الشيخ عبد الحميد الكيالي

 

1295ـ1376هـ

1876ـ1956م

عبد الحميد بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد طاهر بن محمد الطيار، وينتهي نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

عالم فقيه، ووجيه فاضل، من بيت علم وأدب ووجاهة في حلب.

ولادته ونشأته:

ولد بحلب سنة (1295هـ ـ 1876م) ونشأ في أسرة علم وديانة، وأخذ مبادئ علومه وأسس أخلاقه على والده الشيخ أحمد، وجده الشيخ محمد طاهر،وما أن شبَّ حتى التحق بالمدرسة (الشعبانية) يتلقى فيها العلوم الشرعية والعربية عن كبار شيوخها، ولعل أكثرهم تأثيراً في بنائه العلمي، شيخه الشيخ محمد رحيمي الجذبة.

دراسته في الأزهر:

لم يرتو ظمأ الشيخ إلى العلم في حلب فشدّ الرحال إلى القاهرة ليلتحق بأزهرها الشريف، وينهل من منابع علمه الثرة، على شيوخه الأجلاء أمثال الشيخ محمود محمد خطاب، والشيخ حسين الطرابلسي الحنفي، وغيرهم من العلماء الذي شهدوا له بالعلم والفضل،وأجازوه إجازات عامة مهروها بتوقيعهم.

أعماله ومناصبه:

عاد الشيخ بعدها إلى حلب موطنه ليحمل راية نشر العلم والجهاد ضد المستعمر، وقد قام بهاتين المهمتين على أكمل وجه، من خلال أعماله ومناصبه التي تسلمها وأهم هذه الأعمال:

1 ـالتدريس والإرشاد في جامع (العمري) في حي (بحسيتا) وذلك بحجة شرعية من قبل مفتي حلب الشيخ محمد العبيسي(ت1341) بتاريخ 1316هـ.

2 ـ التدريس والوعظ والإرشاد في جامع ( الحاج موسى الأميري) بحجة شرعية بتاريخ 1325هـ.

3 ـ الإمامة والخطابة في جامع( الحاج موسى) منذ سنة 1330 إلى أن وافته المنية.

4 ـ المدرس الأول في المدرسة ( الشعبانية) بموجب سند شرعي مؤرخ سنة 1340.

5 ـ عضو المجمع العلمي العربي في دمشق سنة 1345هـ.

6 ـ رئيس لجنة المجمع العلمي بحلب، ومهمتها: إصلاح المدارس الشرعية، الخسروية والشعبانية والإسماعيلية ـ ووضع نظام تعليمي لها،والعمل على وضع مناهج وطرق تدريس حديثة فيها، وذلك بتكليف رسمي من مدير الأوقاف الشيخ محمد يحيى الكيالي (ت1377هـ).

7 ـ عضو مجلس الأوقاف العلمي والإداري، وذلك بموجب مرسوم تشريعي مؤرخ في 16/أيار/1934.

8 ـإفتاء منطقة جبل سمعان سنة 1919.

9 ـ إفتاء مدينة حلب منذ سنة:1922، وذلك بعد وفاة مفتيها الشيخ محمد العبيسي (ت1341هـ).

وقد نشرت جريدة (النهضة) الصادرة في حلب في عدد رقم(320) تاريخ 26 تشرين الأول عام 1922، الخبر التالي: ( جرى الانتخاب السري لمقام الإفتاء بحلب، فنال الأستاذ الشيخ عبد الحميد الكيالي الطيار (41) صوتاً، والشيخ محمد نجيب سراج أفندي (36) صوتاً، والأستاذ محمد أفندي الحنيفي 31 صوتاً).

وبناءً على نتائج هذا الانتخاب فقد أرسل مدير العدلية بتاريخ 21/ تشرين الثاني /1922 م إلى الشيخ عبد الحميد الكتاب التالي:

(بناء على مقدرتكم العلمية وإحرازكم لأكثرية الآراء في الانتخابات التي جرت بشأن منصب الإفتاء بحلب، فقد صودق على تعيينكم لمنصب الإفتاء السامي بحلب فنروم منكم أن تستلموا وظيفتكم، وتقوموا بها بكل جد ونشاط كما هو المعهود من فضيلتكم ودمتم محترمين).

وفي عام: (1930م) صدر قرار وزاري بإسناد منصب الإفتاء إليه بشكل رسمي.

وهكذا باشر الشيخ مهام الإفتاء، بسَعَة علم، ورجاحة عقل، ورحابة صدر، ومحبة وسعت الناس جميعاً، ملتزماً بأحكام الدين الحنيف السمح، مبتعداً عن التعصب المذهبي، آخذاً بآراء فقهاء المذاهب كلها، يقدم ما فيه الصواب واليسر، يردد في جميع مجالسه كلمته المعهودة: ( إن ديننا الإسلامي دين يسر لا دين عسر) فمالت إليه القلوب، واطمأن إلى أحكامه العامة والخاص، حتى إن كثيراً من النصارى في حلب، كانوا يرجعون إليه في حل مشكلاتهم وقضاياهم، ويأخذون بحكمه، يستقبلهم بكل بشاشة، ورحابة صدر، ويقدم لهم الحلول المناسبة لمسائلهم وخلافاتهم.

ونظراً لموقع منصب الإفتاء الذي تسلمه الشيخ، ولمكانة أسرته العريقة، ولمحبة الناس له، وأخذهم برأيه، فقد كانت السلطات الفرنسية تتودد إليه كجزء من سياستها في التسلط على الناس، وتشتيت الصفوف الوطنية، لكن الشيخ كان مدركاً لأهداف المستعمرين، يتعامل معهم بكل حذر مستفيداً من توددهم له،في خدمة قضايا وطنه ومواطنيه، ويجعل من نفسه ستاراً لكل عمل وطني يقوم به رجال الثورة الوطنية الذين كانوا يتخذون من داره مكاناً آمناً لاجتماعاتهم، فلا يثيرون شبهة الفرنسيين بهم.

ولهذا كان الشيخ كثيراً ما يستقبل المندوب الفرنسي ببشاشة وترحيب، وذلك لكسب ثقته، بهدف خدمة وطنه وأمته.

أما بعد الاستقلال، فقد اتخذ الشيخ منهج النصح والإرشاد، يسديه بالحكمة والموعظة الحسنة، للقيادات المتعددة التي تسلمت راية الحكم بعد الاستقلال.

وقد عمل الشيخ أثناء توليه لمنصب الإفتاء، على خدمة الإسلام والمسلمين، داخل وطنه وخارجه فهو دائم السعي في مصالح المسلمين يساعد الفقراء، ويقف إلى جانب الضعفاء، ويدعم بناء المساجد وعمارتها، وقد تولى بنفسه الإشراف على لجنة جمع التبرعات لإعادة بنا ء وترميم المسجد الأقصى، وذلك بطلب من مفتي القدس، كما أسهم في جمع التبرعات الوفيرة لبناء جامع (باريس) وفرشه واستكمال متطلباته.

أخلاقه وأوصافه:

كريم النفس، واسع الحلم، يواجه الإساءة بالإحسان والتسامح متواضع، يقوم على خدمة الصغير والكبير، ويسعى في إصلاح ذات البين ما وسعه ذلك.

ورع زاهد في الدنيا، أتته فوضعها في كفه، ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر.

نحيل الجسم، مستقيم العود، طويل القامة، دري اللون، رقيق الوجه، حسن اللحية، لا تفارق ثغره ابتسامته الهادئة.

ظل الشيخ قائماً على الإفتاء أكثر من ثلاثة عقود، إلى أن وافته المنية في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر شوال سنة (1375هـ ) الموافق 1/6/1956وحزن عليه أهل بلده، وشيعوه بجنازة اجتمع لها الآلاف من العلماء وطلبة العلم والناس عامة إلى مثواه الأخير في (مقبرة الصالحين).

المصادر والمراجع:

علماء من حلب في القرن الرابع عشر الهجري للأستاذ: محمد عدنان كاتبي ص245 ـ249.

ملاحظة:

ذكر الأستاذ محمد عدنان كاتبي في مطلع الترجمة أن وفاة الأستاذ الكيالي 1376، والصواب 1375، كما ذكر في آخر الترجمة، والموافق لما يقابله من التاريخ الميلادي.

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها 27/6/2019