الرجاء والخوف ـ 11 ـ  خوف الرجل المسرف من بني إسرائيل من ذنوبه

 

 
بقلم الشيخ : مجد مكي
وفي صحيح البخاري (3481)، ومسلم (2756)،والرواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:« كان ـ أي: في بني إسرائيل ـ رجلٌ يُسْرف على نفسه ـ يبالغ في المعاصي ويتجاوز الحد ـ، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا متّ فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذرُّوني ـ انثروني وفرِّقوني ـ في الريح، فوالله لئن قَدَر ـ من القدرة أو قدَّر بتشديد الدال من القضاء والقدر ـ عليَّ ربي ليعذِّبني عذاباً ما عذَّبه أحداً
 فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت ؟ قال: يا رب خشيتك فغفر له. وقال غيره: مخافتك يا رب»
كيف يغفر الله للمتشكك في قدرة الله سبحانه على إحياء الموتى؟
قال الخطَّابي: قد يستشكل، فيقال: كيف يغفر الله له، وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟
والجواب: أنه لم ينكر البعث، وإنما جهل، فظنَّ أنه إذا فعل ذلك به لا يعاد فلا يعذَّب، وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه فعل ذلك من خشية الله تعالى.
قال العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين ـ رحمه الله تعالى: وظنُّه يمسُّ بالإيمان بأنَّ الله على كل شيء قدير.
ولكن يتمشَّى ذلك على أن بني إسرائيل خُفِّف عنهم في باب العقائد لقصور أفكارهم، وضيق قلوبهم وعقولهم، ولم يخفَّف عنهم في التكاليف العملية،فكلفوا بخمسين صلاة كل يوم، بخلاف هذه الأمة المحمديَّة: خفَّف الله عنها التكاليف العملية، ولكن شدَّد عليهم في باب العقائد.
وقد يقال في الجواب عن شأن ذاك الرجل: بأنه كان يُسْرِف على نفسه، ولكن عنده خوف من الله تعالى، فلما حضرته الوفاة اشتدَّ عليه الخوف، وكبُر وعظم، فشدَّة الخوف أدهشته، اختلَّ تفكيره، فأوصى بذلك، والله تعالى أعلم.
***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين