الرد على متعالم ينكر نفع الدعاء ويستهجن دعاء الداعين

قال تعالى : " { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } غافر 

وقال سبحانه :{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } البقرة

1 – معنى الدعاء والإجابة :

الدعاء : عبادة لقوله تعالى" وقال ربكم ادعوني أستجب لك. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ } فسماه الله عبادة .

أما إجابة الدعاء : فهي قبول الله تعالى هذه العبادة ممن دعاه ، وإثابته عليها ..

وكان بعضُ السلف يقول:عجبتُ لإكرام الله لهذه الأمة، حيث أمرها بالدعاء{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ووعدها عليه بالقبول دون شرط . فقيل له: مثل ماذا الشرط ؟ قال مثل قوله تعالى : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } حيث اشترط هنا لقبول الدعاء الإخلاص فيه .. أما الآية الأولى ، فقد وعد الله بالاستجابة من غير شرط .. 

هذا إذا سلم الدعاء مما يَنقُضُه ويُبطله .. ونواقضُ الدعاء ثلاثة : 

(1) الاعتداء في الدعاء ، كأن يسأل الله أن يمكنه من معصية أو يدعو بقطيعة رحم

(2) الاستعجال فيه، كأن يقول دعوت، دعوت ولم يستجب لي. فيمتنع عن الدعاء

(3) أن يكون الداعي ممن يبغضه الله تعالى، كالذي مطعمه حرام ومشربه حرام ..

أما مَنْ دعا وسلم دعاؤه مما ينقضه ؛ فهو مجاب الدعاء لا محالة .. لأن قوله تعالى { ادعوني أستجب لكم } هو إخبار من الله بالإجابة ، وإخباره لا ينسخ ولا يتخلف ، لأنه يستحيل على الله تعالى أن يخلف وعده { إن الله لا يخلف الميعاد } .. 

2 – وهناك من قال ( الدعاء ) هو سؤال العبد من الله تعالى أمرا مرغوبا فيه ليحققه له ، أو مخوفا منه ليصرفه عنه ، سواء أكان من الأمور الدنيوية أو الأخروية ..

وفي سؤال العبد ذلك من الله تعالى ، دليل على إيمانه بقدرة الله وعلمه ورحمته وكرمه وقدرته وغناه وحلمه، وهذا هو عين الإيمان الذي يكون صاحبه من أهل السعادة . 

أما الاستجابة لسؤال العبد ، فهي بين ثلاثة أحوال:

(1) إما أن يستجاب للعبد بما سأل ، ويُعَجَّلُ له ذلك في الدنيا (2) أو يُصرَفُ عنه من السوء بمقدار ما سأل (3) أو يُدَّخَرُ له طلبهُ فيثاب عليه في الآخرة ، بعطاءٍ جزيل من ملك الملوك وأكرم الأكرمين .. ولفظ الآية الكريمة لا يحتّمُ على الله تعالى أن يجيب العبد في الحال ، أو بنفس ما طلب. فهذان المعنيان مدفوعان بالنص المطلق عن الزمان والكيفية ..

3 – وعدُ الله تعالى باستجابة الدعاء ، لا يعني أن الإجابة ضربة لازب ، فليس لأحد أن يطالب الله تعالى بشيء على سبيل الحتم والإلزام ، لأنه ليس لأحد إلزام الله تعالى بشيء ، ولا إكراهه على فعل شيء أو تركه ، لأنه { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) }البروج . و { لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) } الأنبياء .. ومما يتعلق بهذه الجزئية في هذا المقام ، يحسن أن نشير هنا إلى أننا نُهينا أن نُعلّق الدعاء على المشيئة أدباً مع الله تعالى ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :[ لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له سبحانه وتعالى ] والتعليق الدعاء على المشيئة ، فيه شيء من إساءة الأدب مع الله ، فهو يعني أحد معنيين ؛ مما لا يليق إسناد أيٌّ منهما إليه سبحانه وتعالى :

( الأول ) : أن التعليق على المشيئة في الدعاء ، قد يعني إعطاء الله عز شأنه بهذا التعليق فرصة ليختار بين الفعل والترك .. وفي هذا تعريض بمشيئته سبحانه ، وهو القائل { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ /68} القصص. فلا مكره له سبحانه .

و (الثاني ) : أن التعليق على المشيئة فيه تلميح خفي إلى استغناء الداعي عن الأمر الذي يدعو به .. وهذا سوء أدب مع الله عز وجل ، ومناف لقوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) " فاطر .. 

وإني لأستغرب من قحّة بعض اللادينيين وجرأتهم على الله تعالى وهو ملك الملوك ، حيث أن هؤلاء المساكين إذا كان الأمر متعلقا بحاكم ظالم مستبد من ملوك الأرض ؛ كان لهم معه شأن آخر ، فهم مع الحكام المستبدين كالأرانب جبنا ومسكنة وطاعة وامتثالا .. وإذا كان الأمر مما يخص ربنا سبحانه وتعالى أو أفعاله ، أو شأنه العظيم ؛ تجد لهؤلاء الحمقى ألسنة أطول من ذنب العضرفوط ..

4 – أنكر المعترض (الدعاء) الذي يمارسه مليار و700 مليون مسلم في العالم ، ويمارسه ملايين اليهود والنصارى أيضا ، ورد الاعتقاد بنفعه إلى طفولية وسطحية ، وجزم القول بأن الدعاء لا يفيد في أي أمر دنيوي ولا ديني .. وهذا الكلام مصادم لنصوص قرآنية محكمة قال تعالى { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } فهو يأمرنا بأن ندعوه ، ويهدد من يأبى أن يدعوه بأنهم مستكبرون وسوف يدخلون جهنم داخرين .. وليت شعري كيف ساغ لهذا المثقف الذي يجري في غير مضماره ، أن يسخر من الدعاء وهو مخ العبادة ، وقد تواردت الآثار عن النبي صلى الله عليه و سلم بالترغيب فيه ، والحث عليه ، من ذلك حديث أبي هريرة رفعه ليس شيء أكرم على الله من الدعاء أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بن حبان . 

5 – يرى هذا الكاتب المعترض [[ أن القضايا التي تجري في الكون تجري وفق سَنَن الله ومراده من خلال القوانين التي وضعها سبحانه وتعالى، وتكمن إرادة الله وتدبيره هنا فقط ، وبالتالي فإن عزو المصائب والحروب والدمار والتهجير والتقتيل الى إرادة الله المباشرة في ذلك هو اتهام خطير، وادعاء لا يخلو من جهل بالله ]].

وليسمح لنا صاحبنا أن نقول له : ( رمتني بدائها وانسلت ) فأنت تتهم من يمارس عبادة الدعاء بأنهم جهلة ، يعزون الخراب والدمار والقتل لإرادة الله ، وأن اعتقادهم هذا لا يخلو من جهل بالله .. ولو عرفت الله من خلال ما وصف به نفسه في كتابه الحكيم ، أو على لسان نبيه الكريم ، لعرفت أن الله هو خالق الكون من عدم ، وهو خالق السنن الكونية التي أقام عليها الأكوان منذ خلق الخلق ، وأنه قادر أن يجري المقادير بدون الحاجة إلى السنن الكونية .. فقد خلق الله النار وجعلها سببا للحرق ، ثم سلبها هذه الخاصية حين أُلقي إبراهيم عليه السلام ليُحرق فيها [ قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ] .. وخلق الله الماء سائلا منسابا ، ثم سلبه خاصيته الكونية بضربة من عصا موسى ، فانشق البحر فرقين كل فرق كالطود العظيم ، ومشى موسى ومن معه في طريق يبس بين جدارين من الماء المتصلب ، ونجاهم الله من فرعون وجنوده.. ثم انطبق الماء على فرعون وجنوده فأغرقه وأغرقهم أجمعين .. 

إن خالق الأسباب يا صاحبي قادر على سلبها إن شاء ومتى شاء وكيف شاء.. وخالق السنن وحده هو القادر على تغيير قوانين الكون.. ولما حاول نمروذ أن يمخرق بكلام فارغ على قومه حين ناظر إبراهيم عليه السلام ، ألزمه إبراهيم الحجة . قال تعالى [ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ] فأتى بسجينين محكوم عليهما بالإعدام ، فقتل أحدهما ، وعفا عن الآخر ، وقال : ها قد أحييتُ هذا وأمتُّ هذا . ومشت هذه المخرقة على الرعاع من قومه [ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) ] فانظر كيف أظهر عجزه ، حين طالبه بتغيير سنة من سنن الله .. التي لا يقدر على تغييرها إلا الله .. وأبشرك بأن الشمس سوف تشرق من المغرب، خلافا للسنة الكونية التي كانت تتحكم في مسارها، وسوف يغلق عندها باب التوبة ، إيذانا بقرب الساعة ونهاية الحياة على هذه الأرض .. فليتك يا هذا تراجع حسابك، وتلجأ إلى من يعلمك دينك، قبل أن تندم ولات حين مندم .. 

أنت يا صاحبي تزعم أنك مسلم ، وأنك على دين محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنك تتكلم بلسان فلاسفة اليونان ، الذين يزعمون أن الله ، خلق الخلق ، وأقامه على سنن كونية مطردة ، ليسير بحركة تلقائية ذاتية ، وأن الله معزول بعيدا عن الكون ، ليس له عمل يعمله منذ خلق الخلق إلى الآن .. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين