الرد على من يتّهمون الإسلام أنّه انتشر بحدّ السيف

أحبّائي : أمام ضعف حال المسلمين في هذا الزمن ، وأمام قلّة حيلتنا في نُصرة هذا الدين ، أرى أنّه من أقل الواجب أن نتعرف على حقيقة هذا الدين بأقل جهدٍ نبذله في قراءة هذا المقال إلى آخره ، فلا تبخلوا على أنفسكم في الحصول على أجر وثواب المعرفة ، أتمنى عليكم أن تسرقوا من الفيس بوك عشر دقائق في سبيل الله بعيداً عن التسلية والتعازي والتهاني !!!

إلى الذين يقولون أن الإسلام انتشر بحد السيف أقول :

إنّ من يتّهِمَ المسلمين بهذا الاتّهام هو أحدُ إثنين ، إمّا جاهلٌ بالتاريخ ، أو عدُوٌّ كذّاب

اسمحوا لي أن أعرض عليكم عرضاً موجزاً لتسلسل الأحداث التاريخيّة منذ بداية انتشار الدين الإسلامي ، ففي هذا العرض حقائقٌ تصحّح الفهم الخاطئ عند الجاهل ، وتُخرِسُ العدُوَّ الكاذب

… عندما نزل الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وأُمِرَ بتبليغ رسالة الله إلى الناس ، دعى أهل مكّةَ بلسانه سالكاً سبيل الحكمة والموعظة الحسنة ، فآذته قريش وأساءت له ولأصحابه وقاطعتْه في شِعْب أبي طالب ، هو وأصحابه الذين آمنوا ومنَعَتْ عنهم الطعام والشراب ، وطبّقَتْ عليهم حصاراً اقتصاديا لمدة ثلاث سنوات ، فلا باعوا لهم ولم يشتروا منهم حتى بلغ المسلمون إلى مرحلةٍ من الفقر والجوع والتعب أيّما مبلغ ، إلى أن فكّت الحصار بطريقةٍ سلْميّة انتصر فيها بنوا هاشم لأهلهم المحاصرين

… بعد أن فكَّت قريش الحصار عن المسلمين ، انتهجت نهجاً آخراً في التعامل مع المسلمين تجلّى بتعذيب بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقتل بعضهم الآخر ، وانتهى بمخطّطٍ اجتمعت فيه قريش على قتل الرسول صلى الله عليه وسلّم فهاجرَ إلى المدينة كما أمره الله

… بين حصار المسلمين في شِعْب أبي طالب ومحاولة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عانى المسلمون أشدّ أنواع العذاب مما اضطرهم إلى الهجرة الأولى إلى الحبشة ، ومن ثمّ الهجرة إلى المدينة المنورة حاملين آلامهم وقهرهم وتاركين أموالهم وبيوتهم وتاريخهم

… عاش المسلمون في المدينة المنورة ضيوفاً على أهلها ، وفي قلوبهم مرارةُ الهجرة وما تحملها من حزنٍ وفاقةٍ وإحساسٍ بالقهر ( في أنهم يعيشون عالةً على غيرهم ) رغم أن أهل المدينة المنورة كانوا معهم كراماً وعاملوهم بمروءةٍ وحب ( ولكن يبقى فاقدُ بيته وماله ومدينته في حالةٍ من الحزن يدركها من عاشها !!! )

… في السنة الثانية للهجرة ، مرّت قافلةُ قريش بالقرب من آبار بدر القريبة من المدينة المنوّرة ، وفيها رؤوس الشر من قريش ( الذين برعوا في إيذاء المسلمين في مكّة ) وكانت القافلة تحمل أموال وبضائع المشركين الذين آذوا وقتلوا وطردوا المسلمين ، فكان من الطبيعي أن يخرج المسلمون إليهم ويقاتلوهم ويستردّوا أموالهم التي حُرموا منها ، فكانت غزوة بدرٍ التي انتصر فيها المسلمون على المشركين ( وهذا أمرٌ لا يُحسب على ادعاء الكاذبين الذي يقولون فيه أن الإسلام انتشر بحد السيف )

… في السنة الثالثة للهجرة ، اجتمعت قريش بعد هزيمتها في بدر وجاءت لتنتقم من المسلمين وجاءت من مكّة إلى حدود المدينة المنورة فكانت معركة أحد ، وكان ما كان ( وهذه معركةٌ لا تُحسب على ادعاء الكاذبين الذين يقولون أن الإسلام انتشر بحد السيف )

… بعد معركة أحد ، جاءت بعض القبائل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وطلبوا منه أن يرسل لهم من صحابته من يُعلّمهم القرآن ، فأرسل لهم الرسول صلى الله عليه وسلّم بعضاً من خيرةِ صحابته من حفظة القرآن ، فغدروا بهم عند بئرٍ يقال لها ( بئر الرجيع ) وقتلوا بعضهم ، وأسروا بعضهم ، وأخذوهم أسرى إلى قريش تعذبهم وتصلب بعضهم !!!

… وخلال نفس الشهر جاءت قبائل أخرى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وطلبوا منه أن يبعث إليهم من يفقههم في الدين ويعلمهم القرآن ، فأرسل معهم سبعين رجلاً من خيرةِ صحابته ليقوموا في هذه المهمّة ، فغدروا فيهم عند بئرٍ أسمه ( بئر معونة ) وقتلوهم جميعهم على بَكْرةِ أبيهم !!!

… بعد هاتين الحادثتين ، صار من الطبيعي أن يُرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرساناً بسيوفهم وعتادهم مع الدعاة الذين يذهبون لتبليغ دعوة الإسلام ، وذلك لحمايتهم من أن يقعوا بما وقع فيه الدعاة في حادثتي بئرَي ( الرجيع ومعونة ) بمعنى أن السيف لم يكن لإكراه غير المسلمين على الدخول في الإسلام ، بل كان لحماية الدعاة المسلمين من غدر الماكرين( وهذا أمرٌ لا يُحسَبُ على ادعاء الكاذبين الذين يقولون أنّ الإسلام انتشر بحد السيف )

… في السنة الخامسة للهجرة جمَعتْ قريش جيوشا من القبائل ( غزوة الأحزاب وتسمى غزوة الخندق ) وكان تعدادهم عشرة آلاف مقاتل ، وهاجموا المسلمين على مشارف المدينة المنورة ، فاستعد المسلمون للقتال ( وهذا أمرٌ مشروعٌ في كل الأديان والأعراف على مدى التاريخ )

ولأنّ معادلة التوازن في هذه المعركة كانت في صالح المشركين ( من حيث العدد والعدّة ) ولأنّ المعركة كانت مفروضةً على المسلمين ، ولأنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم لم يكن مجازفاً بأرواح المسلمين ، وافق على اقتراح الصحابي الجليل سلمان الفارسي ، وحفر خندقاً حول المدينة يحول بين المسلمين والمشركين ، كي لا يخوضوا حرباً يتضح فيها هزيمةُ المسلمين ( ضمن النظام الماديّ السببي ) ولأن المسلمين كانوا صادقين النيّة في تقديم أرواحهم في سبيل الدفاع عن دينهم وأعراضهم ، كفاهم الله شرّ القتال ، أن هزم الأحزاب ، بأن سلّط عليهم الرياح والعواصف والأمطار ، فتهدمت خيامهم التي نصبوها على حدود المدينة المنورة ، وانطفأت نيرانُهم التي أوقدوها لتحضير الطعام ، وهربتْ خيولهم التي جاءوا عليها ليقاتلوا المسلمين ، وتفرّقتْ إبلهم ، فما كان أمامهم إلّا خيار الإنسحاب ، والعودة بهزيمةٍ انتصر فيها المسلمون بمعونة من الله ومكافئة لهم على صدق النيّة وحُسن التدبير ( وهذا أمرٌ لا يُحسَبُ على ادعاء الكاذبين بإنّ الأسلام انتشر بحد السيف )

… في السنة السادسة للهجرة ، خرج المسلمون من المدينة المنوّرة باتجاه مكّة المكرّمة يتقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، لأداء فريضة العمرة ، ولم يخرجوا مقاتلين ، بل كانوا مُحرمين لأداء العمرة ، وعندما وصلوا على مشارف مكّة في منطقة الحديبيّة ، خرج عليهم المشركون ومنعوهم من أداء عمرتهم ، وبعد مفواضات سلميّة ، تمّ الاتفاق على صلحٍ عجيب وكانت بنوده أن يعود المسلمون من حيث أتوا ، على أن يُسمح لهم بأداء العمرة في العام القادم ، وأن لا يَسمح المسلمون لأي مشركٍ أن يدخل في الإسلام ، وأن لا يمنع المسلمون أيَّ مُسلمٍ عن أن يرتد إلى الشرك ، وأن يتوقّف القتال بين المسلمين والمشركين لمدة عشر سنوات ، وهذا الأمر ينسحب على المسلمين وحلفائهم ، وعلى المشركين وحلفائهم ، وأي نقضٍ لأحدٍ من هذه البنود يعتبر نقضاً للصلح يحقّ معه لأيٍْ من الطرفين أن يبادر بالحرب

… في السنة الثامنة للهجرة نقضت قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وغَدَرت بعشرةُ رجالٍ من قبيلة خزاعة ( حلفاء المسلمين ) وذبحتْهم على حين غَرّة ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وجمع المسلمين وتوجّه إلى مكّة المكرّمة ، وكان الفتح العظيم

… بعد فتح مكّة لم يُجبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلّمَ أحداً على الدخول في الإسلام ، ولكنّه طهّر الكعبة من الأصنام ، كما فعل قبله أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وعاد إلى المدينة المنوّرة ليتابع بناء دولة الإسلام بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة

… في السنة الثالثه عشر للهجرة ، تحالفت الدولة الرومانيّة التي كانت تسيطر على كثيرٍ من الأراضي العربيّة ، وتستعبد أهلها ، تحالفت مع بعض القبائل العربيّة ، وشكّلت جيشاً كبيراً هاجمت فيه المسلمين في معركةٍ على حدود وادي اليرموك ، فتصدّى لهم المسلمون وانتصروا انتصاراً يدهش رواة التاريخ من عسكريين وسياسيين إلى يومنا هذا ( وهذه المعركة لا تُحسَبُ على ادعاء الكاذبين الذين يقولون إن الإسلام انتشر بحد السيف )

… أمام اعتداء الدولة الرومانية السافر على المسلمين ، وأمام تجهيزهم للجيوش التي تريد استئصال المسلمين المسالمين ، والذين لم يشهروا سيفهم إلّا دفاعاً عن أنفسهم ، كان لزاماً على المسلمين ( وفق كل الأعراف والقيم ) أن يبادروا لتحرير أراضيهم من الدولة التي تحتلها ، وهذا ما يستوجب إسقاط هذه الدولة بإسقاط مدنها ، وعواصمها ، وإغماد سيوفها التي تتقوّى بها ، فكان ما كان من اسقاط الدولة الرومانيّة والدولة الفارسيّة ، من خلال حروبٍ عسكريّة تهدف إلى التحرّر من ظلم هذه الإمبراطوريات الفاسدة التي كانت تستعبد الشعوب ، وتمارس الظلم باسم الدين المسيحي ، وتمنع شعوبها من حق اختيارهم للدين الجديد الذي يحقق لهم العدالة والكرامة

… أحبّائي ، لا يتسع المقام لعرض كلّ التاريخ الإسلامي في نشر الدعوة الإسلاميّة ، ولكني أكتفي بهذه العجالة التي تُبيّن للجاهلين وللكذابين حقيقةَ هذا الدين ، وحقيقة انتشاره

… أعلمُ أنّ أعداء هذا الدين سيأخذون من هذا التاريخ أحداثاً أخرى يحسبونها حجّةً لهم ، وسوف يعتمدون على رواياتٍ ضعيفةٍ أو رواياتٍ مُحرّفةٍ ، أو رواياتٍ مُجْتَزأةٍ من سياقها ليثبتوا ادعاءهم ، ولكن الذي لا يعلمونه ، أنّنا لديناً ردّ على كل ادعاءٍ كاذب ، وعند وجود بعض الحوادث التي يمكن أن يكون عليها إشارات استفهام ، فهي حوادث نادرة ومخالفة لثوابت هذا الدين ، وهي حوادث فرديّة ، كان للأسلام معها وقفةٌ واضحةٌ ، ( وفي كل الأحوال ، نحن لا ندّعي أن المسلمين ملائكة لم يخطئوا ، ولو عقدنا مقارنةً بين تاريخ المسلمين وتاريخ غير المسلمين لوجدنا كما قال المنصفون من أعدائهم : ( ما عرف التاريخ فاتحين أرحم من المسلمين)

أسأل الله أن يجعل ما كتبتُه خالصاً لوجهه ، وأن ينفع به وأن يأجُر من قرأ واستفاد

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين