الشباب والعفة

 

الشيخ: مجد مكي

 

 

هذه خطبة خطبتها قديماً في مسجد الرضا بجدة وقد قام الأخ العزيز طارق عبد الحميد قباوة بإحيائها وكتابتها لتنشر على الموقع فأرجو الله أن يعمم النفع بها ويجعلنا أهلاً لحمل أمانة العلم .


فإن الشباب هم عَصَب الأمة، وروح همَّتها، ومظهر قوتها، ومحور نشاطها، فبضعفهم تضعف الأمة، وبانحرافهم تضطرب، وبفسادهم تفسد، وبضياعهم تضييع، فإذا سلمت عقيدتهم وسلم فكرهم وسلمت أخلاقهم، سلمت أمتهم برُمتها، ونهضت قوية، منيعةً، عزيزة الجانب، موفورة الكرامة.


وإن أعداء الأمة الذين يتربصون بها الدوائر يدبِّرون ويخطِّطون ويبذلون الجهود الكبيرة في سبيل تشويه أفكاركم، وإفساد أخلاقكم، وتدمير عقيدتكم، وذلك بما يبثونه من أفكار الشر، وبما يثيرونه من مظاهر الفساد الخلقي بواسطة الأدب المكشوف، وإشاعة العادات التي تنكشف بمقتضاها العورات، وتُفتضح بموجبها الأعراض، وتشيع من خلالها الرذائل، والفواحش والمنكرات.


وهم يرون أنهم إن فتكوا بعقولكم، وأفسدوا ضمائركم، وحطموا أخلاقكم حتى لا يبقى في نفوسكم من الأهداف سوى إرواء غرائزكم وصلوا إلى غايتهم من القضاء على أمتكم، واستئصال جذورها.
وإليكم ـ يا شباب الإسلام ـ أمثلة من واقع شباب أسلافكم، الذين خاضوا معترك الحياة، فكانوا لأمتهم الإسلامية قوةً لا تقهر، وعزيمة لا تكسر، وذلك من خلال ثباتهم على الحق، واستقامتهم على منهج الله عزَّ وجل.


فقد ثبتوا في مواجهة إغراءات الجنس المحموم، وتياراته الجارفة ثبات السدود الفولاذية العنيدة، واستعلوا بإيمانهم، وسموِّ أخلاقهم على الفتنة والشهوة، فخابت فيهم سهام الشيطان، وحفظهم الله من مزالق العصيان.
ودونكم ـ أيها الشباب ـ فضالة بن عبيد الذي انطلق بلمسة من رسول الله صلى الله عليه وسلم انسكب بها الحبَّ في قلبه لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلقيته في طريقه فتاةٌ كان يسمر معها في الجاهلية، فقالت: هلمَّ فضالة إلى الحديث، فقال لها: إليك عني لقد حال محمد بيني وبينك، يأبى الله عليك والإسلام، ثم شرع يقول:


قالت: هلم إلى الحديث فقلت: لا  يأبى عليك الله، والإسلام
لو ما رأيت محمداً وقبيله  بالفتح يوم تكسَّر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بيناً   والشرك يغشى وجهه الإظلام.
فوطئ شهوة المرأة بقدميه، وانطلق بعزة إيمانه وطهر عقيدته محطماً دواعي الشر والفساد.


ودونكم سيلمان بن يسار الذي دخلت عليه امرأة بارعة الجمال، وهو في خيمته، فكشفت له عن وجهٍ كأنه فَلقة قمر، وطلبته لنفسها، فأعرض عنها قائلاً: إليك عني جهَّزك إبليس إليَّ، وأخذ يبكي، فلما رأت المرأة الفاتنة منه ذلك، تركته، وعادت خائبة، فكان سليمان بذلك نبراساً للشاب المسلم في صموده في وجه الفتنة وإغراء الجنس، وثباته على الطهارة ونظافة الأخلاق.
ودونكم منهم الربيع بن خيثم الذي جاءته امرأة ذات جمال تعرض عليه فتنتها، فأعرض عنها، ووعظها موعظة قلبت كيانها، ونقلتها من ظلمة المعصية وذلِّها إلى نور الطاعة وعزِّها، وذلك عندما خاطبها قائلاً: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيَّرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو قد نزل بك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير؟ فصرخت المرأة، فسقطت مغشياً عليها، ثم أفاقت وقد تابت إلى الله، وأصبحت من الصالحات.
فضرب الربيع بن خيثم في هذا الموقف مثلاً رائعاً لكل شاب مسلم في التصدِّي لفتنة الجنس ومراقبته لله، فاستحق بذلك أن يدخل في سلك السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة  وذكر منهم: «وشاب دعته امرأة ذات منصب....».


إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة، فانظر إلى شبابها: أين هم؟ وكيف هم؟ وما خلقهم وسلوكهم؟ وما هي اتجاهاتهم وأهدافهم وغاياتهم؟ من خلال ذلك تستطيع أن تحكم للأمة أو عليها: هل هي أمة مكتوب لها أن تصعد وترقى؟ أم مكتوب عليها أن تنحدر وتهبط؟
وهناك بعض الظواهر المؤسفة بين شباب أمتنا: في بلادنا نحن العرب والمسلمين نجد ظواهر يندى لها الجبين، وتتفتت لها القلوب من تلك الظواهر: معاكسة الشباب للفتيات في خدورهن، وفي قعر بيوتهن عن طريق الهاتف، هذا الجهاز الذي أنعم الله به علينا، يقرب البعيد، ويسهل الصعب، ويوفر الجهد والوقت، نعمة من الله تبارك وتعالى، ولكن بعض الناس بدلوا نعمة الله كفراً، لم يشكروا الله على هذه النعمة، وشكر الله على النعمة أن تستخدمها في طاعة الله، فيما يحب الله ويرضاه.
استخدموها في الإساءة إلى ربات البيوت، إلى الفتيات بالمكالمات تلو المكالمات، أحياناً بألفاظ بذئية، وكلمات سخيفة، وأحياناً أخرى بكلمات معسولة مزيفة، يحاول أن يسرق بها قلب الفتاة الساذجة.
ثم زاد الطين بلة، ما يقع من معاكسات في الأسواق وأماكن التجمعات... شباب فارغون عابثون يلاحقون الفتيات، بالكلام الجارح واللفظ البذيء.
مما يدل على فقدان الحياء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:« إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ليفعل ما يشاء فليس هناك ما يردعه:
إذا لم تخشَ عاقبة الليالي  ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في الدين خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.
و«الحياء من الإيمان» والحياء شعبة من الإيمان، والحياء لا يأتي إلا بخير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي فقد الحياء لا خلق يمنعه، ولا عقل يردعه، ولا خوف يقمعه...
هذه الظاهرة ما كانت لتحدث في مجتمعاتنا...
علام تدل هذه الظاهرة؟ إنها تدل على ضعف الإيمان وقلة الدين.
إنها تدل على ضعف الخلق والمروءة والرجولة، فإن الإنسان الشريف الكريم لا يفعل هذا، ولا يرضى هذا، لأنه يخشى إذا فعل هذا ببنات الناس أن يفعل ذلك ببناته.
ألا تخشى ـ أيها الشاب ـ الذي يقترف هذه السيئات المنكرات أن يفعل ذلك بحرماتك كما فعلت بحرمات الآخرين؟ ألا تخشى أن يسلط الله عليك شاباً آخر يعاكس أختك، أو يعاكس أمك، أو يعاكس إحدى محارمك؟ ألا تحب للناس... ألا تكره للناس...
إن عنترة بن شداد ـ الفارس الشاعر أحد أبطال الجاهلية ـ على جاهليته كانت عنده فضائل وأخلاق تحجزه عما لا يليق، فكان يقول:


أغشى فتاة الحي عند حليلها وإذا غزا في الجيش لا أغشاها
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
يغض طرفه لا ينظر إليها، لأنه يرى نفسه حارساً على امرأة جاره، وبنت جاره.
إنها تدل على فراغ النفس من المثل العليا.. فمثل هؤلاء لو كانوا يعيشون لآمال كبيرة لأهداف عظيمة لرسالة يؤدونها في الحياة.
لا أقول: لو فكروا مثل تفكير شباب الصحابة والسلف الصالح: أسامة بن زيد، ومحمد بن القاسم الثقفي... بل لو فكروا مثل ما يفكر فيه أطفال الحجارة... جيل ثورة المساجد، الذين يقاومون رصاص اليهود بالحجارة يقذفونها، بصدورهم يتلقون الرصاص بعظامهم تكسر بالبنادق، لو كان عندهم مثل هذه الهمم ما فعلوا مثلما فعلوا.


بل لو كان عندهم مثل ما عند شباب اليهود وبنات اليهود هؤلاء الذين جاؤوا من هنا وهناك، ليقيموا دولة إسرائيل، على أنقاضنا وأشلائنا، وهم لا يكتفون بإسرائيل الصغرى، بل ينشدون إسرائيل الكبرى: ملك إسرائيل من الفرات إلى النيل، لو كان عند هؤلاء طموح مثل طموح شباب اليهود وبنات اليهود، ما فعلوا الذي فعلوا.
لكن نفوسهم فارغة لو شغلوا أنفسهم بشيء ينفع، برياضة تقوي أجسامهم، بكتاب نافع يقرؤونه، بالعمل في جمعية خيرية أو علمية أو اجتماعية، ما صنعوا الذي صنعوا، وما ساروا في الطرقات لاهين غافلين عابثين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين