الحمد لله الذي أهدى إلينا «نبيّ الرحمة والملحمة»، وحباه برسالة الإسلام فتغيّر به وجه الدنيا، وبعث في الإنسانية المحتضرة حياة جديدة، وعمد إلى الذخائر البشرية فأثارها من دفائنها وأشعل مواهبها وأرغم العالم أن يَنحُوَ نحواً جديداً ويفتتح عهداً سعيداً... عهد الإسلام الذي لا يزال غُرّة على جبين التاريخ...
نعم... إنه التغيير في بُعده القرآني ومفهومه الإسلامي الذي تؤكد عليه الكثير من التوجيهات القرآنية منها قوله تعالى: {إن اللهَ لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم} وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، بالإضافة للإرشادات النبوية المبثوثة في سيرته الشريفة.
فالتغيير خصيصة من خصائص المنهج الإسلامي في التربية والدعوة والإصلاح، الأمر الذي يدعونا للاجتهاد في فَهم مقتضياته والعمل على تفعيلها وفق رؤية واقعية تتوافق مع قدرات هذا الجيل وإمكانات أبنائه:
ولأن الشباب هم أرقّ أفئدة وأمضى عزيمة.
ولأنهم قلب الأمة النابض وعقلها المفكر وساعدها المنفِّذ.
وهم القوة التي تدفع في اتجاه التجديد، والقائد الميداني في ساحة التنفيذ، والمحرّك الاجتماعي الذي يرفع الكسل والخمول، والرقيب الحازم الذي يحارب الزيغ والانحراف.
ولأن لدى الشباب قدرات إبداعية وطاقات هائلة وإمكانات مذهلة تبعث الجِدة والحيوية والنشاط البشري في سائر أعضاء المجتمع.
ولأنهم هم الأمل في أن يعود للأمة عزُّها وأن تسترجع مكانتها وسيادتها على سائر الأمم...
نوجِّه الخطاب لهذه الشريحة الفاعلة والمؤثرة؛ لإبراز الهوية الإسلامية بينهم، ولتحقيق الوعي الفكري والثقافي، ولاستثمار طاقات الشباب من أجل خدمة دين الله ورسالته في الأرض.
ولأن واقع الأمة صعب ومعقد: فقد أوهن الضعف أركانها، وقتلت التبعية إبداعها، وارتــخــــت بالتــــــرفيـــــه أوصالها، وتعلق بالدنيا أبنـــــــــاؤها، واســـتقــوى عليها أعداؤها، واستبد بشؤونها خصومُها؛ ولأن الاستسلام لهذا الواقع المرير ليس من شيَم المسلم الرساليّ...
لذلك كله كان من واجبنا أن نرفع لواء التغيير وندعوَ إليه، لأنه السبيل لاستفاقة الأمة من غفوتها، ولنهضتها من كبوتها ولاستعادةِ صَولتها، ولاختتام الجولات لحسابها.
إن التغيير في بُعده الروحي والجسدي والعقلي هو الطريق إلى إعادة صياغة كل مكونات الحياة الحقيقية وفق الرؤية الإسلامية، وهو السبيل لتزكية النفوس وتطهيرها، وإعداد الأبدان وتهيئتها، وتنمية العقول وتحسين قدراتها...
إنه التغيير بالرحمة من غير ضَعف، وبالقوة من غير عنف، من خلال التربية الدائمة والتعهد المستمر. فصناعة التغيير لا يتقنها إلا مَن استند في كل حركة ونشاط إلى أساس إسلامي تربوي أخلاقي، ولا يقوى عليه إلا من ربط مصيره الفردي بمصير جماعته وأمته.
إنّ الشباب في مسيرتهم في عملية التغيير يحتاجون إلى ضمانات تؤمِّن لهم النجاح والاستمرارية، لذلك لا بد من توافر عوامل خمسة لنجاح هذه العملية:
1. الحماية: أي تأمين المحيط.
2. القابلية: استثارة المشاعر وحماسة الجوارح.
3. الاستئذان: لتأمين الدعم والتشجيع.
4. التمرين: حرصاً على التعوّد والإتقان.
5. الدليل: لضمان السير في الاتجاه الصحيح.
وللمُضي قُدُماً في عملية التغيير لا بد من:
1. التركيز على أن يكون التغيير تغييراً مقصوداً عن وَعْي، منضبطاً بالكتاب والسُّنة، ويهدف إلى إعمار الدنيا واستعمالها للوصول إلى السعادة الأخروية.
2. التأكيد على أن التغيير يبدأ من معالجة القلوب من أمراضها (كالغرور والحسد والكره والحقد والغِش)، وإعلان التوبة من سائر الذنوب والمعاصي، تمهيداً لإعداد أرضية سليمة تحتضن بذور المرحلة الجديدة.
3. تجاوز الأنانية والذاتية، والخروج من الهامشية والانشغالات التافهة في الحياة، لأن المهمة صعبة والمسؤوليات أصعب.
4. تغيير الواقع انطلاقاً من تغيير الفرد نفسه، فله الأولوية في التربية والإعداد، لذلك لا بد من العمل على تطوير مهاراته الشخصية من خلال:
تدوين الأفكار والأهداف والخطط.
القراءة والمطالعة المستمرة.
الدراسة والتعلم والحرص على التخصص.
التفكير بالمستقبل بشكل إيجابي ومتفائل.
ترجمة كل تلك المدخلات إلى سلوك عملي فاعل.
5. الانخراط في العمل التنظيمي، وتجنيد الإمكانات الشابة، كلٍّ في المكان المطلوب، للمساهمة في الوصول إلى التغيير المقصود وتشييد البناء الحضاري المنشود.
6. تنمية قدرة الشباب على المقاومة والثبات - أي مقاومة أشكال النقص وعوامل التغيير السلبي - بالانضمام إلى العمل الجماعي الذي يؤمِّن الاحتضان العاطفي والاحتواء الفكري والحصانة التربوية وحُسْن استثمار وتوزيع الطاقات.
وأخيراً، إن التغيير يستوجب إيجاد قدوات يكونون بمثابة القادة لهذه المسيرة الضخمة والطويلة، لذلك فلا بد من إعداد برامج لصناعة القادة تحت رعاية جهد منظّم يعمل على:
الاكتشاف المبكِّر للشخصيات القيادية، والعمل على رعايتها وتطوير أدائها.
تنمية قدرة الشباب على العمل وإنجاز المهمات.
تطوير مهارات التعامل مع الذات ومع الآخرين.
- تحسين مهارات التأمل والتفكير والتحليل.
إنها رحلة الألف الميل التي تبدأ بخطوة أساسية؛ خطوة التوكل على الله تعالى وطلب التيسير والتوفيق، فمنه العون والمدد، وهو يهدي سواء السبيل.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول