السفور والتعري طريق نحو الانحدار إلى المؤسسة الحيوانية

السفور والتعري طريق نحو الانحدار إلى المؤسسة الحيوانية

جمال أبو حسان

 

من يراقب الوضع في المجتمعات العربية وكثير من المجتمعات الإسلامية، يجد أن هناك توجها مرعبا نحو السفور والتعري في اللباس، الذي بات أمره مقلقا لكل أفراد المجتمع ولكنه أشد إقلاقا  للذين يحسون بخطورة الانفلات من الأحكام الشرعية المتعلقة به على المجتمع كله، ولا شك أن مسألة لباس المرأة بشكل عام قد حسمها الشرع بغض النظر عن التفاصيل، فالمرأة يجب عليها أن تستر كل بدنها من مفرق رأسها إلى أخمص قدميها بما لا يشف ولا يصف، وهذا القدر لا أعلم فيه خلافا عند أهل العلم إلا في شذوذات الأقوال، ونحن هنا لسنا معنيين بهذه الشذوذات.

غير أن الذي يؤسف له أن يتجارى المجتمع المسلم وراء رغبات المجددينات (وهن من ابتليت بهن الأمة منذ عقود صاحبات الحداثة والجديد، اللائي يقول فيهن أمير الشعراء:

لا تَحْذُ حَذْوَ عصابة مفتونة ** يجدون كل قديمِ شيءٍ منكرا

ولو استطاعوا في المجامع أنكروا ** من مات من آبائهم أو عُمّرا

وهذا الاسم العجيب سماهم به الأديب الشهير كامل الكيلاني حينما سئل عن معنى هذه التسمية فأجاب بجواب بديع قائلا: هذا جمع مخنث سالم! "نقلا عن ديوان أيمنيات للطبيب المبدع والنطاسي العالم الدكتور أيمن زايد شافاه الله وعافاه")

غير أن قلة الاتعاظ بأحداث الزمان تستوجب على الدعاة التذكير بالله واليوم الآخر حتى لا نكون في مكان من قال الله تعالى في شأنهم {فَنَادَوْا وَلاَتَ حِينَ مَنَاص} [ص:3].

فكل شيء حولنا ومعنا ومنا يدعونا إلى الله فالأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كلها تدعونا إلى أن نعود إلى الله تعالى نجأر إليه للخلاص من هذا الذي أوقعنا أنفسنا فيه.

وثمة مظاهر جديدة بدأت في المجتمع بسبب هذا السفور والتعري أصبحت تنادي على جميع أفراد المجتمع بالتوقي من عثرات الزمان، لكن يبدو أن الذين يستمعون قلة، ومتابعة من لا يحفلون بالدين ولا أحكامه هي أشد الأشياء خطورة على المجتمع والأمة، ومتابعة الكفار الذين يتخذون من سفور المرأة وتعرّيها وسيلة لتحقيق مآربهم وغمر شهواتهم، هذا من أعجب العجب في أمة ترى القدوة في عدوها فتتابعه في كل باطله.

ومما أذكره أنني سمعت وأنا صغير وعُزي هذا الكلام لأكثر من عالم ذكره في كتبه -غير أني نسيت الأسماء- أنك إذا كنت منفردا وداهمك وحش حيوان وليس معك أحد، فإن طريق خلاصك منه أن تتعرى من ثيابك فإنه حينئذ يخافك ويهابك فتنجو منه، فهل يريد المجددون والمجددينات أن نصبح في عالم الإنسان وحوشا حتى يتغذى هؤلاء بشهواتهم علينا؟

حتى الجنة التي وعد الله عباده المتقين ذكر فيها خاصية التستر وأنه من أهم الأمور الفطرية، فقال تعالى مخاطبا نبيه آدم عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى} [طه:118]، وبين تعالى أن سوأة آدم وحواء ما بدت لهما إلا بعد المعصية فقال تعالى: {فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] إذن التعري والسفور من نتائج معصية الله، فهل نستمع إلى القران فنهتدي به من قوارع الطريق؟

وأكثر ما يؤسى له في هذا الجانب اللباس الذي ترتديه طالبات المدارس والجامعات، أما طالبات المدارس فأصبح هذا اللباس من مغريات بعض من لف نفسه بالخلاعة وقلة الأدب ليقفوا على أبواب هذه المدارس ينتظروا خروج الطالبات حتى يمتعوا أعينهم بما يتراءى لهم من هذه الأزياء، واليوم كنت في مكان قرب إحدى المدارس فوجدت مجموعة من هؤلاء يقفون على الرصيف فأخبرني أحد التجار أن هؤلاء يأتون يوميا من التاسعة صباحا ويبقون على الرصيف ينتظرون خروج الطالبات، قال: وهذا ديدنهم وقد قدمنا الشكوى وراء الشكوى لكن لا مجيب.

وأما الجامعات فحدث ولا حرج، ولا أدري كيف يسمح الرجل لبنته أن تخرج متزينة متعطرة متبرجة وأحيانا متعرية إلى هذه المؤسسات العلمية، وكيف تقبل هذه المؤسسات دخول الطالبات بهذا الشكل إلى الحرم الجامعي المعد أصلا لطلب العلم والتزود بالأخلاق، هذه بلا شك قضية اجتماعية كل الناس مسؤول عنها، وعلى جميعهم العمل من أجل حل هذه المعضلة وهذا الانفلات، وأتذكر أنه في بعض الجامعات في بعض الدول الإسلامية تضع وزارة التعليم المعنية بهذه الجامعات شروطا معينة للباس الطلاب والطالبات في الجامعة، وهذه الشروط مبنية على الستر والعفة، فلماذا لا نفعل الفعل نفسه للمحافظة على أبنائنا وبناتنا الذين ننفق عليهم ما نقدر من الأموال حتى يتعلموا، وكيف يتعلمون إذا لم يجدوا البيئة المعينة على التعليم، أصبحت أيها السادة بعض المدارس وكل الجامعات أشبه بدور الأزياء، يعني لا علاقة لها بالعلم ولا بأهله.

أرجو أن لا تكون هذه الكلمة بمثابة الصرخة في واد أو النفخة في رماد

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.. تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين