السفاهة والسفهاء

 

السفاهة لغة: مصدر سَفِهَ إذا صار سفيها كلاهما مأخوذ من مادّة (س ف هـ) الّتي تدلّ على الخفّة والسّخافة والطيش[1] والسَّفَاهَةُ: التسرع إِلَى القَوْل الْقَبِيح أَو فعله[2]. وهي: خفة الرأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والقوة قاله الحرالي[3]والسَفَاهَة: إسراف، تبذير، تبديد ، خداع، غش، مكر، مداجاة ،جراءة ،وقاحة، قلة الحشمة والحياء، دعارة، فساد السيرة )[4] سَفِيه: مبذر، مسرف ،وقح، متهتك، قليل الحياء، داعر، فاسق ،خبيث، نذل، لئيم سفيه اللسان معناه: لا يتحرز ولا يزن كلامه. سَفِيه: كلب، تقال للشخص شتماً له واحتقاراً ، وأصل السّفه الخفّة في البدن والعقل والرأي والحركة والطّيش ،الاضطراب و الجهل وسفُه «بكسر الفاء وضّمّها» إذا جهل فهو سفيه، أي جاهل ،ومنه قولُ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُسَفِّه أَحْلامنا ، مَعْنَاهُ أَتُجَهِّلُ أَحْلامَنا؟[5] و(السُّفَهَاء} : الْجُهَّال بلغَة كنَانَة[6] وجمع السّفيه سفهاء وسفاه،[7]  وفى الاصطلاح : السّفه فى قول الجرجانيّ: عبارة عن خفّة تعرض للإنسان من الفرح والغضب فيحمله ذلك على العمل بخلاف العقل وموجب الشّرع[8]

 

أمور يضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها اللبيب

 

ومن علامات السفاهة فى قول الجاحظ: سرعة الغضب، والطّيش مِنْ يسير الأمور، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسّرف في العقوبة، وإظهار الجزع من أدنى ضرر، والسّبّ الفاحش[9] والسّفيه كما وصفه الكفويّ:(أسير الطّغيان، دائم العصيان، حقير النّفس، خفيف اللّبّ، رديء الفهم، ظاهر الجهل، سريع الذّنب، ضعيف الرّأي، عديم العقل، مستخفّ القدر، مخدوع الشّيطان، ملازم الكفران، لا يبالي بما كان  ، ولا بما هو كائن أو سوف يكون). [10] والسّفه أقبح من العبث، كما أنّ الظّلم أقبح من الجهل،[11] وفى مواضع 9 من كتاب الله ورد فيها الحديث عن السفاهة والسفهاء وتكون السفاهة في: الأمور الدّنيويّة، وفى الأخرويّة على النحو الآتي :خمس آيات السفاهة فيها بمعنى الكفر فَلَا كَافِرَ إِلَّا وَهُوَ سَفِيهٌ "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ"[12]"سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ"[13] (قال السّدّيّ المراد بالسّفهاء في "سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ[14]": الكفّار، وأهل النّفاق، واليهود. أمّا الكفّار فقالوا لمّا حوّلت القبلة: رجع محمّد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، فإنّه علم أنّا على الحقّ،  وأمّا المنافقون فقالوا: إن كان أوّلا على الحقّ فالّذي انتقل إليه باطل، وكذلك العكس. وأمّا اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيّا لما خالف، فلمّا كثرت أقاويل هؤلاء السّفهاء، أنزلت هذه الآيات[15]  وَلَقَدْ ذَهَبَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَوْمٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ[16]والكل كان عن أمر الله ،وفى تضرع موسي " أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا"[17]

 

 

 

وجُرمٍ جرّه سُفَهاءُ قومٍ ... وحلّ بغير جارِمِه العذابُ

 

وقول عاد لهود عليه السلام " إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ * قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ"[18] * وقول مؤمنى الجن"وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً"[19] والسادسة بمعنى النفاق "وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ"[20] * قال الرّاغب: فهذا من السّفه في الدّين[21]. ولقد قَلَبَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ لَقَبَ السفهاء الذي رموا به المؤمنين - وَقَوْلُهُ الْحَقُّ- لِوُجُوهٍ فيها تمييز وتعريف لكل سفيه بأنه

 

1-مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الدَّلِيلِ ثُمَّ نَسَبَ الْمُتَمَسِّكَ بِهِ إِلَى السَّفَاهَةِ فَهُوَ السَّفِيهُ

2-مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ فَهُوَ السَّفِيهُ

3-مَنْ عَادَى مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَدْ عَادَى اللَّهَ، وَذَلِكَ هُوَ السَّفِيهُ[22].

4- مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ يُوصَفُ بِالْخِفَّةِ وَالسَّفَهِ

5-من يَعْدِلُ عَنْ طَرِيقِ مَنَافِعِهِ إِلَى مَا يَضُرُّهُ، يُوصَفُ بِالْخِفَّةِ وَالسَّفَهِ

6-الْخَطَأَ فِي بَابِ الدِّينِ أَعْظَمُ مَضَرَّةً مِنْ الْخَطَأَ فِي بَابِ الدُّنْيَا

6-الْعَادِلُ عَنِ الرَّأْيِ الْوَاضِحِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ يُعَدُّ سَفِيهًا، فَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ فِي أَمْرِ دِينِهِ فهو أشد سفها. [23] والسابعة والثامنة السفاهة فيهما بمعنى سوء التدبير "فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ"[24]قَالَ ابْن عرفةَ: السفيه هنا الْجَاهِل بِالْأَحْكَامِ فلَا يُحْسِنُ الْإِمْلَاء، وَلَا يدْرِي كَيفَ هُوَ؟ وَلَو كَانَ جَاهِلا فِي أحوالِه كلِّها مَا جَازَ لَهُ أنْ يُدَايَن[25] "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً"[26] والسفيه هنا: هو كل من كان فيه ضَعْف عَقْلٍ، فلَا يُحْسِنُ سياسة مَالهِ، ولم يُؤْنَسْ منه الرُشْدُ[27] وكذا كل من يجهل قدر المال ولا يمتنع عن تبذيرهِ، ولا يرغب في تثميره. كان سفيها ،وقال الشعبي والشافعي: هو المبذر لماله المفسد لدينه[28]. والتاسعة السفاهة فيها بمعنى الجهل وسوء الظن بالله تعالى "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ "[29] فى الصحيح : "سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَة، يُصَدَّقُ فِيَها الْكَاذِبُ، وُيكَذَبُ فِيَها الصَّادِقُ، وَيُؤتَمَنُ فِيَها الْخَائِن، وُيخَوَّنُ فِيَها الأمِينُ، وَينْطِقُ فِيَها الرُّوَيْبِضةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّويبِضَةُ؛ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أمْرِ الْعَامَّة[30].)[31]وفى رواية " المَرْؤُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " [32] وما أكثرهم الآن فى قنوات ومواقع أغنتني شهرتها وشهرتهم عن النص عليهم. وفيه "بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتَخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْوٌ[33] يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ، يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ , وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا. [34] وفيه أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ: "أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِى لاَ يَقْتَدُونَ بِهَدْيِى وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُوا عَلَىَّ حَوْضِى، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُوا عَلَىَّ حَوْضِى،[35] )[36] وقال ابن عبّاس"إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ إلى قوله: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ"[37] * [38] والسفاهة سوء خلق تورث غضب الجبّار وعظيم النّيران. والإفلاس، والحاجة إلى النّاس، والخراب والدمار والعار والبوار والخزي والعزلة والبغضاء والشحناء ، والضعة وسوء الخاتمة والعياذ بالله والمطلوب هجر هؤلاء السفهاء والحجر عليهم فخلائقهم تُعدي وكان فى الفقه الإسلامي الحجر على السفهاء، وأَوْصَى عُمَيْرَ بْنَ حَبِيبٍ- وَكَانَ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَنِيْه  ، فَقَالَ: «يَا بَنِيَّ، إِيَّاكُمْ وَمُخَالَطَةَ السُّفَهَاءِ، فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ دَاءٌ ، »[39]

 

[1] مجمع بحار الأنوار (3/ 82)

[2] معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم (ص: 207)

[3] التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 194)

[4] تكملة المعاجم العربية (6/ 89)

[5] المحكم والمحيط الأعظم (4/ 221) لسان العرب (13/ 499)

[6] الكليات (ص: 518)

[7] مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 79، 80) ، الصحاح (6/ 2234) ، لسان العرب (3/ 2032) ط. دار المعارف، والمفردات للراغب (234) ، وقارن أيضا ب (بصائر ذوي التمييز: 3/ 229)

[8] التعريفات (125)

[9] تهذيب الأخلاق (29)

[10] الكليات (510) .

[11] الكليات (3/ 259) ط. القاهرة

[12] البقرة : 130

[13] البقرة : 142

[14] (البقرة/ 142)

[15]  فتح الباري (8/ 171) .

[16] تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (4/ 79)

[17] الأعراف : 155

[18] الأعراف : 66+67

[19] الجن :4

[20] البقرة : 13

[21] المفردات (235) .

[22] تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (2/ 308)

[23] تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (4/ 79)

[24] البقرة 282

[25] تهذيب اللغة (6/ 82)

[26] النساء : 5

[27] تهذيب اللغة (6/ 82)

[28] شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (5/ 3104)

[29] الأنعام : 137- 140

[30] ابن ماجة (4036) ، أحمد (2/ 291) واللفظ له رقم (7899) وقال شاكر: إسناده صحيح، الحاكم في المستدرك (4/ 465، 466) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

[31] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/ 509)

[32] كشف الأستار عن زوائد البزار (4/ 132)

[33] نشوا: يقال نشى الرجل من الشراب نشوا ونشوة ونشوة: سكر.

[34] أحمد (3/ 494) برقم (16083) واللفظ له. ذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 3) وقال: صحيح وفي الصحيحة (2/ 710) برقم (979) وعزاه لأبي عبيد في فضائل القرآن وابن أبي الدنيا والطبراني والحاكم وغيرهم. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 672)

[35] موبقها: أي مهلكها.

[36] النسائي (7/ 160) ، والترمذي (614) وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول: أقل أحواله أنه حسن (4/ 76) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 194، 195) وقال: رواه أحمد واللفظ له والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح. ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه. ورواه الترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة وقال الترمذي في أحد أسانيده: حديث غريب صحيح، وهو في أحمد (3/ 321) .

[37] (الأنعام/ 140)

[38]  البخاري- الفتح 6 (3524) والآية (140) من سورة الأنعام.

[39] مجمع الزوائد (8/ 64) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات. أمالي القالي (2/ 57)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين