الرجاء والخوف ـ 22 ـ

الشيخ : مجد مكي


الثالث: خوف المؤمن من الرياء والسُّمعة في قوله أو عمله أو حاله:
لقد كان السَّلف الصالح رضي الله عنهم يخافون على أنفسهم الرياء والسمعة في أعمالهم وأقوالهم. وسبب هذا الخوف هو الوعيد الشديد الذي جاء في المرائين والمسمِّعين.
أما الرياء: فهو أن يعمل العمل الحسن، ويُري الناسَ أنه عمله يريدُ به وَجْهَ الله تعالى والدار الآخرة، ولكنه في قرارة نفسه ونية قلبه، يبتغي عَرَضَ الدنيا، وأن يراه الناس، فهو في الحقيقة يعمل لأجل الناس ولا يعمل لله تعالى.
وأما السمعة: فهو أن يعمل العمل لأجل أن يسمع من الناس ثناءً عليه، ومدحاً له، ولولا ذلك ما عمل الحسن، فهو لا يريد التقُّرب إلى الله تعالى، ولا رضى الله تعالى.
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ] {البقرة:264}.
فالمتصدِّق إذا منَّ على الذي تصدَّق عليه أو آذاه بالكلام كقوله: لولا أني أعطيتك لهلكت، وأنا الذي أعطيتك وتفضَّلت عليك... فهذا يبطل ثوابه، كالرياء فإنه يبطل ثواب العمل الصالح.
روى البخاري (6499)، عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَمَّع، سمَّعَ الله به، ومن رَاء يُراء اللهُ به» ورواه مسلم (2986) من حديث ابن عباس.
قال الإمام المنذري: (سمَّع ـ بتشديد الميم ـ ومعناه: مَنْ أظهر عمله للناس رياءً، أظهر الله نيَّته الفاسدة في عمله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد). اهـ.
وروى الطبراني في الكبير (237) عن معاذ بن جبل، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء إلا سمَّع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة».
والمراؤون بأعمالهم يُكذِّبهم الله تعالى يومَ القيامة، وتكذِّبهم الملائكة ويفتضحون في يوم القيامة.
روى مسلم (1905) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إنَّ أول من يُقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها ؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استُشهدت. قال الله تعالى:كَذَبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فَسُحب على وجهه حتى ألقي في النار.
 ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها ؟ قال تعلَّمت العلم، وعلَّمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلَّمت العلم، ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فَسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار.
 ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأُتي به للحساب فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت. ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه، ثم ألقي في النار».

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين