــا
ريبُ المنونِ طواها اليومَ معتسفــــاً ****** وخلـَّفَ الأرض خلواً من مغانيها
الله أكبـــرُ جــلّ الخطــــب في جبــلٍ ****** من العلـــوم توارى وانثنى فيها
كان والله سيفاً سُـــــلَّ منصقـــــلاً ****** في عنق من رام تضليلاً وتشويها
لله رحتَ بنصرِ الديـــــــنِ مُتَّصِفـاً ******* وقد تركتَ لنا الآثارَ نُمليهـــــا
كفاكَ ذاكَ خلوداً في الــــورى ولنا ******* عنكَ العزاءُ بآثارٍ سنرويهـــــا
فاهنأْ بقبركَ فيما قد مضيتَ بـــــه ******* من مَكرُماتٍ يباهي نسلُكم فيهــا
واسعَدْ بشبلين ما اعوجَّا بسيرهما ******* نحو العُلا فهما في الناس حاميها
سامي الخصال أبو يَحيى لهُ عُضُـدٌ ******* شقيقُهُ حَسَنٌ راعي مباديهــــــا

آخر المطاف .... رثاه الراثون ، ونعاه الناعون ، وكم وقف هو مثل هذا الموقف ، ولكنها سنة الحياة ...
كان أجمـل ما قيـل في رثائـه ، قصيـدة لشاعـر مدينـة ادلـب الفـذّ الأسـتاذ بديع المعلم رحمه الله ، قرأها في مجلس العزاء بعد عودتنا من المقبرة فقال :
قِـفْ بالجمّوع ، وقُلْ لي كيف تَحتملُ *** وانظـر أمامَـك لمّا قـد هَـوى الجَبـلُ
تـاللهِ إنَّ صَميـمَ القلــبِ روّعَـهُ *** هـذا المُصـاب- لَعَمْـري- إنَّـه جَـلَلُ
منـارة تـلك كانـت جِـدَّ شاهقــةٍ *** فربَّمـا لـم يُعَوَّض مثلَهُ رجُــلُ
أينطفـي الفرقـدُ الوضّـاءُ وا أسفـاً *** فكــلُّ قلـبٍ لهــذا خائـفٌ وَجِــلُ
* * * * *
لا تَصدُقُ العيـن لـو سالَـتْ مدامعهـا *** إن لـم يكُ القلـبُ قبـلَ العينِ يَنهملُ
أغبـتَ عنّـا (أبـا عبـدِ الكريـم) ومـا *** قـد كنـت إلاّ شِهـاباً وهو يشتعـلُ؟
ما كُنـتَ فـي النـّاس إلا مُفْـرداً علَمـاً *** فـي حومَـةِ العلم أنتَ الفارسُ البطلُ
* * * * *
يا نافعـاً كـم نفعـتَ النّـاسَ قاطبــةً *** حديثــكَ الشَّهـدُ أو تَبْيانُكَ العسـلُ
وأنـتَ في عَصرنـا نِعْـمَ الإمـامُ ومـا *** قـد كنـتَ يومـاً لغيـرِ اللهِ تَبْتهـلُ
أعـدتَ بالصّـدق للإسـلام جوهـــره *** كـأنَّمــا رَجَعـــتْ أيّامـه الأُوَلُ
والحـقُّ عنـدك مثـل الشمس مشرقـةً *** هــل دون ذلك إلاّ المَيْـنُ والدّجـلُ
ورُبَّ ميْــتٍ ولا ألــفٌ يعادلُــــهُ *** وليس من بَـدلٍ بـل يعجَـزُ البـدلُ
هـل مـن طبيـب يزيـد العمـرَ ثانيـةً *** إذاانطوىالعمـرُ يوماً وانقضى الأجَلُ
ما السالكـونَ طريـق المُصطفى شَغفـاً *** إلاّ إلـى الله فـي أهدافِهـمْ وصلـوا
وهـذه الـدارُ مهمـا ازَّيَّنـتْ جَـــدَثٌ *** مـنَ القُبور ، ومهما ازّخرفـتْ طَلَلُ
مضـتْ فـوارسُ فـوق الخيـلِ راكبـةً *** لكنهـم نزَلــوا مـن بعدما خُـذلوا
وكـلُّ شـيءٍ يــدُ الـرّحمن قَـــدّره *** لا المشتري يُسعْـدُ الإنسـانَ لا زُحَلُ
الكـلُّ يَفنـى ، ولا يَبقـى بنـا أحـــد *** ولا يُخلّــدُ إلاّ الواحِـــــدُ الأزلُ
* * * * *
وأنتَ فـي عصـرنا نِعـم الإمـامُ أمَـا *** شِعَـارك المَثــلُ الأعلـى بل المُثُل
ولـنْ نَـرى مِثـل تقـوى اللّه يَعصمُنـا *** فإنّهــا ثـروةٌ عنوانُهـا العَمــلُ
مـن لـم يكـنْ عِنــده زادٌ لينقِـــذه *** يا ويلَــه ضـاعَ حتـى مالَه أمـلُ
يــومَ القيامَــةِ يأتـي اللهَ منفــرداً *** لا ناقـةٌ عنـدهُ تُزجــى ولا جَمَـلُ
ما فَــازَ إلاّ الـذي التّقــوى تُـزوّده *** وقلبُــه خاشـعٌ مِـنْ ربِّـه وجِـلُ
طُوبـى لمنْ مِـن أبـي الزَّهـراء سنَّتُه *** وليـسَ إلاّ علـى الرّحمـن يَتّكِــلُ
أليسَ إِنْ طُبّـقَ الإسْــلام فـي بَلَــدٍ *** تَصافَـحَ الأَخـوانِ الذِئـبُ والحَمَـلُ
فوجْهُـك الطّلـق كـلُ النـاسِ تلثمُــه *** وكيـفَ تَشبـعُ مِـنْ وجْناتك القُبَـلُ
وسنّــةُ الله بيـنَ النَّـاسِ قاطِبـــةً *** نأتــي الحيـاةَ فنَطويـها ونرْتَحِـلُ
* * * *
بوركـتَ مِـنْ بَطـلٍ خلّـدْت أمثلـــةً *** مـنْ عِلمـك الثَّــرِّ تَسقينا فنَنتهـلُ
البـدرُ دلّ عليــهِ الضَّـوءُ وا أسفـي *** تَرَقُّـبُ النَّقــصِ فيـه حيـنَ يَكْتمل
لله كـمْ يشتهــي زهـرٌ شمائلــــه *** شَوقـاً ، فيُسكر روحي عِطرُه الخَضِلُ
وأنـت تَـأرَجُ فـي روضٍ كَزنبقـــةٍ *** كـم راح يَحسُدُها مِنْ شَـوقِه الأُصُل
تُنَقِّـحُ التِّبـر صَفْـواً مِـنْ عناصــرِهِ *** فيــالكَ اللهُ لا زِيْــفٌ ولا دَخَــلُ
* * * *
تأبـى المزالـقَ فـي صَبـرٍ ولا عَجـبٌ *** وكـلّ شـيء سـوى الإيمانِ مُبتـذلُ
ولـم تُـرِدْ بهجـةَ الدُّنيــا وزينتهَــا *** ولُـذْتَ بالزُّهــد لا حِلْـيٌ ولا حُللُ
رضيـتَ بالله ربــاً أنـت تَعبــــدُهُ *** ما المال فـي سِحرِهِ ماالغِيدُ ماالغَزَلُ؟
كـم نعمـةٍ نقمـةً كانـتْ لِصاحِبـــها *** كــم سُمّيــت نعِمَـاً لكنهـا عِلَلُ
طوبـى لنـا معشـرَ الإسـلامِ مِـنْ نِعمٍ *** فالمُؤمـن الحقُّ في الجنَّـاتِ مُنْشَغِلُ
عليـكَ رُضــوانُ ربّي ثُـمَّ رَحمتُـُــه *** ما نـاحَ طَيْرٌ وما قـد حَنَّـتِ الإِبِـلُ


الخاتمة :
وأنت يا والدي إنَّ الموت حق , ولكنك ستحيا مرتين ............. مرّة في الدّنيا ما بقينا في ذكراك , و مرّة عند اللّه عزّ وجلّ بإيمانك ، ودينك ، وخلقك .
وتلك هي الحياة الخالدة حقّاً ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

للاطلاع على الحلقة السابقة اضغط هنا