الدكتور إقبال بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام 

أيتها الأرض العربية المقدسة هنيئا لك، كنت حجارة منبوذة أعرض عنك الطامحون ولكن ماذا ألهمك يتيم فصرت نواة للحضارة وأساسا للمدنية،مشى على صحاريك أقدام زكية طاهرة،وحمت ظلال نخيلك ألاف الأولياء والأصفياء من وهج الشمس .

يا ليت تراب جسدي الدنس يتطاير غباراًفى فيافيك،يا ليتني أتيه فى مفازاتك،وأبلغ المدينة حافيا جريحا مكلوم الفؤاد،صفير اليد،وأطّرح على عتبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم"

هذا مقتبس من رسالة للدكتور إقبال وجّهها إلى أنشاء الله خان مدير صحيفة "الوطن"أثناء رحلته إلى إنجلترا عام ١٩٠٥..

قد هجر الوطن ليتشرب العلوم الحديثة وقلبه معلّق بتلك القرية المتوارية التى ظلت مخمولة فى غياهب الظلام..وتجيش خواطره حباًّ وعشقاً للشخص الذى كان مكتمل الجوانب،ومثالا للكمال.

يظن كثير من المولعين بإقبال أنّ عشقه شبّ فى آخر عمره حين أضناه المرض وتكالبت عليه الرزايا ولكن القطعة التى جعلناها ديباجة المقال تكذب هذا وتبرهن على أن الحب النبوي جزء من شعوره وهو ذائق طعمه الحلو منذ شبابه...

إنّ القصائد التى أهداها الدكتور إلى جناب النبي المصطفى تنبض بحرقة المظلوم وتفعم بقوة الأمل وتنبجس منها الحياة.

يستفيض الدكتور شرحا وتبيانا للتغير الجذري الذى أحدثه محمد صلى الله عليه عليه وسلم فى مسيرة الحضارة ..

ويستعظم دوره فى رفع الكرامة الإنسانية من الثرى إلى الثريا..

وفى قصيدة طويلة صاغها بالفارسية يمثل بين يدي النبي مادحا شاكيا فيقول:

أنت مأوى المسا كين أنقذ أمتك من كراهية الموت، حطمت اللات والمنات،فأضفت إلى العالم معان نبيلة سامية،أنت فى نغمة الصبح،وصدح الآذان،ذكرك لذة تطمئن القلوب،ونور يكشف الظلمات..

ثم يستطرد فى ذكر أيادى النبي البيضاء :

فما ألهنا البهائم ولا خنعنا أمام الكهان وما ذللنا للرؤساء والملوك،وهذا من مننك عليناوقطرة من بحر جودك،أنت رفعتنا من الحضيض وعلمتنا حقيقة الفقر..فأنت مقام لكل سالك،ومنزل لكل قاصد..

ثم يعرب ما يدور فى نفسه من هواجس الخوف ، ويذكر ما يرى بعين قلبه من بوادر الخطر..

"قد دوخت فى العرب والعجم فوجدت أبناء أبى لهب يسرحون ويمرحون وعشاقك قليلون،يكادون أن ينتهوا،هؤلاء المتنورون ضمائرهم مظلمة يرفلون ويتنعمون،ديثو بالهوان والصغار،نسو أنفسهم وقد جعلوا منتهى آمالهم حصول كسرة من الخبز يلقيها إليهم سيدهم الغربي،

أصبحوا كالطير المهيض الجناح لا يشق أجواز الفضاء الرحب.مسخت نار لافرنج خلقهم وهويتهم،يريقون ماء الوجه للقمة من العيش،سرت الوثنية فى دمائهم وخالطت لحومهم حتى باضت وفرخت.

يا رسول الله صلى اللله عليه وسلم

أحيينا من موتنا قد قتلونا بغير قتال

قيّض علينا "الرجل" ليعرّفنا بأنفسنا..

كان من أمنيته أن يقود الأحرار الأباة هذه الأمّة

ومقت كثيراً العملاء الذين يخونون شعوبهم وبلادهم..

أبت الأقدار أن يصل جسد إقبال موطن الحبيب المصطفى ،ومهوى أفئدة العشاق،ولكنّ طائر روحه رفرف دائما حول هذه البقعة المباركة..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين