الشيخ علي الدقر - رجل في أمَّة

 

صاحب أكبر نهضة علمية بالشام، ومناضل الاستعمار الفرنسي الغاشم، والتنصير والتبرج والسفور، والناشر الأكبر للمذهب الشافعي في الشام

(1294- 1362هـ = 1877- 1943م)

*هو محمد علي بن عبد الغني بن محمد علي بن عبد الغني بن صالح الدقر.

*ولد الشيخ علي بدمشق في "زقاق البُرْغُل" بـ "حي الشاغور الجوّاني" العريق، رابع خمسة من إخوته، لأسرة معروفة بها منذ أزيد من أربعة قرون، أصلها من مدينة "بعلبك" في البقاع بلبنان، رحل أحد أجدادها منها إلى دمشق إثر فتنة قامت بين السنة والشيعة فاضطربت الأوضاع فيها وفُقد الأمن فرحل ذلك الجد إلى دمشق وحط رحاله فيها.

1

*معنى الدقر في اللغة: الروضة الغنّاء كثيرة النبات، ودقر المكان: صار ذا رياض وندى وكثر نباته.

*لكن شهرة الأسرة ليست من النبات ولا من الرياض، وإنما - في غالب الظن لبعض الباحثين- أنه جاء من قول العامّة "دَأَّر" أي: دَقَّر الرجل؛ إذا ترَيَّثَ وتوقّف لأمر ما. وذلك أن هذه النسبة لحقت بهم من أحد أجدادهم: أنه كان إذا سُئل عن شيء تمهَّل وفكَّر؛ فقال الناس: "دَأَّر".

*والده: عبد الغني تاجر ومُتَعَهِّد ومُزَارِع ورجل أعمال وعقارات كثيرة, ومن كبار أغنياء دمشق ووجهائها.

*طلبه العلم وأبرز شيوخه:

1- الشيخ عبد الكريم الدقر: بدأ الشيخ علي طلبه العلم بتعلم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في أحد كتاتيب دمشق برعاية عم لابيه عطّار له دُكّان يسمى "الشيخ عبد الكريم الدقر"؛ فأحبّه كثيرا، ولازمه وانتفع بتوجيهاته حتى إنه تمَنّى أن يكون أباه؟!

2- الشيخ أبو الصفا المالكي: ثم انتقل إلى "مدرسة الشيخ عيد السفرجلاني" ت 1931م، ليظل فيها سنوات حصّل خلالها مبادئ العلوم الإسلامية والعربية، وأشهر من أخذ عنهم فيها الشيخ المقرئ أبو الصفا المالكي ت 1907م؛ فقد تعلم عليه القرآن الكريم حتى أتقنه.

*ثم انصرف إلى حلقات العلماء في مساجد دمشق، ولم يصنع كإخوته الأربعة الذين كانوا منهمكين مع والدهم في الأعمال التجارية، وقد تألّم والد الشيخ علي - من سلوك ولده هذا الذي يحبه كثيرا- تألم من سلوكه ذلك "الشاذّ" عن إخوته فشكا إلى صديق له حانوتي "بقّال" فقال له يبثه همَّه: "ما أدري والله كيف سيعيش هذا الولَدُ إذا كبر، وكيف تكون حاله بعدي؟", كما يقول الشيخ علي الطنطاوي عنه "رجال من التاريخ 2/142، 148".

وما درى أنّ القدَر خبَّأ له حياة سامية عريضة، لن تكون لأحَد غيره.

2

3- الشيخ أمين البيطار: لقد لازم الفتى علي الدقر - بعد دراسته في مدرسة الشيخ عيد السفرجلاني- حلقات العلوم الإسلامية والعربية والفلسفة المنتشرة آنذاك في دمشق؛ فأمَّ أولًا حلقة الشيخ أمين البيطار ت 1908م في "جامع السنانية" وقرأ عليه حتى بلغ مرحلة الشباب.

4- الشيخ محمد القاسمي: ثم انتقل إلى حلقة العالم الفاضل الصَّدَّاع بالحق الشيخ محمد القاسمي ت 1918م في "جامع حسان - باب الجابية" وهو الذي أحبه فلازمه ملازمة تامّة؛ فدرس عنده مدة طويلة بعض علوم العربية وعلم الكلام والفقه الشافعي وأصوله، وكان هو معيد الدرس، وكان ينتظر شيخه عند بيته فيخرج معه لصلاة الفجر، فيحضر الدرس عنده، ثم يُعيده، ووجَّهه إلى التدريس لما صار أهلا له، فصار مدرسا في حياة شيخه له حلقة قصدها الطلاب، وتدرّج بهم في الإقراء حتى قرّر الكتب الكبار لهم وشيخه ما زال حيا.

5- الشيخ أمين سويد: كما تردّد على العلامة الأصولي الشيخ أمين سويد ت 1936م فقرأ عليه إلى جانب التصوف بعض العلوم الأخرى.

6- المحدث الشيخ بدر الدين الحسني: كما حضر لدى محدث الشام وعالمها الكبير الشيخ بدر الدين الحسني ت 1935م، وكان عنده أثيرا مقدّمًا؛ فقرأ عليه كتب الحديث الستة، وبعض الأصول، وسوى ذلك، وربما اختصه بقراءة بعض الكتب بغرفته في "دار الحديث النورية"، وكان يقدمه لإمامة صلاة العشاء في بيته بعد انتهاء الدرس الخاص.

*وتفرّس الشيخ فيه الخير فصدقت فراسته، ولما انتشرت دعوته وبدأت نهضته العلمية أخذ يؤازره ويشجعه.

7- الشيخ محمد بن جعفر الكتاني: كما اتصل بالمحدث الشيخ محمد بن جعفر الكتّاني ت 1926م.

3

*بدء دعوته المباركة ونهضته العلمية الكبرى في الشام نحو 1915م:

ثم شرع الشيخ في الاستقلال قبل وفاة شيخه الشيخ محمد القاسمي بسنوات قلائل، فكانت له حلقة علمية خاصة انطلق بها من "جامع السادات" بباب الجابية، بعد أن ضاقت الأحوال المعيشية بالناس فانشغلوا بتوفير لقمة العيش والعمل لقوت اليوم، وانتشر الفقر والجهل عامة، وبالعلم الشرعي خاصة، كما فشا الفساد وبعض السفور، وحل الاستعمار الفرنسي البغيض بالبلاد بمساوئه ومخازيه وطاماته وسوآته.

*هذا وقد ركز الشيخ في دروسه على أربعة أمور في غاية الأهمية استمرّ عليها إلى آخر حياته، هي:

1- الحض على التكافل الاجتماعي والبر ومساعدة الفقراء والمعوزين.

2- معالجة مشكلات المجتمع والسوق والباعة وأرباب المهن والصنائع.

3- مكافحة "الاستعمار" والتنصير والسفور والتبرُّج.

4- الحض على طلب العلم الشرعي ورعاية طلابه وكفايتهم حتى تخرجهم، وتأسيس معهدين لذلك، وذلك بعد انتشار المدارس التي تعلم علوم الكفار، بمدرّسين متخرجين في بلاد الإفرنج؟!

*وسأتكلم بإيجاز عن كل واحد من هذه الأمور الهامّة:

أ- التكافل الاجتماعي: كان الناس يعانون الفقر وشظف العيش أثناء الحرب العالمية الأولى وبداية دخول الفرنسيين المحتلين إلى سورية، فانشغل الناس عن العلم الشرعي خاصة بتأمين لقمة العيش.

فشرع الشيخ يحض في دروسه على التكافل الاجتماعي، وركز على ذلك، وصار يحث الناس على فعل الخير والبِرّ، ومواساة الفقراء والمحتاجين.

4

ب- معالجة مشاكل السوق والباعة: كان الشيخ يعقد دروسا للتجار المجاورين له - في جامع السادات قرب "سوق مدحة باشا" و"سوق الذراع؛ الضراع" (مكان أسواق الحريقة اليوم)- فكان يعقد دروسا علمية لأولئك التجار في غرفة علوية بمسجد السادات؛ في القرآن والتفسير والعربية والفقه والحديث.

وكان هؤلاء التجار يخبرون الشيخ بما يجري في المجتمع من عادات سيئة وانحرافات ومخالفات لشرع الله تعالى؛ مما يرتبط بالزواج والبيوع....

وازداد تأثير الشيخ وكثر الإقبال على دروسه، ولم يعد الأمر مقتصرا على التجار وحدهم بل انضم إليهم كثير من الشباب، لإخلاصه وأسلوبه المؤثر، والموضوعات التي كان يطرحها والمهمّة عندهم.

وضاقت سدة المسجد "مسجد السادات" عن الحاضرين المتشوقين المتعطشين، فانتقل شيخهم بهم إلى "جامع السنانية" الكبير.

وكان يدعو في دروسه إلى إصلاح الفساد ويحذر الناس وينذرهم، ويضع لهم الحلول الناجعة العملية لمشكلاتهم وأدوائهم، ويؤثر فيهم تأثيرا بالغا، يدمع العيون، ويورث الخشية، ويفعل في النفوس فعل السحر.

ج- مكافحة "الاستعمار" الفرنسي والتبرج والسفور و"التبشير" التنصير: وسأرجئ حديثي عن مكافحته ومناضلته الاستعمار إلى آخر هذه الفقرة.

*أما مقاومته للتبرج والتنصير: فقد نمَى إلى علم الشيخ علي أن بعض الفرنسيين بدؤوا بـ "التبشير" لتنصير المسلمين في "حوران" و"البقاع" بلبنان، وأن نساء المسلمين في دمشق بدأن يتكشفن في الشوارع - "وهما في الحقيقة امرأتان سارتا كاشفتي الوجه، إحداهما مديرة دار المعلمات، والأخرى من بيت المحاسني سارت كاشفة الوجه في حي القنوات؟!!"-، وأن مدارس الدولة تعلم العلوم بعيدا عن الدين الإسلامي؟!!

وعظم الأمر على الشيخ واشتدّ؛ ففكر الليالي الطوال فيما ينبغي فعله، وماذا يجب أن يفعل لمحاربة هذين الداءين الوبيلين والخطيرين.

5

وأشار عليه بعضهم مقترحا أن يستقدم بعض أبناء الحورانيين وغيرهم لتعليمهم وتوعيتهم ثم نشرهم في القرى والبلدات المختلفة للوقوف في وجه إرساليات المنصرين "المبشرين".

ورأى الشيخ المسؤولية عظيمة، وأن العلم وحده لا يكفي، فصار يدعو الناس إلى العمل بإخلاص، والشعور بالمسؤولية في التوجيه والعلم، وتحذير الناس من سوء العواقب إذا أهملوا واجباتهم، ويذكرهم بغضب الله, ويحضهم على مناهضة الفرنسيين وجهادهم بكل مستطاع، وصار يدعو إلى الآخرة، فتوسعت دروسه، ولم تعد مقتصرة على التجار بل انضم ليهم الشباب الذين لمسوا إخلاصه وشدة تأثيره.

*وكل تلك الأسباب أدت إلى تأسيس معهدين شرعيين للصغار والكبار، كما سنتكلم عنهما لاحقا بعون الله تعالى.

*مكافحته للاحتلال الفرنسي: لقد كان الشيخ يحذر في دروسه وخطبه من الاستعمار الفرنسي ويدعو إلى جهاده ومقاومته بما استطاع المسلمون من قوة، ومن أقواله في إحدى خطبه في "جامع السنانية": (يا إخواننا اللِّصُّ داخِلَ الدار، وهو يطلب منكم ثلاثة أشياء: دينَكُم ومالَكم وعِرضكم؟!)، فسأله بعض الحضور: ومن هو هذا اللص يا شيخي؟! فأجابه: إنه فرنسا!

*الرحلة الشهيرة للشيخ علي الدقر مع كبار العلماء للتحريض على الثورة السورية: وقبل الثورة السورية وفي عام 1924م قام الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ علي الدقر والشيخ هاشم الخطيب وثلة من طلاب الشيخ الدقر بجولة في المحافظات السورية من دمشق إلى دوما إلى حمص إلى حماة فحلب، وجل سورية، وكانوا كلما وصلوا بلدة أو قرية خرج أهلها لاستقبالهم بالمواكب والأهازيج، ثم ساروا وراءهم إلى المسجد الكبير فيها فتكلموا فيه ووعظوا الناس وحمَّسوهم، وأثاروا العزة الإسلامية في النفوس، وحضوا جميع الناس على جهاد الفرنسيين والثورة ضدهم لإعلاء كلمة الله.

6

وما أن عاد الشيوخ من رحلتهم المباركة تلك حتى نشبت الثورة السورية المباركة على المحتل الفرنسي الفاجر، وكانت هي العامل الأول والمباشر لقيام الثورة السورية على فرنسا الغاشمة سنة 1925م والتي قامت أولا في "الغوطة" بطلاب العلم الشرعي للجهاد - قبل "جبل الدروز"- ودامت سنتين، وأدهشت ببطولاتها وبسالتها وتضحياتها أهل الأرض، كما يقول الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله.

د- نشر العلم الشرعي وفتح معهدين متميزين له: سبق البيان أن الشيخ علي أقض مضجعه انتشار الجهل بالعلم الشرعي، وفشو الفساد والتبرج والسفور والتنصير بسبب الاستعمار الفرنسي والفقر والحاجة، وانتشار مدارس تدرس علوم الكفار بأيدي معلمين تخرجوا في بلاد الإفرنج، أو درسوا على أيديهم، فأشار عليه بعض إخوانه بجلب طلاب من حوران والبقاع وغيرهما وتعليمهم العلم الشرعي، وهذه المشورة كانت الشرارة الأولى لتأسيس الشيخ معهديه اللذين أنتجا نهضة علمية كبرى في الشام!

*تأسيس "الجمعية الغراء" بدمشق سنة 1343هـ - 1924م، و"مدرسة سعادة الأبناء الابتدائية" للذكور 1926م في "الخيضرية - الشاغور"، و"مدرسة روضة الحياء الابتدائية للبنات" سنة 1927م، و"معهد العلوم الشرعية" سنة 1934م، ثم "ثانوية السعادة" سنة 1946م:

قبل إنشاء هذه المدارس رسميا بدأ الشيخ يأخذ من أبناء "حوران" و"البلقاء" جنوبي الشام ومن تركية وأماكن أخرى من أولاد الناس من يعلمه ويفقهه في الدين، وكانوا يدرسون لدى الشيخ في مسجده نهارا، ثم يأوون في الليل إلى غرف بعض مساجد دمشق الموقوفة على طلبة العلم. فصار الطلاب يلزمون الشيخ عليا سنوات ليعودوا إلى قومهم منذرين معلمين ومرشدين؛ فأحيا الله به تلك الديار، وردها إلى هدي الإسلام.

*وكان من أثر دعوته المباركة تلك أن كثر لوث العمائم بالشاش على الطرابيش حتى قل الشاش!!، واستراح الحلاقون من حلق لحى الرجال

7

فعُطّلت الشفرات لتعمل فيها الأمشاط، وكثرت الأزر البيض بدل المُلاءات السود للنساء؟!! كما يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، واصفا تلك المرحلة التي عاصرها وشاهدها وتفاعل معها.

ثم مع تزايد عدد الطلاب وإقبالهم الكبير رأى الشيخ الحاجة ماسّة إلى "مسكن قائم ومورد دائم" - بتعبير الشيخ الطنطاوي- فألف بمساعدة بعض التجار المحيطين به "الجمعية الغراء لتعليم أولاد الفقراء"، وكان لها دور عظيم بفتح مدارس ابتدائية للصغار، ومعهد علمي شرعي للكبار.

واستعان الشيخ علي بشيخه شيخ الشام وزعيمها الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني لأخذ "مدرسة تنكز" الكبيرة من المحتلين الفرنسيين فأجابه الشيخ وأخذها منهم في أقلّ من شهر لتتسلمها "الجمعية الغراء" وتجددها بجمع الأموال الكثيرة لذلك من أعضاء الجمعية التجار، وجهزت خلال سنوات، لتغدو كالشابة العروس بعد أن كانت عجوزا.

وبدأت المدارس والمعهد في العمل، ووضعت لهما أفضل المناهج والمواد العلمية، واختير لها خيرة المعلمين والمدرسين والموجهين.

*كان طلاب "معهد العلوم الشرعية" من دمشق ومناطق سورية شتى، ومن خارج سورية؛ فكان الطلاب الدمشقيون يدرسون فقط، ثم يذهبون إلى بيوت أهليهم.

أما الطلاب الآخرون فكانوا يدرسون، وتقدم لهم الجمعية الطعام والكساء والمبيت، وكانوا يقومون بالمطالعة والدراسة من العصر حتى المغرب.

وكان لهم ثلاثة موجهين ومشرفين واحد نهاري، واثنين ليليين.

وظلت تعمل وتخرج الآلاف من خيرة الطلاب والدعاة والمعلمين، واستمرت في العمل حتى بعد وفاة الشيخ علي إلى حوالي سنة 1970م.

وأما "معهد العلوم الشرعية" فألغاه الوزير البطاش عبد الحميد السراج زمن الوحدة في 25/9/1959م؟!

8

*وفاة الشيخ: في أواخر الثلاثينات الميلادية بدأ الضعف والمرض يسيطران على الشيخ علي، فمُني بالتهاب المفاصل، ومع هذا فإنه لم تتوقف دروسه، ولم يدع حلقات المسجد العلمية إلا في شدة المرض، فنصحه الأطباء بالسكنى في سفح "جبل قاسيون" للهواء الصحي الجاف، ففعل، وأمسى يقرئ الناس في بيته.

وثقل المرض بالشيخ فضعفت ركبتاه كثيرا حتى ألزمتاه الفراش أزيد من سنتين، ومع كل تلك المعاناة فإنه ظل محافظا على التعليم وصلاة الجماعة في "جامع المرابط" يهبط من منزله في الجادة الخامسة إليه، حتى وفاته.

واشتد ضعفه ومرضه حتى لاقى ربه يوم الثلاثاء 25/صفر/1362هـ - 2/آذار/1943م. وحملت جنازة الشيخ على الأكتاف من داره حتى "الجامع الأموي" تحت قطرات الأمطار، فصلي عليه ثمة، ليحمل بعدها ويدفن في "مقبرة الباب الصغير" بدمشق، وأقيم له هناك حفل تأبيني.

*مجلس العزاء في "جامع تنكز": وأقيم للشيخ مجلس عزاء ثمة لثلاثة أيام وحفل تأبيني حضره كبار الشخصيات، وذكرت فيه مأثر الشيخ وبعض مناقبه، وكان ممن حضر المجلس في الأيام الثلاثة الرئيس السوري شكري القوتلي الذي تحدث بخطاب بأكثر من صفحتين لكنه لم يصرح باسم الشيخ علي فيه ولا مرةً واحدة؟!

*برنامج الشيخ الخاص في رمضان: كان رحمه الله إذا أقبل شهر رمضان انقطع عن التدريس، وأوقف الحلقات العلمية، وتفرغ هو وبعض تلاميذه معتكفين في المسجد - حتى انقضاء شهر الصيام- للطاعة والعبادة وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى باللسان والجنان، تاركين الدنيا خلف باب المسجد؛ ليأخذوا زادا ومددا روحيا وذخرا إيمانيا لسنة كاملة قادمة؟!

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه كان يرسل بعض طلابه المتميزين المتمكنين إلى القرى والبلدات والنواحي المختلفة حول دمشق ليعظوا الناس في الشهر المبارك، ويعلموهم أمور دينهم، ويبقون معهم حتى صلاة العيد، فيصلونه معهم ثم ينفتلون راجعين إلى شيخهم بدمشق.

*برنامج الشيخ علي الأسبوعي "في غير رمضان، وعدا يومي الجمعة والثلاثاء": كان يوم الشيخ ملآن كله بالعلم والعبادة والذكر؛ إذ يبدأ يومه بصلاة الفجر إماما للناس بجامع السادات بسوق مدحة باشا، ثم يجلس يذكر الله تعالى ويقرأ أوراده ويبتهل ويدعو ربه حتى مطلع الشمس.

وكانت حلقات العلم في المسجد حوله قائمة، لكل حلقة معلم من طلابه السابقين، يعلمون من فيها علوم الفقه والعقيدة والعربية وسواها.

حتى إذا انتهى الشيخ من أوراده بطلوع الشمس خرج صُحبةَ طلابه إلى "جامع سنان باشا؛ السنانية" فاستمعوا فيه إلى درسه العام في الوعظ لساعة ونصفها، وكان المسجد يزدحم بمُرتاديه حتى يضيق بهم مكانه، وربما وصلوا إلى الشارع، وكان النساء يجلسن في سُدَّة المسجد.

*أما في يومي الجمعة والثلاثاء فيقام درس الشيخ علي في "جامع السادات" نفسه.

وعقب انفضاض المجلس العام للشيخ، ينفرد بخاصة طلابه ليدرسهم الفقه الشافعي وأصوله، ويظلون حتى الضحوة الكبرى، فيعود عندها إلى بيته ليفطر مع جماعة منهم.

ثم يصلي الظهر إماما بالناس في المسجد، ويقرأ بعدها درسا خاصا في النحو، وبعد صلاة العصر درسا آخر في البلاغة، وبعد المغرب درسا في التفسير، وبعد العشاء في علوم الحديث النبوي والفرائض والمواريث.

*نشر الشيخ الدقر للمذهب الشافعي: ومن الجدير ذكره أن الشيخ علي الدقر كان الناشر الأكبر للمذهب الشافعي في دمشق الفيحاء؛ لأن أكثر العلماء فيها كانوا على مذهب الإمام أبي حنيفة مذهب الدولة الرسمي - كما يقول د. نزار أباظة- فأخذ طلابه عنه المذهب الشافعي، ونشروه في الشام وحوران وغيرهما.

*فتوى الشيخ بتحريم تعاطي الدخان: لقد أصدر الشيخ فتوى بتحريم شرب الدخان وتعاطيه؛ فكان الشيخ أول من أعلن فتوى في تحريمه.

10

*نعت الشيخ وحليته: وصف الشيخ علي الطنطاوي الشيخ علي الدقر بقوله: "وكان الشيخ علي - كالشيخ بدر الدين- جميل الصورة، ناصع البياض، أزرق العينين، حلو التقاسيم، له لحية بيضاء تزيده جمالا... يتخذ العمامة التجارية من القماش الهندي المُطرّز، لا العمامة البيضاء عمامة العلماء". رجال من التاريخ 2/ 148.

*آثار الشيخ: لم يترك الشيخ كتبا ولا مؤلفات، بل كان جهده منصبا على تربية الطلاب وتأليف الرجال، شأن أكثر علماء القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين الماضيين؛ فقد كانوا يكتفون بقراءة وتقرير وتدريس ما ألف من كتب وشروح ومتون وحواش وتعليقات مهمة، وينصرفون بكليتهم إلى تربية الطلاب والناس وتهذيبهم، وحل مشاكلهم، وإفتائهم وإصلاحهم، وتدريس الطلاب وتهيئتهم ليكونوا معلمين ومربين ودعاة صالحين.

*أبرز طلاب الشيخ: 1- ش عبد الكريم الرفاعي ت 1973م.

2- المقرئ الشيخ عبد الوهاب الحافظ "دبس وزيت".

3- ش حسن حبنكة الميداني ت 1978م. 4- ش صادق حبنكة ت 2007.

5- ش إبراهيم اليعقوبي ت 1986م. 6- ش نايف العباس إنخل ت 1986

7- ش أحمد الصابوني من حلب ت 1954م. 8- ش أحمد نصيب المحاميد ت 2000م. 9- ش خالد الجباوي من إنخل ت 2002م.

10- ش عبد الرؤوف أبو طوق ت 1997م.

11- ش عبد العزيز أبا زيد "مفتي درعا" ت 2002م.

12- ش عبد الغني الدقر العالم الفقيه الشافعي، ابن ش علي ت 2002م. 13- ش عبد الرحمن الزعبي الطيبي. 14- ش. د. محمد أديب الصالح.

15- القاضي والمستشار الشيخ محمد الشماع ت 1994م بالشارقة، ودفن في القصيص - دبي. 16- أستاذنا ش محمد ديب حمزة الطواشي ت 1993م.

11

*أسرة الشيخ: خلف الشيخ ولدين ذكرين هما:

1- الشيخ أحمد بن علي الدقر. أدار الجمعية الغراء ومدارسها خير إدارة، وكان عميق التفكير حسن التخطيط، وكان مُعَوَّلَ والده، ت 1977م.

2- الشيخ عبد الغني: وهو العلامة في العربية نحوها وصرفها وأدبها، وهو الفقيه الشافعي، وله مؤلفات عدة، من أشهرها:

1- "الإمام الشافعي" من سلسلة أعلام المسلمين الصادرة عن دار القلم بدمشق. 2- "معجم قواعد اللغة العربية".

*بناء مسجد كبير باسم الشيخ علي الدقر: هذا وقد بُني مسجد كبير سُمِّي باسمه في حي "كفرسوسة - دمشق" سنة 1405هـ - 1985م، وفي جزئه السفلي ضم "معاهد الجمعية الغرّاء".

12

*مراجعه

 

 

1- الشيخ علي الدقر رجل أحيا الله به أمّة. د. نزار أباظة، ط1، دار الفكر دمشق، 1431هـ - 2010م.

2- رجال من التاريخ. للشيخ علي الطنطاوي ت 1999م، ط1، ط 1، دار البشير- المحلة الكبرى، مصر، ودار المنارة - جدة، 1418هـ - 1998م.

3- موسوعة الأسر الدمشقية: تاريخها، أنسابها، أعلامها. د. محمد شريف عدنان الصواف، ط2، بيت الحكمة - دمشق، 1431- 2010م.

4- الإسلام وحركات التحرر العربية. لأستاذنا د. شوقي أبو خليل ت 2010م، ط1، دار الفكر- دمشق، 1975م.

5- موقع رابطة علماء الشام مقالة "علامة الشام الشيخ علي الدقر".