الروس والحل السياسي

 

إنقاذ الأسد

لا يخفى على أحد أن التدخل العسكري الروسي جاء لإنقاذ ما تبقى من نظام الأسد الذي فتّتته ثورة الكرامة، ورمّمه في المرة الأولى حزب الله الطائفي، وصادرت القوات الإيرانية قراره وسيادته على أجهزته في المرة الثانية، ليأتي الروس في الثالثة ويعلنوا الاحتلال الرسمي لسوريا الأسد ويحاولوا احتلال سوريا الحرة

اتفاقيات دولية

كان من ضمن عملية خلط الأوراق السياسية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة السماحَ للروس بالتدخل في سوريا عسكرياً، والرجوع خطوة إلى الخلف ودفع الروس بخطوات إلى الأمام في الشأن السوري، ربما من أجل إغراق الروس في المستنقع السوري والذي قد يكون الضربة القاضية الأمريكية للروس، وربما هناك اعتبارات أخرى لانريد الخوض فيها، ما يهمنا أن التدخل الروسي كان بموافقة أمريكية ظاهرةً كانت أم مبطنة.

التجربة الروسية

من خلال تجارب الروس السابقة في أفغانستان وغيرها، علم الروس أن هذه الصراعات بين الشعوب والطغاة نهايتها استسلام الطغاة على طاولة السياسة، وحاولوا أن يستثمروا التدخل العسكري في فرض حل سياسي استسلامي على الشعب هذه المرة، ووجدوا فرصة أن يعيدوا تجربة مصر وتونس وغيرهما بالحفاظ على الدولة العميقة لإعادة إنتاجها فيما بعد، فجاء الحل الروسي وجاءت ورقة فيينا، والتي خفضت وبشكل واضح وفاضح سقف جنيف وطرحت -وبشكل مبطن- ورقة بشار الأسد للمساومة، وأشغلت الجميع في مسائل جانبية منها ملف الإرهاب وتأطير المعارضة وعلمانية الدولة لتحقق مبتغاها وتحافظ على الورقة الأهم (الدولة الأمنية العميقة).

الواقع العسكري

كلنا يعلم الطريقة الروسية في المعارك، وهي سياسة الأرض المحروقة والجيوش الجرارة. النظام دائماً يدّعي أنه بخير، ويملك جيشاً قوياً منظّماً، وهذا ما أوهم به الروس، وبناءً على هذا الوهم بنى الروس خطّتهم العسكرية، وكانت المعركة الأولى في حماة، والتي كشفت واقع الجيش الأسدي المهترئ، من خلال مجزرة في العتاد والرجال اضطر بعدها الروس -وبسبب عدم نيتهم الغرق في المستنقع السوري- إلى الاستعانة بالميليشيات الإيرانية، والتي زجّت بقواتها على الأرض بكثافة عددية هائلة.

حقيقة الأمر أن النظام الأسدي لا يأبه بما يسمى “مقاتل”، وكان يدفن في المعارك المئات من مقاتليه، وقد لا يأبه حتى لدفنهم. على عكس الإيرانيين، الذين يتوجب عليهم نقل جثث مئات القتلى في الطائرات إلى شعبهم، ويبدو أن الإيرانيين لم يكونوا مستعدين لهذه الفواتير، ظهر ذلك جلياً في ضغطهم المستميت في فيينا 2، باتجاه وقف إطلاق نار فوري وشامل.

على الأرض وفي الجهة المقابلة، خسرت المعارضة بعض النقاط في جنوب حلب وجبال الساحل وبدرجة أقل في الريف الدمشقي، ما أوحى للعالم أن الروس يملكون أوراق ضغط حقيقية، لكن حقيقة هذه الخسارة أنها إبادة وحرق بفعل سلاح، الجو يليها تقدم سهل للميليشيات، لكن هذا التقدم هشٌّ جداً، وخاصة عندما نتحدث عن استعادة هذه النقاط، والتي يخرج فيها سلاح الجو من معادلة المعركة الانغماسية الالتحامية.

الرمي بكل الأوراق

بعد طرح الروس الحل السياسي وتصدّرهم لمشهد الحل السياسي في سوريا، ومقارنةً بحجم إنجازاتهم على الأرض والتي لا تكفي لتحقيق رؤيتهم في الحل السياسي وتقتضي استسلام الثورة، كان لابد من زيادة الضغط وطرح كل الأوراق دفعةً واحدة، فجاء تحرك داعش على عدة محاور وفي عدة بلدان، وجاء أيضاً تحرك الميليشيات الكردية وضغطها على الثوار، وزادت حدّة الهجمات، وبدأ الجنون الروسي الذي ورثهُ الأسد وجيشه سابقاً، وبدأ الانتقام من الأسواق والمدارس للضغط على الحاضنة الشعبية، في محاولة يائسة لكسر إرادة الشعب، لكن السحر انقلب على الساحر، وازداد إصرار هذه الحاضنة على الاصطفاف الوطني خلف جيشها الحر.

مِشعَر الاستنزاف :

مع طرح الروس كل أوراق اللعب على الطاولة دفعةً واحدة، والضغط الهائل الذي تتعرض له الثورة السورية اليوم، ومع كل ما يحدث على الساحة، تحاول جميع الأطراف اليوم إقناع المعارضة والقوى الثورية السورية أنها في حالة ضعف وانهيار وأن عليها الخضوع لحل استسلامي روسي.

وهنا نقول:

إن أهم مِشعَر لتحديد مَن هو المستنزَف والمضغوط في هذه المعركة، هو أن ننظر للذي يهرول إلى الحل السياسي بغض النظر عن طبيعة هذا الحل إن كان عادلاً أو استسلامياً، وكلّنا يرى هرولة الروس لإنهاء المعركة بطريقتهم، ومن المعلوم أن مَن طلب -وبشدة- وقفَ إطلاق النار الفوري والشامل هم الإيرانيون في فيينا 2 كما ذكرنا سابقاً.

الخلاصة

من كل ما تقدم، نرى فشل الروس في إدارة وفهم الملف، وأظنّ أنّ العالم بأسره عجِزَ وسيبقى عاجزاً عن فهم تعقيدات الثورة السورية، ونرى بوضوح أن من امتصَ -منذ بداية الثورة- عنف الجيش الأسدي، وتعلّم كيف يتعامل معه، -ثم بعد ذلك- عرف كيفية التعامل مع احتراف العصابات الشيعية على مرحلتين (حزب الله والحرس الثوري)، وأنهى كل هذه القوى، لن يعجز عن امتصاص هذه الفورة الروسية،

وستتحطم مطامع الغزاة على صخرة الإرداة الشعبية.

 

*مسؤول المكتب السياسي في جيش الإسلام

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين