الشهيد السعيد مجد سعيد

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الشهيد السعيد مجد سعيّد
بقلم : أبي محمود الحلبي عضو رابطة العلماء السوريين في داخل سوريا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
ما من يوم ينشق فجره إلا وتتسابق الحور الحسان على اختطاف شباب هم من خيرة البشر نذروا حياتهم لله عز وجل ولدينهم ولأمتهم.
وممن كان فَرَطاً لإخوانه بالأمس القريب الأخ الحبيب الشهيد السعيد "مجد السعيّد".
ولد الأخ المجاهد أبو مجاهد في حلب المحروسة في بداية إطلالة القرن الخامس عشر لأبوين مثقفين, فقد كان والده موجهاً تربوياً في مديرية التربية في حلب، وأمه خريجة كلية التجارة والاقتصاد, وقدّر الله عز وجل أن لا يكون وفاقٌ بين الزوجين فأدى ذلك إلى الشقاق والفراق, ولعل ذلك من حكمة الباري وعنايته, ليعيش الطفل مجد في كنف جده في بيته القريب من جامع التقوى, ويشبّ ذلك الطفل في صحن مسجد التقوى العامر متأثراً بخطيبه الداعية الشيخ المجاهد الراحل مجاهد شعبان رحمه الله, ولتأثره بالشيخ تكنى الأخ مجد بأبي مجاهد.
وكان مجد باراً بوالده غير أنه كان يحزن لحال والده الذي لم يكن ملتزماً دينياً وخاصة أن والده ابتلي بالإدمان على التدخين ولم يمنع ذلك الشاب الورع من البرّ بوالده وإيفائه حقه, وكان كثير الدعاء لوالده وقد منّ الله عز وجل على الوالد بالالتزام الديني في آخر حياته.
درس الشهيد مجد في ثانويات حلب ، وبعد الثانوية التحق بقسم التخصص بمعهد الفتح الإسلامي الذي كان يُجهد أبناءه بأقساط مالية مرهقة أعاقت الكثير من طلاب العلم عن متابعة تحصيلهم العلمي ،ومن هؤلاء الأخ الشهيد مجد السعيد, غير أن ذلك العجز المادي لم يُثن عزيمة مجد عن متابعة تحصيله العلم، والتلقِّي عن المشايخ، وقراءة الكتب، والدعوة إلى الله عز وجل فكانت له حلقات علمية في جامع التقوى بحلب, إضافة إلى خطبة الجمعة في مدينة حلب لعدة سنوات ثم في بلدة معارة الأرتيق قرب حلب التي ترك فيها أثراً طيباً، وعني بتربية أبناء المسلمين وتعليمهم القرآن والعقيدة وألف كتباً منهجية نافعة .
تزوج الأخ مجد من الأخت الداعية أسماء البكري أثناء دراستها في جامعة حلب كلية الآداب قسم اللغة العربية, والتي لم تتمكن من متابعة دراستها لظروف خاصة, وكانت نعم المرأة الصالحة والمعين والرفيق في درب الدعوة للأخ مجد الحبيب, فكان لها نشاط دعوي في مسجد التقوى في حلب وقد أجيزت بكتاب الله عز وجل, وساهمت في تأسيس معهد التقوى لتحفيظ القرآن الكريم في حلب, فكان ذلك المعهد بركة لأبناء المسلمين في حلب واستفادوا منه فوائد طيبة.
قدّر المولى عز وجل لهذه المرأة أن تلوك مرارة الصبر وأن تصبر على تذوق علقمه, بفقد زوجها الذي غُيب في غياهب سجون النظام السوري وفي أقبية فروعه الأمنية طيلة ثلاثة أحوال, وبعد اعتقاله بأشهر يسيرة أنجبت لزوجها طفلة أسمتها نسيبة.
اعتقل الشيخ في الشهر الخامس من عام 2008م بسبب نشاطه الدعوي, وتبنيه فكراً دينياً لا يروق للنظام السوري, وأثناء عرضه على محكمة أمن الدولة لأول مرة وجّه له قاضي التحقيق في تلك المحكمة الجائرة التي كانت عاراً على جبين النظام السوري لاتزال آثار ظلمها إلى يومنا هذا, بالرغم من تبجح النظام بإلغائها, وجّه له قاضي التحقيق فيها تهمة الانتماء إلى جمعية سريّة تهدف إلى قلب نظام الحكم في سوريا وزعزعة أمنه وكيانه السياسي والاقتصادي, لكن ذلك القاضي لم يكن يدرك أن كل أبناء سورية قد انتسبوا إلى تلك الجمعية خلا شبيّحة النظام.
حياة الشيخ في السجن
كان الشيخ صابراً في سجنه كثير العبادة والتقوى والطاعة، وكان يقوم ليله حتى أثناء مرضه, وكان يصلي في الليل ما شاء الله له أن يصلي, وكان من أصحاب الهمم العالية في طلب العلم وتدريسه, وما كان يضيّع شيئاً من وقته النفيس فكلّ وقته كان تدريساً وطاعةً وعبادة, فإن لم يكن مشغولاً بالعلم تجده في الصلاة, وإن لم يكن في صلاة أو علم, كان يشغل وقته بالذكر والتسبيح والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم، إذ يقول عنه محبّوه: أنه كان شديد الحب للنبي عليه السلام والشوق إليه, يقول عنه أحد محبيّه والذي التقاه في معتقله: سمعت الكثير عنه قبل ألقاه ،وتحدث عنه الكثيرون وكلهم قد اتفقوا على أنه كان مثال أدب والأخلاق والتفاني في خدمة أحبابه ونموذجاً يحتذى به في التقوى والورع حتى رسمت في مخيلتي رسماً له كنت أستحضر _ ذلك الرسم _ في اليوم مرات, ولما قدّر الله أن يجمعني به في عنبر واحد في سجن صيدنايا، كنت أراقب أحواله وأستمع إلى حديثه مع الآخرين فشعرت حينها أنني بخسته حقه في ذلك الرسم قبل لقائي به, فكان الشيخ أكبر مما تخيّلت بكثير ، وهو أهل ليكون من قادة هذه الأمة .
ومما ينقل عنه محبّوه في السجن : أن البسمة لا تفارق محيّاه في سجنه بل كان يدخل الفرحة والسرور على قلوب المساجين ويواسيهم ويبشرهم بنصر الله القريب ويصبّرهم على محنتهم. وكل حديثه عن التقوى والخشية من الله عز وجل, ومما يؤثر عنه قوله لإخوانه: السجن معكم أحلى.
عرف بشدة تواضعه لإخوانه وخاصة في مجالس النقاش فكان يبتسم بهدوء هدفه منه الوصول إلى الحق ولو كان مع مخالفه, يقول أحدهم: أنه حضر نقاشاً مع شخصٍ آخر وقد علا صوت مخالفه وانتفخت أوداجه فكان الشيخ مجد يحاول إقناعه بالحجة والدليل من الكتاب والسنة, منهياً نقاشه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق, مما زاد في غضب مخالفه.
تعهّد إخوانه بالتدريس والتعليم ،وكان مجلسه عامراً بحلقات العلم للعامة والخاصة, وأما دروسه للعامة فهي تفسير كتاب الله عز وجل ويهتم فيها بالجوانب الإيمانية, وأما الدروس الخاصة فهي حلقات متعددة كلٌّ بحسب مستواه, وكان يكثر السماع لإذاعة قناة دار الفتوى عبر المذياع والذي سمح له به في السجن, وأكثر استماعه لدروس الدكتور راغب السرجاني والدكتور راتب النابلسي ويدّون كلّ ما يسمعه وخاصة فيما يتعلق بالأسماء والصفات.
قرأ الشيخ القرآن في سجنه على الشيخ عبد التواب الروضان "الديرزوري" وأجازه الشيخ بقراءة حفص كما أنه قرأ بقراءة ورش على إخوة آخرين, وكان يمارس الرياضة مع إخوانه بشكل خفيف ثم يدعهم ليواصل طلب العلم.
كان الشيخ ذو خلق كريم يتواضع لإخوانه ومن مآثره في السجن : أنه أحيا سنة الزيارة في الله ضمن السجن, فكان كل يوم يزور أحد إخوانه يذهب إليه ويجلس معه على فراشه مع بعض الإخوة.
كان كريماً بالرغم من ضيق حالته المادية وكان يتعهد إخوانه باستمرار, واستمر به هذا الحال حتى بعد خروجه من السجن, فكان يزور إخوانه من الذين منّ الله عليهم بالخروج من السجن ويتعهد أهل وذوي إخوانه الذين لم يقدّر الله لهم الخروج فكان يواسيهم ويصبرهم.
ومن مآثره رحمه الله في السجن: أنه كان يدعو السجَّانين ويذكّرهم بالله عز وجل حتى كاد أحد السجّانين النصيريين أن يسلم كما ذكر ذلك من كان معه.
وبعد إلغاء قانون الطوارئ وانعدام محكمة أمن الدولة حوّل ملف الشيخ إلى محكمة الجنايات بحلب, ونُقل الشيخ مع بقية السجناء من أبناء مدينة حلب إلى سجنها المركزي, فتمّ عرضه على قاضي التحقيق وأخلي سبيله بكفالة مالية.
الشيخ والثورة السورية
لم يفتّ السجن من عزيمة الشيخ ، بل تابع عمله الدعوي والثوري ضد النظام الغاشم, ولما فُرضت المعركة على الشعب السوري ،وكتب الله عليه القتال, لم يجد الشيخ بُدّاً من العمل الجهادي, وكان يعمل مع المجاهدين يرشدهم وينصحهم ويجول في صفوفهم للتوجيه والدعوة, ولا سيما في كتائب أحرار الشام وحركة الفجر وبعض كتائب الجيش الحرّ في حلب, إضافة إلى الدعوة من خلال الإنترنت فكان مشرفاً على صفحة "على بصيرة" والتي تعنى بتوجيه المجاهدين وبيان أهدافهم.
أشرف الشيخ على المحكمة الشرعية التي شكلتها كتائب الأحرار في حلب من أجل محاسبة من يعتدي على الناس ومن يقبض عليه من الشبيّحة وخاصة الذين تورطوا في سفك دماء المسلمين.
أسّس الشيخ معاهداً دعوية في ظل الثورة السورية المباركة وعلى رأسها المعهد العلمي القائم الآن في مدينة بنش التابعة لمحافظة إدلب.
وفي يوم الثلاثاء الثاني من ذي القعدة عام 1433هـ استهدف الشيخ مع صديقه محمد ضبيط "أبي الحارث" بقذيفة من طائرة للجيش الخائن أصابت سيارتهما وأودت بحياتهما, تقبلهما الله ورزقنا شفاعتهما.
      • وقد كتبت ترجمة واسعة عن الشهيد بقلم أحد أصدقائه، ونشرت في كتائب أحرار الشام https://www.facebook.com/A.AlSham.B
      • ولكن هذه الترجمة أكثر استيفاء وجزى الله خيرا كاتبها على بره بإخوانه ووفائه