الشباب والثقة المنشودة‎

 

لفت نظري وقد استضفنا ـ في أكتوبر 2013ـم في بيروت الداعية الشاب الثلاثيني البريطاني (فيليب سانتوس) المشهور بعد إسلامه في بريطانيا بعبد الله الأندلسي وما عاينتُه منه... حماسُه واندفاعه وذكاؤه وقوّة حجّته في نشر الدعوة والإقناع بالإسلام وتمكُّنُه من الردِّ على شبهات العلمانيين والليبراليّين... ثم ازداد اندهاشي بعد سماعي لقصة بحثه عن الحق واهتدائه إلى الإسلام بعد بحث ودراسة لكثير من الأديان والفلسفات وكان عمره ـ وهو أمر عَجَب! ـ عند إسلامه 14 عاماً... وجعلني أستعيد قناعات حاسمة وعميقة في وجداني وفكري.

لا يوجد دين أو فلسفة أو أيدولوجيا تُداني الإسلامَ - دينَ الله الحق – في اعتنائه بالإنسان وتحقيق التوازن بين مكوِّناته وأبعاده، ولا في تفجير طاقاته وإشعاره بدوره وقيمته في الحياة... ولا يُستغرب هذا لأنه دين الله وهدايتُه للإنسان وهو خالقه وأعلم بحاجته وفطرته.

ولقد كانت رسالة الإسلام المباركة نُقلة هائلة في التعاطي مع الإنسان واستثمار طاقاته إلى أقصى مدى في كل مجالات الحياة مع مراعاة التنوُّع بين الطاقات البشرية والتخصُّص الذي يمكن أن يتفوّق به كل واحد بحَسَب مواهبه وقُدُراته...

 

وهذا سرّ آخر من أسرار عظمة (الإسلام)! وبهذا البُعد نفهم حديث النبي r: "أرحَمُ أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدُّهم في دين الله عمر، وأكثرهم حياءً عثمان، وأقضاهم عليّ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ..." إلى آخر من ذَكَرهُم صلى الله عليه وسلم من أصحابه الأبرار، وهو حديث صحيح رواه الترمذي وغيره... ونفهم أيضاً كلمة الإمام المجتهد الفَذّ أبي عمرٍو الأَوْزاعي التي خرّجها بسندٍ حسن الحافظُ المَرْوَزي في كتاب السُّنَّة: (كان يُقال: ما من مسلم إلا هو قائم على ثُغْرة من ثُغُر الإسلام)!

 

والمنظَّمات والهيئات الشبابية التي تنطلق من الإسلام عقيدةً وفكراً ، ومن شريعته التزاماً وانضباطاً، ومن غاياته توجُّهاً وأهدافاً، تستنهض طاقات الشباب في سياق برامجها النهضوية لإعادة دور أمتنا في عالم اليوم وتجديد رسالتها الإيمانية والحضارية... ولكن حتى تُؤتي أُكُلَها يجب أن تكون وَفْق المنطلقات الأساسية التالية:

 

ـ  فهم الإسلام فهماً واضحاً شاملاً للحياة كلِّها – عقيدةً وأخلاقاً ومنهجاً وحضارة –، وبالتالي الانتقال في الصلة به من الانتساب الصُّوري التقليدي إلى الانتماء الحقيقي الرسالي.

 

ـ الإقبال عليه دراسةً وتعلُّماً على أيدي العلماء الموثوقين من منابعه الصافية: القرآن العظيم وصحيح الأحاديث والسيرة النبوية.

 

ـ طرحُه بعزّةٍ وفخر منهجاً ربّانياً لسعادة الإنسان في الدنيا ولفَوْزِه في الآخرة، ولخَلاص البشرية المُعذَّبة من أَزْمتها الحضارية في عالم الصراعات، ومستنقع الإفلاس والأزمات، ومن انحطاطها الأخلاقي وجُمُوح مادّيتها القاسية.

 

ـ  التعاون الجادّ الفعّال بين الموقنين بدور الإسلام القادم - الإنقاذي والحضاري – وذلك لتجميع الطاقات وتكامُلها وتوزيعها على جبهات (الصراع الثقافي والإعلامي والحضاري مع الشرّ العالمي) وَفْق مخطط مدروس ووراء قيادة ربّانيّة واعية.

 

ـ  استعادة الوظيفة الكبرى للأمة التي شرّفَتْها طيلة تاريخها وأعلَتْ مكانتها وميّزتها عن سائر الأمم والشعوب: الوظيفة التي ذكرها الله عز وجل: )كنتم خيرَ أمة أُخرجتْ للناس تأمرون بالمعروف وتنهَوْنَ عن المنكر وتؤمنون بالله(.

 

لذا، فعلى المسلمين وخاصة الشباب منهم أن يتقدّموا بروح وثّابة، وحَيَويّة متدفّقة، وعزيمة فتيّة، للانخراط في مسيرة النهضة المرتقبة بمثل الروح والعزيمة اللتين عاينتُهما لدى الأخ الداعية البريطاني (عبد الله)، والتصميم على المشاركة الفعليّة العضويّة في (مشروع النهوض الإسلامي الجادّ والأصيل) المؤهَّل لاجتياز هذه المسيرة بكل مسؤولية وجدارة، وتقديم أفكارهم وأوقاتهم واختصاصاتهم إليه، محقِّقين أمنيّة الشاعر:

 

وهـا إنّـا وإنْ غَفَلنــا          فإنّا بعد صَحْوَتنـا نقولُ :

هو الإسلامُ دينُ اللهِ يبقَى          ويحملُ صرحَه جيلٌ فجيلُ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين