الشهيد أبو مجاهد عبد الله بن عبد الناصر الحميدي

 بقلم: ضياء الدين البرهاني

عضو رابطة العلماء السوريين
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المجاهدين وإمام النبين وعلى آله الطيبين وأصحابه الطاهرين وبعد:
 
هذا الشبل من ذاك الأسد، وهذا الهيثم من ذلك النسر، ومن يشابه أبه فما ظلم.
رسم معالم الطريق بدمه لمن أراد الحق والعزة والكرامة، فكان الأنموذج الأمثل لشباب أمة محمد، يذكرنا بأسامة وبمصعب والمثنى، ومعاذ ومعوذ.
 
أعاد لنا مما تحكيه كتب التاريخ عن أمجاد أسلافنا ببطولاته وتضحياته مع إخوانه الأبطال من أبناء الشام الشريف، والتي طالما ظنها البعض أنها من أساطير الأولين.
في عام 1994 ولد عبد الله بن عبد الناصر الحميدي في قرية مزرعة العلا التي تقبع في سهول مرج دابق أرض الملحمة الكبرى التي بشر بها خير البشر.
 
 أسرة الحميدي أسرة عريقة تعود أصولها إلى قبيلة بني نصير الطائية، وعرفت هذه الأسرة المتواضعة الطيبة بالالتزام بشرع الله عز وجل، والتضحية في سبيل الله سبحانه وتعالى.
تربى الشبل أبو مجاهد في عرين عبد الناصر الحميدي في قرية مزرعة العلا على البطولة والشجاعة والفداء، وما عاش كغيره في جحور الأرانب، بل كان ليثاً منذ نعومة أظفاره، ومنذ أن وعى على الدنيا فقد علمه أبوه أن للحرية الحمراء باباً بكل يد مضرجة يدق، فحفظها الشبل عن ظهر قلب وراح يدق أبواب الحرية بأيد مضرجة بالدماء حتى فتحت أبوابها على مصراعيها ليدخل من خلالها الأبطال والأحرار وليبقى خارجها الأنذال والعبيد فشتان ما بين الثرى والثريا وشتان ما بين من انتفض وبين من خنع.
 
ربى الأب ابنه تربية السلف الصالح على الإيمان بالقول والعمل، وقبل ذلك بالاعتقاد السليم، ولم ينس أن يورّثه ما نشأ عليه الأب من شجاعة وجرأة وإقدام وبذل وعطاء وتضحية بالغالي والنفيس من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وأدبه فأحسن تأديبه وتربيته ويشهد له بذلك كل من عرفه، وعلّمه الفقه والحديث وأمور الدين قبل أن يعتقل والده وهو بعمر الزهور فظل يانعاً زاهراً  يزهو كما زرعه أبوه.
 
دراسته ونشاطه:
تابع الفتى دراسته في ثانوية أخترين، ونشط في المدرسة لدعوة الشباب من زملاءه سواء في المدرسة أو خارج المدرسة، وحصل على الشهادة الثانوية بتقدير جيد أهّله لدخول كلية التجارة والاقتصاد غير أنه أعرض عن الجامعة لما بزغ فجر الثورة السورية المباركة كان من السبّاقين للالتحاق بهذا الركب المضيء، فصدح بحنجرته لفجر جديد فجر الحرية التي كانت أملاً لأبناء الأمة التي كانوا يحلمون بها، وشارك في المظاهرات السلمية في أخترين ومارع وغيرها من البلدات والقرى المجاورة، وهتف بكلمة الحق وصرخ في وجه الباطل فأطلق النظام يد سفاحيه بالشباب والشيوخ والأطفال والنساء تقتيلاً وتهجيراً وانتقاماً, وفرض النظام السفّاح العسكرة على الثورة فسلك أبو مجاهد طريق الجهاد، وقد أدرك أن هذا الطريق  هو الطريق الأوحد للعز والتمكين، فثار كالبركان على عدوه، وانتسب لكتيبة الفاروق التي شكّلها والده أبو حمزة حفظه الله، والتي تتبع للواء التوحيد ثم انتقل مع إخوانه المجاهدين من أبناء كتيبة الفاروق للانضمام لكتيبة الصفوة الإسلامية، وشارك في عدة معارك، فكان يصول بين الصفوف صولة من لا يهاب الردى ويهابه المجرمون، ويجول جولة من لا يحذر الموت يشهد له على ذلك أزقة وشوارع حلب القديمة، وحي الجديّدة، وساحة باب الفرج، وشارع باب النصر، وكان له يوم مشهود في اقتحام مبنى النفوس في السبع بحرات في عملية نوعية أسطورية هو وإخوانه الإثنا عشر الأبطال الأشاوس، فكانت بحق صفعة قوية على أنف النظام المتغطرس نفذها الأبطال بصورة غير اعتيادية، وأسهم البطل أكثر من مرة في معركة الكندي، وقد نجّاه الله عز وجل من كمائن العدو بفضل منه سبحانه وتعالى، وكان له شرف المشاركة في تحرير مدرسة المشاة مع الشهيد أبي فرات تقبله الله، وكذلك في معركة فك الأسرى، وكادت طلقة قناص غادر من سجن حلب المركزي أن تخترق جسده لكن الله سلّم، وكان مع إخوانه في معارك صد الهجوم عن باب الحديد وميسلون.
 
معركة القصير:
عندما اشتدت معارك القصير لم يصبر أبو مجاهد فانضم  إلى كتيبة حذيفة بن اليمان مع ثلة من إخوانه من أهل محافظة الرقة، واتجهوا الى القصير لنصرة أهلها بعد أن عاث بها المجوس وأبناء المتعة، وقاتل فيها قتال الأبطال، وكذلك شارك في معركة يبرود والقريتين التي استشهد فيها أحد إخوانه من أبناء محافظة الرقة فتوجه إلى الرقة لتشييع جثمان أخيه في بلده.
 
معركة اللواء 93 وكرامة الاستشهاد:
وبعد عودته الى الرقة بيومين أي في 29حزيران 2013 خرج رتل كبير من اللواء 93 من بلدة عين عيسى نحو مدينة الرقة لدعم الفرقة 17 فكان أبو مجاهد وإخوانه المجاهدون بالمرصاد لهذا الرتل المدجج عند قرية تل السمن، وانغمس خمسة من المجاهدين في الرتل منهم البطل أبو مجاهد فاستأسد واستمات واستقتل في قتاله، وقاتل بصورة غير اعتيادية مع اخوانه وقتلوا خمسة وثلاثين من جند النظام، وفرّقوا صفوفهم، وشدوا عليهم شدة لا هوادة فيها وفعلوا بهم الأفاعيل وأسروا ما يقارب السبعين منهم، ودمر الرتل بالكامل ولله الحمد والمنة بعد أن قضوا على أربع دبابات وعربتين ب م ب، وأكرم الله عز وجل الانغماسيين الخمسة بنعمة الشهادة فاغتاظ منهم فلول النظام فدهسوهم بالدبابات وحرّقوا أجسادهم لكن الله عز وجل حفظ جثمان الشهيد أبي مجاهد، ووجد أبو مجاهد رافعاً سبابته متشهداً بعد أن اختلطت دماءه الزكية برمال تل السمن لتحكي للأجيال قصة شهيد ينتمي إلى هذا الشعب المؤمن بربه.
 
ولما علم والداه بخبر استشهاده فاستقبلوا خبره بقلب يملؤه الرضى، وحوقلوا وكان لهم بالنبي صلى الله عليه أسوة عندما مات ابنه فقالوا كما قال: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا عبد الله لمحزونون، وطوت الأم جوانحها على أحزانها راضية بقضاء ربها مستبشرة بما أعده المولى لابنها مؤملة شفاعته.
 
وزف الشهيد إلى قريته مزرعة العلا وتطيب ثرى القرية الوادعة بعبق الشهيد تقبله الله، بعد أن سما وارتقى إلى سماء العلا.
 
فحسبك يا عبد الله رفعة أنك نلت مبتغاك، وأن ذكرك سيبقى في ضمائر الأحرار الذين أقسموا وعاهدوا الله أنهم لن يطفؤوا أوار المعارك طالما أن الباطل جاثم على صدور أبناء سورية، ولن يتوقف كير معاركهم عن الإحماء ولن يخبو ضرامها مادامت بطون الحرائر تنجب أمثالك، وسيبقون مدى الدهر جنود الله الأوفياء يرفعون راية التوحيد والعز والكرامة والنصر وإنه قاب قوسين أو أدنى، وقد أوشكت نهاية الظلم والإجرام بعون الله، وسيحطمون عرش نمرود هذه البلاد، ولله در شاعر الخلافة الأستاذ يوسف عبيد رحمه الله إذ يقول:
 
ما عربد الظلم إلا انهار وانحطم       تبارك الله جباراً منتقمـــــــــــــــــــا
وما تطاول نمرود وشــيـــــد لـه       صرح من البغي إلا خرّ منهدمــــــا
وما طغى الليل إلا صده فــــــلق       من الصباح فولى وانــــــــــــــــهزم
وما رمى الحق سهما من كنانـته       إلا هوى الباطل المغرور حين رمى.
 
رحم الله الشهيد وتقبل روحه الطيبة وجعله في جوف طير خضر ترتع في الجنة حيث تشاء وحفظ والديه وثبّت أشقاءه الذين لا زالوا على هذا الطريق المشرّف.
حرر في يوم الأحد 4شوال 1434ه الموافق 11آب 2013م
نشرت 2013 وأعيد تنسيقها ونشرها 4/2/2020