بقلم : نور الدين إبراهيم العبيدي
الحمد لله المعز المذل, والصلاة والسلام على إمام المجاهدين وسيد العالمين وعلى آله وصحبه والتابعين ، وبعد:
فلم يضع النظام السوري بحسبانه أنه ستنبثق من مدن سوريا وريفها ومساجدها ومدارسها ، فتيةٌ أبطال من أمة محمد ، تزلزل عرشه, وتضعضع أركانه, وتقوّض بنيانه، وتزيل سلطانه ، وتضع أنفه في الرغام ، وهو النظام الذي يدَّعي المقاومة والممانعة, وصاحب جيش عقائدي عمل على تدعيمه أربعين عاماً أو يزيد لحماية مكتسباته التي سرقها من شعبه، ولإذلال أبنائه وترسيخ قيم الكفر والفقر والذل والعبودية له.
ومن أولئك الفتية الأطهار الأبرار شابٌ من شباب الإسلام, دفعه إيمانه العميق ليستقتل في طلب الشهادة تخلُّصاً من الحياة المؤقتة للأجيال إلى الحياة الخالدة, آثر الموت ليحيا الناس, حمل روحه على كفِّه كرماً لهذا الشعب الأبي، وأملاً في إحدى الحسنيين، إنه صدّاح الثورة وقاشوشها الشهيد البطل حذيفة أطرش تقبَّله الله في عباده المصطَفَيْن.
ولادته وأسرته الكريمة ونشأته الصالحة :
ولد الشهيد البطل عام 1995م في حيٍّ تاريخي عريق من أحياء مدينة حلب هو حي المشارقة الذي إذا ذكرته ذكرت معه مجزرةً تاريخيةً يندى لها جبين العالم.
ترعرع الشهيد بين أحضان أسرة مؤمنة تتَّخذ من الكتاب منهاجاً لها لتسير عليه في حياتها, واتخذت من سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة, فأبوه السيد محمد صلاح أطرش ، وأمه السيدة الكريمة منى دهمان، وله شقيقان أحدهما أكبر منه والثاني أصغر منه، وفقهما الله وحفظهما ، وأربع شقيقات سلمهنّ الله ورعاهن وتولاهنّ .
عرفت هذه الأسرة بالالتزام والمحافظة على الدين المتين والخلق الكريم، فاكتسب حذيفة منها صفات المؤمن الغيور على دينه وعرضه وأرضه ووطنه.
دفع الأبوان الكريمان بابنهما حذيفة منذ نعومة أظفاره إلى معهد تحفيظ القرآن الكريم في جامع سكر بحيِّ الكلاسة، فحفظ فيه بعض أجزاء القرآن الكريم، والأحاديث النبوية والسيرة النبوية والأحكام الفقهية وفق المنهاج المتَّبع في ذلك المعهد، فربِّيَ منذ الصغر على موائد القرآن الكريم محافظاً على دروس العلم التي رسمت شخصه فيما بعد.
أخلاقه وشمائله والتحاقه بركب المجاهدين :
كان الشهيد يتمتع بالخلق الرفيع والأدب العالي، والمحافظة على صلاة الجماعة في جامع حذيفة بن اليمان، فصاحَبَ فيه الأخيار من الشباب المؤمنين الأتقياء، وتطبع بطباعهم النبيلة, وتخلق بأخلاقهم الحميدة.
أشرقت أسارير هذا الشاب الربيعي لإشراقة الربيع العربي بالفرحة والسرور, وكملت له البهجة والسرور عندما سمع أخبار الثورة السورية من بعض وسائل الإعلام, ومن أفواه بعض الشباب المؤمنين, فقد جاءت هذه الثورة بعد انتظار حسبناها محالاً، ففتح حذيفة لها قلبه وسمعه, وانطلق فيها دون أن تكون له كبوة، فكان هو وبعض الفتية المؤمنين من أجناد الحق نواةً لانطلاق هذه الثورة في مدينة حلب الباسلة .
دفعه لذلك العمل النافع والجهاد الدؤوب ما رآه من الظلم الذي يحيط بمجتمعه، فقد بزغ شبابه في وقت كابد فيه الناس من ظلم الظالمين واستعبادهم وجورهم, حوّلوا حياة البشر إلى سلسلة من الأحزان والنوائب والمتاعب والقلق من الشبح الأمني والاستخباراتي الذي لا يغيب عنهم.
انطلق حذيفة وتخلف عن مدرسته, وهو في الصف الثالث الثانوي في الثانوية التجارية, وصدح بصوته الشجيّ الجميل الذي سخّره للثورة حتى لقّب بقاشوش بستان القصر.
وكان من أغانيه: "وأنا الشهيد حلمي يمّا شهادة بشهادة وإن جيتك يمّا مستشهد زغردي زغردي".
كان أكثر نشاطه في الفترة الأخيرة في حي صلاح الدين، وكان يرتاد مسجد صلاح الدين لأنه صار معقلاً للثوار والمجاهدين.
عُرف الشهيد – رحمه الله وتقبله - بنشاطه الدؤوب, وكان ذا همَّة عالية في لمّ شمل التنسيقيات الثورية من أجل حشد أكبر عدد ممكن في المظاهرة، وقد حرص على ألا تفوته أية مظاهرة، ومن المظاهرات التي كان له دور بارز فيها، المظاهرة التي خرجت عقب تشييع الشيخ إبراهيم السلقيني رحمه الله تعالى.
وهو من اقترح كتابة اسم الشهيد عبد الواحد هنداوي بالأحجار أسفل جبل الإذاعة، وقد فعل الثوار ذلك ، وها هو اليوم اسمه يرسخ في القلوب وفي أشرف بوابات التاريخ.
كان له الأثر الطيب على الشباب لكونه كان شخصاً إيمانياً روحانياً, ولما يتمتّع به من عذوبة الصوت ونداوته.
تأثر هذا الشاب بكلمة الشيخ محمد علي الصابوني حفظه الله على إحدى القنوات الفضائية والتي ذكر فيها أنّ من يقتل في المظاهرة فهو شهيد, فازداد حبُّه للشهادة، وكانت رغبته وأمنيته أن يقتل في مظاهرة، أو في إحدى ساحات القتال مع الظالمين وهو يدافع عن المظلومين.
التحق الشهيد بدورة تدريبيّة في إحدى معسكرات الجيش الحر في بلدة عندان فأحبَّ أهل هذه المدينة الثائرة، وأحبه أهلها، وتعلق قلبه بها، ومن حبه لأهل هذه البلدة أوصى أن يدفن فيها إن وهبه الله الشهادة, دفعه لتلك الدورة إيمانه العميق بالله عز وجل, ولما أعده الله عز وجل للشهداء في دار الخلود, ومن أجل الدفاع عن المستضعفين.
استشهاده وتشييعه ودفنه :
حقق الله عز وجل له ما يصبو إليه فقد رزق الله الشاب اليافع الشهادة في حيّه في يوم الثلاثاء 11-9-2012م بشظية صاروخ أثناء خروجه من البناء الذي يسكن فيه في حي بستان القصر بعد أن أرسله والده لشراء بعض الحوائج، فاشترى جنَّة عرضها السموات والأرض.
شيّع الشهيد إلى بلدة عندان ليدفن فيها تنفيذاً لوصيته، وقد استبشر أهل بلدة عندان بولدهم البار الصالح المجاهد الصادق، وقد أقسموا أنهم لن ينسوه.
كان الحزن واضحاً على وجوه جميع الشباب الذين أحبوه، وهتفوا باسمه في المظاهرات، وكان عزاؤهم فيه أنه ما يزال حياً عند مليك مقتدر ، روحه في جوف طير خضر, وهو لا يزال باقياً في القلوب والمقل, وعزاؤهم فيه أن الله حقق له ما كان يصبو إليه.
فاهنأ في قبرك أيها الشهيد بالحور الحسان وروْح وريحان، وإنّ اغتيالك لم يقصّر في أجلك المحدود المحتوم، لكن الظالمين قصروا الطريق لأنفسهم نحو مزابل التاريخ وجهنم وبئس المصير.
حُرِّر في يوم عيد الأضحى 1433 ، الموافق يوم الجمعة 26تشرين أول 2012.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول