الرجاء والخوف ـ 2 ـ

 

 الشيخ : مجد مكي

من الأخلاق الإيمانية العظيمة: خُلق الرجاء. والرجاء في اللغة: الأمل، فهو ضد اليأس.

 

وفي الاصطلاح: ظنٌّ يقتضي حصول ما فيه مَسرَّة ، كما قال الراغب في (مفرداته) ، وهو:تعلُّق القلب بحصول محبوب مستقبلاً كما في (التعريفات) للجرجاني.
وقد حثَّ القرآن على التخلُّق بهذا الخلق، فقال سبحانه:[قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الزُّمر:53}.
وهذه الآية أرجى آية في كتاب الله سبحانه، فقد أضاف العباد إلى نفسه تشريفاً لهم وبشارةً، ووصفهم بالإسراف في المعاصي والاستكثار من الذنوب، ونهاهم عن القنوط واليأس:[إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا]، وأنه سبحانه كثير المغفرة عظيم الرحمة، [إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ].
وقد نوَّه الله عزَّ وجل بأصحاب هذا الخُلُق، وبيَّن أنه من أخلاق المؤمنين التي يستوجبون بها رحمة الله وغفرانه.
[إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {البقرة:218}.
وقال تعالى:[أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] {الزُّمر:9}.
فوصفهم سبحانه بالقنوت والطاعة، والخوف من عذابه، والطمع في رحمته.
قرب الرجاء بالعمل الصالح:
والله عزَّ وجل قَرَنَ الرجاء بالعمل الصالح، فهو قانتٌ لا يَفْتُر عن الطاعة.
وقَرَن الرجاء بالخوف، فالخوف والرجاء قرينان لا ينفكُّ أحدهما عن الآخر. [وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا] {الأعراف:56}.[وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا] {الأنبياء:90}.[وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ] {الإسراء:57}.
فينبغي على المؤمن أن يكون في حال وسط بين الرجاء والخوف، فلا يبالغ في الرجاء فيوصله إلى ترك العمل فيكون غروراً وخداعاً للنفس، ولا يبالغ في الخوف فيوصله إلى اليأس والقنوط من رحمة الله.
اشتراط العمل مع حسن الرجاء:
إنَّ الرجاء لا يكون محموداً إلا إذا اقترن بحُسْن العمل، لذلك قَرَن الله تعالى الرجاء بالعمل الصالح.
قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {البقرة:218}.
وقال سبحانه: [فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا] {الكهف:110}.
وقال عزَّ وجل: [إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ] {فاطر:29}.
فهذه الآيات تدلُّ على أنَّ الرجاء المعتبر شرعاً شرطه العمل ، وأنه بدونه غرور لا قيمة له.
 قال ابن القيم في (مدارج السالكين) 2/36: (أجمع العارفون على أنَّ الرجاء لا يصحُّ إلا مع العمل).
عدم الاتكال على العمل:
والمؤمن مع قيامه بالأعمال الصالحة لا يتَّكل عليها، ولكن على رحمة ربه، لأنَّ العمل لا يوازي نعمةً واحدةً من نِعَمِ الله سبحانه.
قال صلى الله عليه وسلم: (لن ينجي أحدٌ عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمته، سَدِّدوا وقاربوا، واغدُوا ورُوحوا ـ أي: اقصدوا السَّداد، وهو الصواب ، وقاربوا أي: لا تفرطو فتجهدوا أنفسكم فتتركوا العمل. والغدو: السير أول النهار، والرواح: آخر النهار) وشيء من الدلجة، والقصدَ القصد َتبلغوا» ـ الدلجة: سير الليل ، والقصد القصد أي:الزموا الطريق الوسط المعتدل ـ ) أخرجه البخاري (6463)، ومسلم (2816).
فلم يبق إلا صدق الرجاء مع قدر الاستطاعة من العمل.
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب العمل الصالح الكثير المقبول لا يتَّكل على عمله، بل على رحمة ربه، فغيره ممن قلَّ عملُه، أوْلى بأن لا يتَّكل على عمله، وأن يعتمد على صدق الرجاء في الله، وإحسان الظنَّ مع المثابرة على العمل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين