
بادئ ذي بدء نقول : إن الرؤية الإسلامية – كما نتصورها – لا بد فيها من أربعة أمور :
أولها : الفهم الواعي لدور الإسلام في الحياة .
وثانيها : معرفة التيارات الوافدة قديما و حديثا .
وثالثها : الاهتمام بقضايا المسلمين .
ورابعها : الالتزام الذي ينبع من الإيمان العميق .
وثمة سؤال : هل الرؤية هذه مجرد عاطفة تنطلق في المناسبات ؟ أم هي عملية تقويمية تنطلق من خلال الإسلام ، وتنظر بمنظاره ؛ فتخطئ وتصوب وتمجد ؟
إن مما تمتاز به الرؤية عند الأديب المسلم أنها منطلق مبدئي ، والتزام أخلاقي . فهي ليست – على سبيل المثال – بكاء على المظلومين ، ولا دعوة إلى إنصاف المحرومين ؛ ثم البحث عن حياة خاصة ، ولو كانت في بروج الظالمين .
وهي رؤية تتسم بالصدق مع النفس والواقع ، وحب الخير ، والإيمان باستمرار الصراع بين الحق و الباطل ، و انتصار الحق أخيرا ، والأخذ بالأسباب ، والحنين إلى الماضي المجيد واستلهامه ، والإفادة من تجاربه.
وهي ليست موقفا انعزاليا ، ولكنها مخالطة و معاناة وإحساس بما يجري، ومحاولة جادة لتوجيهه وتقويمه .
وهي إيمان بالحل الإسلامي لقضايا الحياة والإنسان ، وقد أثبتت التجارب أن الإسلام هو الحل ، بعد أن أخفقت كل الحلول المستوردة .
وهي أخذ بالمنظار الإيماني في التعامل مع المدنية الوافدة ، فتأخذ منها وتدع بما يتوافق مع مقتضى هذا الإيمان . وهي ليست نظرة قطرية تعنى بقطر دون آخر ، فحيثما حل المسلمون فثمة الهم .
وهي بالنسبة للماضي ؛ ليست مجرد نظرة إلى تراث مجيد ، ولكن تراث لجيل فريد ، والتعمق في تجارب الذين اتبعوهم بإحسان ، فاقتربوا أو ابتعدوا عن المنهج بحسب التزامهم به .
وهي ليست إعجابا بفرد ، وإن كانت البطولة في التعالي على ضروريات الحياة وقمع هوى النفس مما يهز الوجدان المسلم ، ولا إعجابا بتجربة ، ثم الوقوف عندها ، دون مقارنة لها بما عند الآخر .
وهي بالنسبة للحاضر ؛ تتمثل في الدعوة إلى الالتزام بالإسلام ، وتقديمه منهجا للحياة ، وتتبين أحقية هذا الدين في حكم الحياة وسياسة المجتمع .
ثم هي لفت لأنظار الغافلين إلى المآسي التي يجرها البعد عن الإسلام . وذلك بتقديم صور للمآسي المعاصرة ، وتوضيح لتداعي الأعداء على مختلف توجهاتهم ضد المسلمين .
وهي بالنسبة للمستقبل ؛ تتمثل في يقين الأديب المسلم أن المستقبل لهذا الدين ، وفي النظرة المتفائلة لما ستؤول إليه نتيجة الصراع مع الباطل ، وأن تجارب التاريخ البعيد والقريب تؤكد أن المستقبل للإسلام ؛ وهي بذلك موقف استشراقي للآتي .
وإذا قلنا في البداية بأنها : ليست عاطفة ، ولا حديثا عن المناسبات، فليس معنى ذلك أن ننفيهما ، ولكن قصدنا أن العاطفة وحدها لا تكفي، وأن الحديث عن المناسبات دون استلهامها لا يؤدي المقصود . مع يقيننا بأن العاطفة من أخص خصائص العمل الأدبي ، وأن الذين ينقطعون عن تاريخهم يعيشون غراسا ليس لها جذور ، منبتة في أرض من الرمال .
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول