الزعيـــــــــــــــم

 
بقلم/ ماهر إبراهيم جعوان


كان عبد الله بن أبي بن سلول طالباً للرئاسة طامعاً في الزعامة مشتاقا للمُلك يقول أسيد بن حضير"يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يري انك قد استلبته ملكه"  فنقم الرجل علي النبي صلي الله عليه وسلم نقماً شديداً وصارت مصالحه الذاتية وأهواؤه الشخصيّة وراء امتناعه عن الإخلاص في إيمانه والصدق في إسلامه  فما أتعس الأشقياء حينما لا ينطلقون إلا من مبادئ بطونهم وفروجهم وأهوائهم ويتركوا الحق جانباً عاش الرجل حياة اللعب على الحبال والرقص علي السلالم وانتهاز الفرص للتفرقة بين المسلمين ونفث سمومه في كل اتجاه للتشويه والتشتيت وإثارة القلاقل والشبهات والشائعات والأكاذيب وقلب الحقائق والخوض في الأعراض والتشكيك في الثوابت والخذلان في وقت الشدائد وتقليب القبائل والأقليات والنعرات الطائفية وتجميع الأحزاب وإن لم يتمكن من حربهم مباشرة هيج عليهم أعدائهم وخصومهم
                                             
خاض وأتباعه حرباً ضروساً لا هوادة فيها علناً في قليل من الأحيان وسراً في كثير من الأحيان للسيطرة علي مقاليد الأمور بالدولة الوليدة حقداً وحسداً وكيداً بالمسلمين ولم يأل جهدًا في حبك المؤامرات في الظلام والطعن في الظهر وتوجيه التهم فرمي بدهاءٍ ومكرٍ شديدين أم المؤمنين عائشة العفيفة الطاهرة بغير ما اكتسبت وقد برَّأها الله من فوق سبع سموات بعد أن أوقع هذا الافَّاك مجتمع المدينة في حرجٍ كبير

وكاد يسعر الحرب بين المهاجرين والأنصار عندما اختلف مولى من المهاجرين مع مولى من الأنصار فقال: والله ما نحن وهم إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك وأضاف (أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعز منها الأذل ) وقوله لأصحابه (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا(


وقال للنبي الكريم (إليك عني والله لقد آذاني نتن حمارك) فقال رجل من الأنصار(والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك) فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال

ويوم أحد انسحب بثلث الجيش وقال عن النبي الكريم: أطاعهم فخرج وعصاني والله ما ندري علام نقتل أنفسنا؟
وشفع لحلفائه يهود قينقاع كيلا يقتلهم رسول الله فجاء إليه وقال "يا محمد أحسن في مواليّ "وكرّر ذلك على النبي وأمسكه من ثيابه حتى ظهر الغضب في وجه النبي وقال معللاً " قد منعوني من الأحمر والأسود إني امرؤ أخشى الدوائر" فقال له صلى الله عليه وسلم (هم لك وحرض بني النضير على قتال النبي وعدم الاستسلام له ووعدهم بالنصرة والمساعدة فأعلنوا الحرب

ومع كل ذلك كان صلي الله عيه وسلم يعامله بالحسنى والصبر على أذاه  لتظهر حقيقة الرجل من خلال تصرّفاته ومواقفه وقد أثمر هذا الأسلوب  حيث وجد بن سلول العتاب والبغض في كلّ موقفٍ من مواقفه وكان ذلك على يد من كانوا يرغبون في تتويجه ملكاً عليهم  فنبذه أهله وأقرب الناس إليه وخيب الله سعيه ونجي المؤمنين من كيده ومكره وانتهي حلم حياته وأمله في الزعامة باجتماع الناس حول راية الحق وقبل موته وهلاكه مرض عشرين ليلة والنبي عليه الصلاة والسلام لا يكفّ عن زيارته والسؤال عنه  وفي زيارة رسول الله صلي الله عليه وسلم له طلب منه أن يصلي عليه إذا مات ويقوم على قبره وطلب منه قميصه ليكفن فيه فأرسل له صلي الله عليه وسلم القميص الخارجي  فرده وطلب منه الذي يلي جسده ليكفن فيه فأرسله إليه فلما مات جاءه ابنه يعرفه فقال عليه الصلاة والسلام لابنه: «صل عليه وادفنه» فقال: إن لم تصل عليه يا رسول الله لم يصل عليه مسلم فقام عليه الصلاة والسلام فصلي عليه فالرفق الرفق أيها الدعاة بالمخالفين والطامعين والمشوهين فكراً وعملاً وسلوكاً  فلنحسن إليهم ولنظهر لهم أخلاق الإسلام ونفوت عليهم الفرص ولنتقي شرورهم ولنأخذ حذرنا ولا نخدع بلسانهم ولنُقم عليهم الحجة ونكسب من حولهم أو نحيدهم وندعو لهم بالهداية فالتاريخ يعيد نفسه ونحن دعاة ولسنا قضاة (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)   


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين