الدعاء والقضاء

 

كتب بعضهم :

[لقد كشفت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عن عمق تأثر قطاع كبير من الأمة الاسلامية بالافكار البالية التي كانت سببا في تخلفها واستكانتها للطواغيت والظلمة، فعندما اشرنا في بعض منشوراتنا ان فشل الانقلاب لا علاقة له برضى الله او غضبه على اردوغان، وإنما له علاقة بالاجراءات والخطوات التي اعتمدها اردوغان، خرج من يستنكر ذلك، قائلا: ان الله لا ينسى عباده الصالحين وكل الأمر كان مقدرا عند الله وقضاء الله نافذ لا محالة!!

لقد زرع الطواغيت والظلمة في وعي الأمة، من خلال علماء السلطان،واولياء الشيطان،  ان كل ما يقع عليها هو قضاء الله، فالحاكم المجرم والظالم من قضاء الله، ومن يعترض عليه ويخالفه فهو معترض على قضاء الله، مما اورث الأمة الذل والاستكانة والقبول بالواقع دون سعي لتغييره، فاذا جاءهم حاكم مجرم فكل ما عليهم هو ان يصبروا؛ لأنه من قضاء الله، حتى يمن الله بحاكم عادل، ولم تتعلم الأمة ان الاخذ بالأسباب واجب اوجبه الله عليها، فلا تقوانا ولا ايماننا ولا دعاؤنا يرد مثلا اعداءنا، فليس هذا هو قانون الله؛ لأن قانونه" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" ، فلم يستجب الله لمشايخ الأزهر حينما اجتمعوا في ساحاته يقرأون صحيح البخاري بنية هزيمة نابليون لما احتل مصر!. كيف يستجيب الله لمن خالف الأخذ بقانون السببية! 

ان هذا الفكر، القدري، يقود شباب الأمة الى الالحاد لانهم لا يجدون اجوبة مقنعة على اسئلتهم: لماذا تخلى الله عن مرسى ولم يتخل عن اردوغان مع ان الظاهر ان مرسي اقرب الى الاسلام من اردوغان؟!!

الجواب التقليدي: ان حالة مرسي ابتلاء، اما حالة اردوغان فهي تأييد ونصر من الله وكليهما من قضاء الله ... لذلك نركز دائما على وجوب امتلاك ادوات معرفية جديدة لفهم ديننا لحل اشكالية العلاقة بين النص والواقع.

الصرفندي].

 

‏??الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد سيّد الأوّلين والآخرين، أمّا بعد:

 

فإنّ عقائد كثيرٍ من أبناء المسلمين في مسألة القضاء والقدر، وارتباط ذلك بالأسباب، وربط تلك الأسباب بالنتائج، وأنواع الأسباب التي تحتمل التأثير، تحتاج إلى مراجعة، فأكثر عاومّهم ومتعلّميهم بين إفراطٍ وتفريط، وبين مبالغة وتهوين.

 

وأقدار الله تعالى يُمكن أن تتغيّر، ومن أسباب تغيّرها الدعاء، كما تنطق بذلك نصوص الوحيين الثابتة، فتغيير بعض الأقدار ومحوها أو إثباتها ممّا لا يُنكرُهُ مسلمٌ، وسبب ذلك بعض الأعمال كصلة الرحم وصنائع المعروف.

 

كما أنّ الأمّة تحتاج إلى تغيير مفاهيم النصر والفتح، لنصل إلى فهم أنّ رجوع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الحديبية عن عمرتِهِ هو وأصحابه، وتوقيعُهُ الصلح كان (فتحًا مبينًا) !

ولنُدرِكَ أنّ النصر العسكريّ هو أحدُ أنواع النصر، وأنّ نصر الله تعالى لمن قد نراهم مخذولين محقّقٌ، أو أنّ نصرَهُ للدين سيكون أكبر أثرًا بعد وقوعِ ما نظنّ أنّه ليس بنصرٍ!

فسجن الرئيس المصريّ محمّد مرسي مثلاً قد يُصلحُ الله به شأن الأمّة، وقد يكون تهيئةً لها لامرٍ أعظم من حكم بلدٍ بعينِه، وقد يكون لمعانٍ أخرى، وهو نصرٌ من وجه.

نعم ليس هو ما نودّه، (وتودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم)، لكنّ هذا لا يُبرّر انهزامنا النفسيّ، والبحث في عالم الأسباب وحدَهُ عن حلول، فإنّ الله تعالى يُنبئنا أنّ الأسباب قد تنعدمُ لأمرٍ ما فلا يبقى إلاّ مُسبّبها واللجوء إليه: (ليس لها من دون الله كاشفة) !

 

فإن وصل طلاب العلم إلى هذا الفهم استطاعوا أن ينهضوا بالأمّة من كبوة احتباسها في مفاهيم القضاء والقدر الحتميّ اللازم، وفهموا مدى تعلّق الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى بتغيير أقداره.

 

على أنّ كلام القائل إنّ الدعاء لا ينفع إلاّ بعد الأخذ بالأسباب، فيه إشكالٌ من حيث أنّ الدعاء هو أحدُ الأسباب !

فما الذي يُنجي حين ندعوا الله في البحر إذا عصفت الريح؟

وما الذين أنجى أصحاب الغار حين سدّت صخرةٌ بابَهُ عليهم؟ إلاّ الدعاء !!

 

والحمد لله ربّ العالمين 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين