الرجاء والخوف ـ 21 ـ

الشيخ مجد مكي
ـ 21 ـ
إنَّ من أعظم الأسباب الموجبة للخوف من الله تعالى: خوف المؤمن من المعاصي وارتكاب ما نهى الله عنه. وقد ذكر الله تعالى عقوبات الكثير من كبائر الذنوب.
كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواع العذاب للعصاة ومرتكبي الكبائر الذين لم يتوبُوا منها، ومن ذلك:
عذاب المرابين وآكلي المال الحرام: «كلُّ لحم نَبَتَ من سُحْت، فالنار أوْلى به» رواه أحمد (14441)، والترمذي (614) بنحوه من حديث كعب بن عجرة.
وروى الإمام أحمد (8640) في حديث المعراج أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«فأتيتُ على قوم بطونهم كالبيوت ـ أي: كبيرة ـ فيها الحيَّات ترى خارج بطونهم. قلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أَكَلة الربا».
عذاب الزناة: قال صلى الله عليه وسلم في الزُّناة: «إنَّ الزُّناةَ تشتعل وجوههم ناراً » رواه الطبراني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم:« إنَّ الإيمان سربالٌ يُسَربله الله مَنْ يشاء، فإذا زنى العبد نَزَعَ الله منه سِربال الإيمان، فإن تاب رُدَّ عليه»  رواه البيهقي (5366) في الشُّعب عن أبي هريرة رضي الله عنه.
عذاب شارب الخمر: قال صلى الله عليه وسلم: «مدمنُ الخمر إن مات ـ أي: ولم يتب ـ لَقِيَ اللهَ كعابد وثن» رواه أحمد (2453) عن ابن عباس، ورواه ابن ماجه (3375) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الخوف من عذاب المعاصي ووجوب المبادرة إلى التوبة:
فعلى المؤمن أن يخاف من عذاب المعاصي، ويبادر إلى التوبة، فإذا لم يفعل يكون قد ظلم نفسه، قال تعالى:[ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {الحجرات:11}.
وروى الطبراني في الكبير (5485) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: لما فَرَغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حُنين، نزلنا قَفْراً من الأرض ليس فيها شيء، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اجمعوا، من وجد شيئاً فليأت به، ومن وجد عظماً أو سِناً فَلْيأت به» قال سهل: فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ـ أي: المكان ـ ركاماً ـ أي: كومة كبيرة مجتمعةـ.
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:( أتَرَون هذا ؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم، كما جمعتم هذا، فَلْيتَّق اللهَ رَجُلٌ، فلا يُذنب صغيرةً ولا كبيرةً، فإنها مُحصَاةٌ عليه».
قال الله تعالى:[وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا] {الكهف:49}.
الثاني: الخوف من الإصرار على الصغائر والمُحقَّرات من الذنوب:
فإنَّ الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرةً، وتفتك بصاحبها، وتعمل به ما تعمله الكبيرة.
روى أحمد (22808)، والطبراني في الكبير (5872) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إيَّاكم ومُحقَّرات الذنوب فإنَّما مثل مُحقَّرات الذنوب كَمَثَل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعود ـ أي: بعود من الحطب ليوقدوا ناراً ـ حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإنَّ مُحقَّرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه».
وروى الدارمي (2726) عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا عائشة إيَّاك ومحقَّرات الذنوب، فإنَّ لها من الله طالباً»، وفي رواية ابن ماجه (4243): «إياك ومُحقَّرات الأعمال».
ورحم الله القائل:
خَلِّ الذنوبَ صغيرَها         وكبيرهَا ذاكَ التُّقى
واصْنَع كماشٍ فوق أر        ض الشوك يحذر ما يرى
لا تَحْقِرنَّ صغيرة        إنَّ الجبال من الحصى
فواحدة الحصى لا تشكِّل تلاً ولا جبلاً، ولكن إذا كَثُرت صارت تلاً، وإذا تراكمت شكَّلت جبلاً، وواحدة من عيدان الحطب لا يخبز خبراً، ولا ينضج طبخاً، ولكن إذا اجتمعت العيدان إلى بعضها وأوقدت أشعلت ناراً عظيمة، كما بيَّن ذلك صلى الله عليه وسلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين