الشهيد أبو الوليد أحمد باكير

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين وإمام النبيين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وبعد:
 
 
 
بقلم: نور الدين العبيدي
 
كلما تذكرت ذاك النمر، تذكرت طارق بن زياد، فكلاهما أشقر أبيض بعيون خضراء، وكلاهما جاهد في سبيل الله حق جهاده، وكلاهما بذل حياته في سبيل الله, والفارق بينهما أن طارق بن زياد حارب النصارى، وأما أحمد فقد قاتل النصيرية التي هي معول هدم لصروح الإسلام، وسوس ينخر في جسد الأمة، وخناجر مسمومة تطعن المسلمين، والتي من دأبها الولاء لكلِّ من عادى الله ورسوله، وكانت هي سواعد الغدر التي ينفد من خلالها أعداء الإسلام إلى ديارنا، والحديث عن تاريخ هؤلاء يمتلئ بأسود صفحات الخيانة، وأشنع العمالة الرخيصة لكلِّ من يحارب لا إله إلا الله، وشعاره الغدر، ودثاره المكايد للإسلام والمسلمين, فلهؤلاء وأمثالهم تصدَّى لهم كوكبة من أبطالنا الأشاوس، فأذاقوهم الويلات، وطفقوا مسحاً فيهم بالسوق والأعناق، منهم بطل قصتنا هذه أحمد باكير أحد مشاعل نار الثورة العظمى –ثورة الإسلام- الثورة السورية تقبله الله.
 
الولادة والنشأة:
في ربوع إدلب الخضراء، وفي بلدة سراقب، ولد أحمد لأبوين كريمين تزامنت ولادته مع الثورة السورية الأولى في عام 1980م، وقد ترعرع وشب في بلدته الطيبة، وعرف عنه الخلق الحسن والأدب الجم، فقد كان خفيف الظل، كثير الابتسام، حلو العشرة، رقيق الطباع، أريحيَّ الشمائل لا تملُّ اذا سمعت حديثه، وربما يمر بك الوقت دون أن تشعر به لحلو حديثه ومنطقه.
وبعد أن حصل على الشهادة الثانوية الصناعية عمل في مجال التكييف والتبريد في بلدته قرب مسجد الزاوية، فواظب فيه على صلاة الجماعة، وبدأ يزكِّي نفسه بتعاليم الإسلام، وترعرع فؤاده بنور الإيمان, وتعرف في بلدته الطيبة على بعض الفتية الملتزمين بالمنهج السلفي, وحصلت له صحبة مع الأستاذ أبي أنس خالد أحد مؤسِّسي حركة أحرار الشام، ثم سافر إلى السعودية للعمل بنفس المجال، وتعرّف هناك على بعض الشيوخ المعروفين واستفاد منهم فوائد طيبة.
التوجه إلى الجهاد:
لأبي الوليد أعمال جليلة ومآثر مزلفة إلى الله عز وجلّ، أبقاها ذكراً جميلاً للدين والدنيا، ومن أعماله الجليلة: اندفاعه للجهاد في سبيل الله عز وجل، فقد كان صاحب نفس أبيَّة، وروح زكية، رفضت العيش في الدنيا الدنيّة، ولم يلتفت إلى إغواء الشيطان ووساوس الخنّاس, فبادر للالتحاق بركب المجاهدين في أرض العراق عام 2004م غير أنه لم يوفق للوصول إلى ساحات الجهاد كونه وقع في كمين شرك الأجهزة الأمنية السورية التي تدَّعي المقاومة والممانعة في ريف دير الزور، وزجَّت به في سجن فرع فلسطين عدَّة أشهر، وقد ثبّته الله عز وجل في التحقيق، ولم يعترف لهم أنه ذاهب للعراق من أجل الجهاد، وإنما كان قصده زيارة الأصدقاء وعندما لم يثبت عليه شيء، أطلق سراحه بعد أن استفاد خبرة في هذا السجن حيث التقى ببعض المجاهدين فيه وتفهّم منهجهم وتأثّر بفكرهم.
وبعد أن تنشق نسيم الحرية عاد إلى بلده ولم يفْتُر عزمه عن مواصلة العمل الدعوي فعاد إلى ما كان عليه من نشاط، وجعل من محله مركزاً لتجمُّع الشباب المتدين فكان محله منتدى للنقاش والتباحث في أمور الدين والدعوة إلى الله عز وجل وشؤون الحياة، وكان يتواصل في هذه الفترة مع نخبة من المجاهدين ويخدمهم بسيارته وينقل لهم أسلحتهم إلى حيث يريدون.
الاعتقال الثاني:
اعتقل بعض أصدقاء أبي الوليد فكان اعتقالهم سبباً لاعتقاله هو أيضاً من قبل العقيد نوفل الحسين في فرع إدلب, وتمَّ ترحيله إلى فرع فلسطين، وأودع في سجن انفرادي ستة أشهر لاقى فيه ظلماً شديداً من نظام أمني لم يوفِّر أسلوباً من أساليب الضغط, ومن أنواع القهر إلا واستعمله على المواطنين, وله من طرق الظلم التي لم يسمع بمثلها، وقد نال أبو الوليد نصيبه من هذا الظلم فقد تمَّت تعريته كلياً, وضرب وجهه، ونكِّل به أيما تنكيل، ومنع عنه الطعام والشراب إلا النذر اليسير كي يبقى به رمق من حياة غير أن هذا العذاب لم يؤثر على عقيدته وإيمانه فاحتسب ذلك عند ربه، وبقي في سجن الفرع ستة أشهر، رحِّل بعدها إلى سجن صيدنايا، وأثناء إقامته في سجن صيدنايا تمَّ تحويله إلى محكمة امن الدولة فقد حكم عليه جلاد النظام الصفوي العميل عدَّة سنوات لم تفتَّ في عضده، بل زادته إيمانا وعزما وتصميما على مواصلة الطريق، وحقدا على أحقد الناس على أخير الناس.
 وعكف في سجنه على طاعة ربه وخالقه، فكان يقوم فيه الساعات الطوال ويواظب على صيام يومي الاثنين والخميس، ويكثر من تلاوة القرآن الكريم, وحفظ فيه كتاب ربه العزيز وحفظ متن الجزرية وأجيز بكتاب الله عز وجل من الشيخ خالد علوش، وكان يجالس طلاب العلم، ويلازم دروسهم فحضر دروس مباحث الإيمان عند الشيخ بهاء الجغل إضافة إلى الفقه الحركي، وحضر دروس العقيدة وشرح سلَّم الوصول عند الدكتور مظهر الويسي، ودروس التفسير عند الشيخ أبي سعد الأثري، وحضر في الحلقات التربوية عند الشيخ أبي العباس أيمن توت، وتعلم الفنون العسكرية وصناعة المتفجرات من خلال أصحاب الخبرة الذين التقى بهم في السجن، وأتقن هذا العمل حتى صار يعطي دورات في هذا المجال، وواظب على التمارين الرياضية، وعُرف بخلقه الرزين وأدبه الجمّ وإصلاح ذات البين بين المتخاصمين، وفي مرحلة الاستعصاء المشؤوم كان له دور بارز في خدمة إخوانه والدفاع عنهم، فكان يصعد السطح ليحرسهم من مباغتة الجيش ويعمل لهم المتاريس لحمايتهم من رصاصهم ويطبخ لهم طعامهم إلى أن هدأ الاستعصاء وتمَّ تحويلهم إلى سجن عدرا عدة شهور.
أمضى أبو الوليد بقية سجنه في سجن حلب المركزي عدة أشهر، وقد انقضى حكمه وهو في سجن حلب ومنّ عليه الرب الكريم بالفرج الجميل.
التحاقه بركب الثورة:
مع بداية خروجه من السجن التحق بركب الثورة المباركة، وتجرَّد لقتال نظام له من الأفعال التي تصمُّ الآذان شناعة وبشاعة، فالتحق بالطليعة الثورية المقاتلة، وراح يرعد ويزبد ويضرب وينكي بالصفويين مع إخوانه المجاهدين في كتائب أحرار الشام، فكان في بداية الأمر ينسق مع القيادي أبي صالح طحان في تفتناز وزوَّده ببعض السلاح، ثم تسلَّم قيادة كتيبة الفرقان إحدى الكتائب الكبرى في بلدة سراقب، ثم غدا مسؤولا عن لواء العباس القرشي في جبل الزاوية بمساعدة رفيق دربه أبي حفص عمر لطُّوف الذي أكرمه الله عز وجل بالشهادة بعد أيام من استشهاده، وأقبل معه على ساحات الوغى غير مبالين بكثرة العدو وعدده وليفوزوا بغُنم الأبد، ومضوا قُدُما في الجهاد طلباً للفوز والنجاح والنصر الذي وعد الله عباده المخلصين، واستصغروا في سبيل هذا الدين والأمة المظلومة كل أمر مجحف وما تأخروا عن دعوة الدين وما توانوا، وكان أبو الوليد حديث عهد بعرس وزواج لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة الجهاد والإثخان في العدو، ولكأني به يتمثل قول نابغة بني جعدة:
 
يا ابنة عمِّي كتاب الله أخرجني                كرهاً وهل أمنعن الله ما فعلا

 

 

 

 

فإن رجعت فرب الناس يرجعني               وإن لحقت بربي فابتغي بدلا

 

 

وهكذا شغف قلبه بالجهاد، وأضحت الدنيا ذميمة عنده، وتفنَّن في إظهار صور البطولة والفداء في جهاد طغاة المجرمين, وله من المشاهد الكثيرة التي تشهد على جرأته وشدَّته على العدو. ومن أبرزها: معركة تحرير معسكر معمل الزيت في سراقب التي انتصروا فيها وغنموا منها وتحررت على إثرها البلدة من براثن المجرمين، فكان هو القائد الموفق لهذه العملية وغيرها من العمليات في مواقع عدَّة كانت قد استعصت على الفصائل، وله مشاركات أخرى كثيرة في معارك إدلب وريفها وحلب والرقة.
 
كرامة الاستشهاد:
وفي معركة أطلق عليها الثوار (الفتح المبين) من أجل تحرير حواجز بسنقول وقطع الإمدادات عن قوات النظام على طريق اللاذقية إدلب عند جبل الزاوية، وكان أبو الوليد هو قائدها المغوار، وفي هذا اليوم الخميس الموافق التاسع من شهر شعبان 1434هـ  كان أبو الوليد على موعد مع الحور العين إن شاء الله، وليكون قنديلاً معلقاً بعرش الرحمن نحسبه - والله حسيبه - بعد أن فاضت روحه والتحق بذلك الركب الذي أنار الطريق للسائرين وأوقدوا نيران العزم في قلوب القاعدين والأمل في قلوب اليائسين.
نسأل الله أن يكون الآن في مقام خير من صدق في جنة الخلد مع من سبق.
حرر في يوم الأحد 5 رمضان 1434هـ
14 -7- 2013م.

ارتقاء القائد المجاهد عمر لطوف “أبو حفص” قائد لواء العباس التابع لحركة  أحرار الشام مقبلاً غيرمدبر في معركة الفتح المبين في إدلب نسأل الله أن يتقبله من الشهداء.
الجمعة
3 رمضان 1434