الدرس العشرون من دروس رمضان: مجادلة أهل الكتاب من سورة العنكبوت

العلامة الشيخ يوسف القرضاوي
 
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأزكى صلوات الله وتسليماته، على من أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا، وأسوتنا وقائد دربنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، الذين {آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157].
 
ورضي الله عمن دعا بدعوته، واهتدى بسنته، وجاهد جهاده إلى يوم الدين.
 أما بعد.. فيا أيها الإخوة والأخوات:
 
العشر الأواخر من رمضان:
بدأنا من هذه الليلة، العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك، وهي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم، يستقبلها بعزم وحزم، فكان إذا دخل العشر شدَّ المئزر وأحيا ليله، وأيقظ أهله، أي: أحيا ليله كله بالطاعة والذكر لله عز وجل. وأيقظ أهله: أي: زوجاته؛ ليشاركنه في هذا الخير.
فالعشر الأواخر هي ختام هذا الشهر الكريم، والأعمال بالخواتيم، ولذلك من الأدعية الواردة:" اللهم اجعل خير عمري آخره ، وخير عملي خواتمه ، وخير أيامي يوم ألقاك"[1].
 
فالمهم أن يكون ختام عملك صالحا، قد يعمل الإنسان الحسنات والصالحات، في أيام كثيرة من عمره، ثم- للأسف- يُختم له بالسوء، وهو نادر ولكنه يحدث، كما قد يحدث العكس، فتجد إنسانا يظل بعيدا عن الله، ثم ينشرح صدره، وتحصل له اليقظة، فيتوب إلى الله، ويقرع باب الله، ويعود إليه، في أواخر حياته، وهذا ما حصل مع سحرة فرعون، آمنوا بموسى حينما رأوا آية الله واضحة أمامهم، {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء:46-48] ففي النهاية خُتم لهم بالخير.
فمن المهم جدا أن نحرص على أن يُختم لنا بالخير، ولهذا أوصي إخواني وأخواتي، في هذه الليالي العشر، أن يحرصوا على صلاة التراويح، وعلى قراءة القرآن، وعلى ذكر الله، وعلى التسبيح، وعلى الصدقة، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجيران، والبعد عن اللغو والسفاسف، بقدر الإمكان، {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3]، {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72]، {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55].
 
في العشر الأواخر، بدأنا قراءة الثلث الأخير من القرآن الكريم، وأول ما بدأنا واستمعنا إلى الشيخ عبد السلام، وهو يقرأ من سورة العنكبوت، بداية الجزء الحادي عشر، حيث يقول الله تبارك وتعالى:
 
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)}
 
المراد بـ : "أهل الكتاب":
 
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
(أهل الكتاب): هم اليهود والنصارى. و(الكتاب) هنا: هو الكتاب السماوي الذي انزله الله سواء كان هذا الكتاب منزلاً على موسى وهو التوراة، أو منزلاً على عيسى وهو الإنجيل، وهؤلاء سمَّاهم القرآن (أهل الكتاب)، وهذه التسمية لتقريبهم إلى المسلمين، وإيناسهم، وإزالة الوَحشة بينهم وبين المسلمين؛ ليقول أنهم في الأصل أصحاب كتاب سماوي، موصولون بالسماء، ولهذا كان القرآن يخاطبهم بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ}.ولم يخاطبهم بـ يا أيها الكفار.
 
كفر أهل الكتاب:
 فأهل الكتاب في نظر الإسلام كفارا، لأن كل من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهذه قضية –للأسف- ملتبسة عند بعض الناس، فبعض الناس يظن أن أهل الكتاب مؤمنون، والقرآن يقول: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110]. منهم من آمن برسالة محمد مثل عبد الله بن سلام، ومثل كثير من النصارى الذين دخلوا في الإسلام، من الشام وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا، فقد كان معظم هذه البلاد نصرانيّة وأسلمت.
 
فأهل الكتاب ليسوا مؤمنين، لأن كل من لم يؤمن برسالة محمد، فهو كافر، فنحن نعدهم كفارا، وهم يعدوننا كفارًا، نحن نعدهم كفارا بالإسلام، وهم يعدوننا كفارا بالنصرانية الحالية، فنحن نؤمن بالنصرانية الأصلية، التي أنزلت على المسيح، والتوراة التي أنزلت على موسى، حُرِّفت، والإنجيل الذي أنزل على عيسى لا وجود له. هناك (4) أناجيل اختيرت من سبعين إنجيلا، كتبها بعض حواري المسيح، وبعض حواري حوارييه، وتلاميذ تلاميذه.
فالشاهد: أننا ينبغي أن لا نخلط بين أنهم أهل كتاب، وأنهم كفار بدين محمد صلى الله عليه وسلم.
 
لماذا خاطبهم الله بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ}ولم يخاطبهم بـ "يا أيها الكفار"؟
ومع أنهم كفار لا نقول يا أيها الكفار، فلا يوجد خطاب للناس بهذا إلا في آيتين، آية في الآخرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم:7].
وآية أخرى في القرآن المكي: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:1-2]. وهذا خطاب للمشركين في مناسبة معينة، أنهم كانوا يفاوضون النبي صلى الله عليه وسلم، ليَعبد آلهتهم مدة من الزمن، وهو يعبد آلهتهم مدة من الزمن، فأراد القرآن أن يقطع هذه المفاوضات، وهذه المساومات، فقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1-6].
فالقرآن كان ينادي المشركين بـ(يا أيها الناس واليهود والنصارى يناديهم بـ(يا أهل الكتاب).
 
مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن:
ففي هذه الآية يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} إذا حاورتموهم فحاوروهم بالتي هي أحسن، كما قال الله تعالى في سورة النحل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
فالجدال أسلوب من أساليب الدعوة، وهو أسلوب يستخدم مع المخالفين، أما الدعوة والموعظة الحسنة، فتكون مع المؤيدين.
 
فنجادل المخالفين بالتي هي أحسن، وخصوصا أهل الكتاب، نحاورهم بالتي هي أحسن، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
 ومعنى {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: بالطريقة الأحسن، المُوصِّلة إلى القُلوب، والتي تُقرِّب الناس منك، اختار أحسن الألفاظ، وأرق الأساليب، وهذا ما علَّمناه القرآن، {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24].
 
هذا أسلوب يسمَّى: إرخاء العنان للخصم، وبعدها يقول: { قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ:25] وكان مقتضى المقابلة، أن يقول: لا تسألون عما أجرمنا، ولا نُسأل عما (تُجرمون) لا (تعملون) إنما لم يرد القرآن أن يُجادلهم بهذا، وينسب إليهم الإجرام، وهذا هو الجدال بالتي هي أحسن.
 
دعوة القرآن إلى التي هي أحسن:
والقرآن دائما يدعو إلى التي هي أحسن: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام:152].
 
 {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53].
 {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} [المؤمنون:96].
 يريد أن يجعل المسلم دائما يرنو إلى الأحسن، فهناك حسن وهناك أحسن، فإن استطعت أن تفعل الأحسن فافعل، كمن يقول: أريد فقط أن أحصل فقط على (مقبول) في الجامعة، يا أخي كن متطلعاً إلى الأفضل، فقل: (جيد) أو (جيد جدا)، ولماذا لا تقول: (امتياز)، فالمفروض أن الإنسان صاحب الهمَّة العالية، يطلب أحسن الأشياء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس الأعلى، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة - أراه - فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة"[2].
 
الحوار مع بعض النصارى لا اليهود الذين ظلموا:
فالقرآن يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}    ، وهذا ما جعلنا نرحب بالحوار، مع النصارى خاصة، وطبعا القرآن يقول: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي: هؤلاء لا تجادلوهم بالتي هي أحسن.
 ولذلك نحن رفضنا الحوار مع اليهود؛ لأنهم ظلموا، وأيَّ ظلم أعظم من أنهم اغتصبوا الأرض، وشرَّدوا الأهل، وسفكوا الدماء، وهتكوا الأعراض، ودمَّروا البيوت وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ، وفعلوا ما فعلوا.. فهؤلاء لا نقبل أن نحاورهم، أو نساومهم، وننكر على بعض الناس الذين حاوروا أو استقبلوا الحاخام الأكبر، وقلت: هذا لا يليق، نفتح بيوتنا، ومكاتبنا، وصدورنا لهؤلاء ونحاورهم، لا، ليس بيننا وبينهم حوار الآن، حوارنا بالسيف، بالقنابل البشريَّة، وبالعمليَّات الاستشهاديَّة، فهذا موقفنا من الذين ظلموا منهم، أن لا نجادلهم بالحسنى.
 
الخوف من حوار أهل الكتاب المسالمين:
أما من يسالمنا نحاوره، وإن كان بعض المسلمين يخافون من هذا الحوار، ويسألوننا: لماذا تذهبون إلى هؤلاء؟!
نحن –أيها الإخوة- نقف على أرض صُلبة، لا نخاف، نحن أصحاب حق، وأقوياء بما عندنا، لا نخاف من الجدال، فالقرآن كله كتاب حوار.
 
حوار الأنبياء مع أقوامهم:
لقد قرأنا في سورة الشعراء حوار الأنبياء مع أقوامهم، وفي سور شتى، {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا}[هود:32]، {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام:83].
 
حوار الله تعالى مع خير خلقه وشر خلقه:
 حتى إن الله سبحانه وتعالى، حاور خلقه، حاور الملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَوَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]. بل حاور الله شرَّ خلقه، إبليس لعنه الله: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:14-18]. ولهذا نحاور أهل الكتاب، ونحن صامدون راسخون، راسخو القدم.
 
الجوامع المشتركة في الحوار:
{وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)}
في حالة الحوار، ينبغي أن نذكر الجوامع المشتركة، التي تجمع بيننا وبينهم، فهناك نقاط تمايز واختلاف بيننا وبينهم، وهناك نقاط اتفاق، ففي حالة الجدال نؤكد على نقاط الاتفاق، ومنها :{ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ}.
 
وهذا ما نقوله – دائما- أن بيننا وبين أهل الكتاب نقاط مشتركة، أننا جميعا نؤمن بالإلهية، ونؤمن بالنبوة، وبالوحي، ونؤمن بالآخرة، ونؤمن بعبادة الله، ونؤمن بالقِيَم الأخلاقية، وهذه أشياء مهمة، ونؤمن بالعدل، فكل الرسل جاؤوا بالعدل ضد المظالم، فلا مانع أن نقف معا، لنقاوم الإلحاد، ونقاوم الإباحية، ونقاوم المظالم، وهذا ما يجعل بيننا أرضية مشتركة.
 
المشاركة في الحوار في مؤتمر السكان بالقاهرة 1994م:
ولهذا شارك الأزهر، ورابطة العالم الإسلامي، وعدد من الجمعيات الإسلامية، وممثلو جمهورية إيران الإسلامية، في مؤتمر السكان في القاهرة، في صيف 1994م، ووقفوا جنبًا إلى جنبٍ مع الفاتيكان، في مقاومة النزعة الإباحيَّة، التي كانت في الوثيقة التي عرضتها الأمم المتحدة، تريد إباحة الإجهاض بإطلاق، وجواز الإباحيّة الجنسيّة، ومنع سلطة الآباء والأمهات على الأطفال، وترك الحبل على الغارب..الخ.
لا مانع أيها الإخوة، أن نتحاور مع المخالفين، ما دمنا واثقين من الحق الذي معنا، والمهم أن من يحاور ينبغي أن يكون من العلماء الأقوياء، لأن – أحيانا- يضرُّ الإسلام أناس يتحدثون باسمه، ولكنهم ضعفاء بالعلم الشرعي، وفي معرفة الواقع، وفي معرفة تيارات العصر، فهؤلاء نخاف منهم إن قابلوا غير المسلمين.
 
أما العلماء الراسخون، الذين فهموا دينهم، وفهموا دنياهم، فلا حرج عليهم، أن يُحاوروا.
وأكتفي بهذا القدر؛ لأن الآيات الأخرى تحتاج إلى كلام: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} ما هو الكتاب الأول؟ وما هو الكتاب الثاني؟ {وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} وما هو هذا الكتاب الثالث؟ {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)}
كل كلمة من هذه لها معنى، وهذا ما يسميه العلماء: المشترك في اللغة. يعني اللفظ الواحد يراد به معاني كثيرة، وإنما يُعرف المعنى المراد من السياق.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1]- رواه الطبراني في الأوسط (9411)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن أبي المحجل إلا عبد الملك بن حسين ولا عن عبد الملك إلا أبو النضر تفرد به أبو بكر بن أبي النضر. وضعفه الألباني في الضعيفة (4613) عن أنس. وروي موقوفا على أبي بكر في كنز العمال (1541).
[2]- رواه البخاري في الجهاد والسير(2790)، وأحمد (8419) عن أبي هريرة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين