الساعة قريب

تنوَّعت العبارات القرآنية والنبوية في الإشارة إلى معنى قُرب الساعة حتى وصفها القرآن بأنها كلمح البصر أو أقرب، وكان هذا قبل أربعة عشر قرنا، ولم تقم الساعةُ بعد !!

كيف يمكننا فهم هذه النصوص الكريمة وما هي دلالاتها؟!

سوف أشير في هذه العجالة إلى معنىً خطيرٍ قد يعرف ظاهرَه كثير من المسلمين لكنني أزعم أنَّ أكثرهم لم يتمكن من الوصول إلى جوهر الفكرة وعمقها، والذي سيؤثر كثيرًا في إيمان العبد وسلوكه في هذه الحياة القصيرة.

خلاصة الفكرة؛ أنَّ الإنسان حين يموت فإنه لا يفصله عن القيامة إلا كما يفصل النائمَ ليلًا عن الاستيقاظ صباحًا، حتى إذا قامت الساعة وبُعث من قبره وسُئل كم مضى على موتك في الدنيا، فلا يظنُّ أنه قضى سوى يوم أو بعض يوم، فكأنما قد مات بالأمس تماما، وفترة البرزخ قد مرَّت عليه وعلى جميع من ماتوا قبل آلاف السنين بمقدار واحد، هو مقدار ما قاله فتيةُ الكهف بعد ثلاثة قرون: (لبثنا يوما أو بعض يوم)، وهو مقدار ما قاله من أماته الله مئة عام ثم بعثه: (لبثت يوما أو بعض يوم)، وهو المقدار الذي سيجيب به أهل المحشر بعد موت آلاف السنين: (لبثنا يوما أو بعض يوم...).

الآن أدعوكم لتأمل الآيات في هذا الصدد وقراءتها بالمنظار السابق لتتعمق الفكرة ويرسخ الشعور في الوجدان.

قال تعالى: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيةً أو ضحاها) !!!

وقال تعالى: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار)

وقال تعالى: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعةً من النهار يتعارفون بينهم)، وقال تعالى: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة).

هل رأيتم كيف وصف الله فترة البرزخ والزمن الذي يمرُّ على الأموات؟!

إنَّ الحيَّ منا يتصوَّر أنَّ الفاصل الزمني بين موته وبين بعثه طويل جدًا بحسب نظرته لقوانين الزمن الدنيوية التي لا يعرف غيرها، فهو يرى يوم القيامة بعيدا، مع أنه في البعد الزمني الآخر عند الله تعالى قريب، قال سبحانه: (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا)، وهذا الشعور بالأمد البعيد هو الذي يجعله يتمادى في غيه وعصيانه.

ويومَ تجدُ كلُّ نفسٍ ماعملت من خيرٍ ومن شرٍّ محضرًا، وأمدَ ما كانت توعَدُ قريبًا جدًا، حينئذٍ تودُّ لو أنَّ بينها وبينه "يوم القيامة" أمدًا بعيدًا !!

لعلنا نستطيع أن نفهم أكثر الآن معنى الآية الكريمة: (ولتنظر نفس ما قدَّمت لغد) فيوم القيامة حقًا وصدقا هو كالغد بالنسبة لليوم.. فمن مات اليوم على سبيل المثال "الخميس" سوف يستفيق عند البعث غدا "الجمعة" ويعتقد يقينا أنه مات بالأمس الخميس ويقسم على ذلك.

"إذ يقول أمثلهم طريقةً إن لبثتم إلا يوما".

ويمكننا الآن أن نفهم كذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الجنة عند شراك نعل أحدكم والنار مثل ذلك)!!

فليس بين العبد والجنة أو النار إلا أن يموت، وحينما تأتي سكرةُ الحق بالموت تُختزَل حياتُه كلُّها أمام عينيه وكأنه لم يلبث في الدنيا إلا برهةً يسيرة، وتصبح الحياةُ السالفةُ كالطيف الذي استفاق منه وتركه خلفه فلم يجد بين يديه إلا الحياة الممتدة أمامه بلا نهاية، وحينئذ يقول: يا ليتني قدمت لحياتي، وكأن الحياة الماضية لم تكن حياته!!

أخي المبارك..

إذا شعرت أنَّ نظرتك للساعة بعد المقال قد تغيرت وأصبحت تحس بأنَّ القيامة ستكون بعد موتك بساعات لا تزيد عن يومٍ واحدٍ فقد فهمتَ المقصود وأفدت من المنشور ولله الحمد، وإن لم يكن فأنصحك بتَكرار القراءة حتى يتسلل المعنى إلى وجدانك، لتتذوق نكهات جديدة لحقيقة وجودك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين