الدرس الخامس والعشرون من دروس رمضان: حاجتنا إلى فتح الدعوة والفكر
 
العلامة الشيخ يوسف القرضاوي
 
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأزكى صلوات الله وتسليماته، على من أرسله ربُّه رحمة للعالمين، وحُجة على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا، وأسوتنا وقائد دربنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، الذين {آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157].
 
ورضي الله عمن دعا بدعوته، واهتدى بسنته، وجاهد جهاده إلى يوم الدين. أما بعد..
 
صلح الحديبية فتح دون قتال:
فقد استمعنا إلى الآية الأخيرة التي ختم الله بها سورة الفتح، وسورة الفتح نزلت في غزوة الحديبة، وصلح الحديبية، سماه الله تعالى فتحا، وقال لرسوله ممتنا عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:1]، فسأله الصحابة: أفتح هو يا رسول الله؟! قال: نعم هو فتح.
وكأن الصحابة استبعدوا أن يكون هناك فتح بدون قتال، وبغير حرب، ولكن كان فتحا سلميا، فكان هذا تشريعا لنا، ونموذجا للفتح السلمي.
 
بين جهاد الدفع وجهاد الطلب:
 فيمكن أن تفتح العقول والقلوب، دون أن نحارب، وهذا ما ينبغي أن نعوِّل عليه في جهاد عصرنا، فقد لا نحتاج إلى الجيوش في عصرنا، جهاد الطلب لا جهاد الدفع، لأن جهاد الدفع سيظل جهادا بالسيف، وبالقوة، إلى يوم القيامة، أن تُقاوم من يحتل أرضك، ومن ينتهك عرضك، ومن يسفك دمك، ومن يعتدي على حرماتك ومقدساتك، وهذا ما يسميه العلماء (جهاد الدفع) وبلغتنا (المقاومة).
أما جهاد الطلب، فأن تتبع العدو لتُبلغه دعوة الإسلام، وهذا ما حاوله الصحابة، والتابعون، والمسلمون في عصور الفتح الإسلامي، فحاربوا الفرس والروم في هذه البلاد، لا لشيء إلا ليفتحوا الطريق للدعوة، لأن المشكلة في العصر الأول، أن الملوك والقياصرة والأكاسرة، والأباطرة، ما كانوا يسمحون لشعوبهم، أن تسمع أي دعوة جديدة، فكان الناس على دين ملوكهم، ولذلك حينما أرسل رسول الله كتابا إلى كسرى، وقال له: "اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن لم تفعل فإنما عليك اسم المجوس"[1]؛ وذلك لأنه كان سببا وحائلا بينهم وبين الدعوة الجديدة، فيتحمل أوزارهم.
وكذلك قال لقيصر: "عليك إثم الأريسيين"[2]، وقال للمقوقس: "عليك إثم القبط"[3]، فحمَّلهم إثم رعيتهم؛ لأنهم هم الذين يحولون بين الرعية، والاستماع إلى الدعوة الجديدة.
 
حاجتنا إلى جيوش من الدعاة والعلماء والإعلاميين:
ونحن في عصرنا لسنا مطالبين، بجيوش تفتح هذه البلاد، وإنما نحن بحاجة إلى جيوش من الدعاة والعلماء، والإعلاميين، والتلفازيين، والقادرين على إبلاغ الدعوة، بالطرق المسموعة، والمقروءة، والمرئية، وغيرها،
نحتاج إلى جيوش جرّارة من هؤلاء؛ لنبلغ الدعوة عن طريق الإذاعات الموجهة، عن طريق القنوات الفضائية، التي تُسمع صوتها للعالم كله، عن طريق شبكة الانترنت، عن طريق الرسائل المقروءة، عن طريق الدعاة الذين ينتشرون في الأرض سلميا، كما فعل المبشرون،
فالمبشرون لهم حوالي 4ملايين و750الف مبشر ومبشرة منتشرون في أنحاء العالم، وهذا من عدة سنوات، ولعلهم الآن وصلوا إلى 5 ملايين، أو يزيد، فهم منتشرون في أنحاء العالم، ويعملون على نشر النصرانية، حتى في البلاد الإسلامية، ولذلك فنحن بحاجة إلى أن نحذو حذوهم وبكل الأسف.
 
مؤتمر لتنصير المسلمين:
منذ سنوات سنة 1978م اجتمع العتاة من المُنصِّرين، في ولاية كولورادو، تحت عنوان (تنصير المسلمين في العالم)، وقبلها بسنة اجتمعوا في سويسرا لتنصير العالم، وفي هذه السنة (1978م) عقدوا هذا المؤتمر، حضره 150 مُنصِّر من الكبار، وقدموا 40بحثا، من أجل تنصير المسلمين في العالم، وبالفعل انتشروا في العالم، فماذا فعلنا نحن؟
عندما قرأت هذا الموضوع، حاولتُ أن أقدِّم شيئا، فدعوتُ المسلمين إلى أن نقيم مشروعا، لا لنشر الإسلام في العالم، أو أسلمة العالم، كما يريدون هم تنصيره، وإنما لحماية الوجود الإسلامي، أمام هذه الهجمات التنصيريَّة الجديدة، وقلت: إنهم رصدوا ألف مليون دولار، ونحن نرصد ألف مليون دولار لحماية المسلمين، وأن هذا ممكن وبسهولة، فالمسلمون أكثر من ألف مليون، حوالي 1300مليون، نفترض أنهم 1000مليون فقط؛ لأن هناك حوالي 300مليون لا يستطيع أحد الوصول إليهم، فلو أن كل مسلم من الألف مليون دفع دولارا واحدا، لجمعنا الألف مليون دولار. ومن أجل ذلك، رفعت شعارا يقول: ادفع دولارا تنقذ مسلما. وقد جاء هذا الشعار، من حكاية أن اليهود في أوائل ما أرادوا أن يقيموا دولتهم في إسرائيل، رفعوا شعارا فيما بينهم: ادفع دولارًا تقتل عربيا.
المهم: أقول لكم وبكل بصراحة: لم نستطع أن نجمع الألف مليون دولار، ولا حتى خمسمائة مليون دولار، بل ولا مائة مليون دولار، ولعلنا – تقريبا- لم نصل إلى 50 مليون دولار؛ لأننا حيل بيننا وبين الوصول إلى المسلمين، وقف الحكام أمامنا، إذ كيف نصل إلى المسلمين في أنحاء العالم، والحكام وقفوا دوننا، فبعض البلاد لم يسمحوا لنا بدخولها.
وقد كنتُ أنا والشيخ عبد الله الأنصاري رحمه الله من أهل العلم هنا بقطر،  وأبو بدر عبد الله المطوع، والأستاذ يوسف الحجّي من الكويت، وشكَّلنا وفدا لذلك، ولكن لم يُسمح لنا إلا بدخول قطر والبحرين. ومنعتنا كل البلاد.
أما الآن أيها الأحبة، فنستطيع أن نصل إلى الناس من خلال الفضائيات، والانترنت، ونستفيد من هذه الأدوات والوسائل العصرية.
 
موقف أغنياء المسلمين:
ولقد أقمنا موقعا اسمه ( إسلام أون لاين) هنا في قطر، وله مكتب في القاهرة، ومكتب في أمريكا، لننشر الإسلام عن طريق الإنترنت، ولكن نحن في حاجة إلى أموال تساعد، وإلى رجال تساند، فلا تقوم المشروعات الكبيرة إلا بالمال وبالرجال، والمسلمون -للأسف- لا يُساعدون إلا في بناء المساجد.
فمعظم الأغنياء إذا قلت له: نريد أن نبني مسجدًا، تجده يساعد، أما إذا قلت له: نريد أن نبني رجالا، أو دعاة، أو نريد أن نقيم مراكز لنشر الدعوة الإسلامية في العالم، لترجمة معاني القرآن إلى لغات العالم، كما فعل النصارى مع الانجيل، حيث تُرجم الانجيل إلى آلاف اللغات، وآلاف اللهجات، والقرآن ليس له ترجمة واحدة إلى اللغة التي يتكلم بها مئات الملايين من المسلمين، وهي اللغة الانجليزية، التي لا توجد ترجمة مرضي عنها حتى الآن، فترجمة يوسف علي عليها مآخذ وملاحظات، فما بالك باللغات الأخرى؟ فنحن بحاجة إلى جهود طائلة، وأموال كثيرة.
 
قصة مبشر في أدغال إفريقية:
ولا أدري أذكرت لكم هذه القصة أم لا! ولكن اسمعوها ولو لمرة أخرى: اجتمعنا في (كمبالا) في مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، التي مقرها الرئيسي الخرطوم، ونتحدث عن نشر الدعوة في أفريقيا، وغيرها، فقام لواء متقاعد في الجيش السوداني، وقال سأحكي لكم قصة: حينما استقلَّ السودان، ذهبنا إلى الجنوب، لنزور قرى جنوب السودان، فدخلنا قرية، لم ير أهلها في حياتهم كلها سيارة، وكانت معنا سيارة (جيب) فلما رأوها خافوا وفزعوا وهرولوا، ما هذا الشيء الذي يمشي وليس بغلا ولا حمارا ولا دابة..الخ.
يقول: فأخذنا نجمعهم، وندعوهم إلى عدم الخوف، ونقول لهم: نحن سودانيون مثلكم، وقد جئنا لمصلحتكم، و.. الخ، فأَنِسوا بنا، واستمعوا إلينا، وبينما نحن نكلمهم، إذ بجرس يدق، فقلنا لهم: ما هذا الجرس؟ أتوجد هنا مدرسة؟ قالوا لا! هذه القرية لا توجد بها مدرسة ولا كُتَّاب، ولا يوجد شخص هنا يعرف القراءة ولا الكتابة.
-       فما هذا الجرس؟
-       هذا أبونا.
-       من أبوكم
-       رجل يأتينا مرتين في الأسبوع.
فذهبنا لنعرف من أبوهم هذا، فوجدنا مبشرا من النصارى، فسألناه:
-       من أين أنت؟
-       من بروكسل (بلجيكا).
-       كم سنة لك هنا؟
-       من ثلاثين سنة
-       كم مرة في هذه السنوات الثلاثين زرت بلدك؟
-       ولا مرة.
-       ومتى تنوي العودة إلى بلادك
-       ما هذه الأسئلة الغريبة؟ أنا وطني هنا، ورسالتي هنا، وعيشي هنا، وموتي هنا، وقبري هنا.
فهو رجل جاء لمهمة ورسالة، يأتي كل اسبوع إلى هذه القرية، بدراجة هوائية، يطوف حوالي أربعين قرية، بدراجته الهوائية هذه، ومعه شنطتان: الأولى بها حلوى للأطفال، والثانية: أدوية خفيفة (إسعافات أولية).
يجلس يحدث الناس عن العذراء والمسيح، ويسمعه الناس، ثم يذهب إلى قرية أخرى، فيطوف كل يوم عدة قرى.
هذا الرجل – أيها الإخوة- جاء من بلجيكا، من بروكسل، ترك الماء والكهرباء، والأزرار الأوتوماتيكية، ليعيش في بلد لم تر سيارة في حياتها، ليعيش في هذا، ويقول: وطني هنا، ورسالتي هنا، وعيشي هنا، وموتي هنا، وقبري هنا. فمَن مِن المسلمين يستطيع فعل هذا؟!
 
بين فنّ الموت وفنّ الحياة:
أنا أعلم: أن هناك من المسلمين من هو مُستَعدٌّ للموت في أفغانستان، أو فلسطين، أو البوسنة، فنحن نحسن فن الموت، ولا نحسن فن الحياة.
كثير من المسلمين مستعدٌّ لأن يضحي بنفسه في سبيل الله، ولكن قليل منهم من هو على استعداد لأن يعيش في بلد مع الناس لينشر الإسلام بينهم. وهذه مشكلاتنا، أننا بحاجة إلى الفتح السلمي.
وقد قلتُ وأنا في الجزائر منذ سنوات، وذكرتُ لهم الحديث عن فتح رومية، بعد فتح القسطنطينية، وقلت لهم: ليس من الضروري أن يكون فتح رومية بالسيف، فقد يكون بالدعوة والفكر، فلو نشطنا في الدعوة، لفتحنا هذه البلاد؛ لأنها أحوج ما تكون إلى رسالة الإسلام، لأن الإسلام هو الذي يعطيها الدين ولا يأخذ منها الدنيا، يعطيها الإيمان ولا يسلب منها العلم، يعطيها الروح، ولا يحرمها من المادة، يجمع لها بين الحسنين.
 
الجيل النموذجي:
إن رسالة التوازن والوسطية هي في هذا الدين، ولكن هذا الدين في حاجة إلى رجال، رجال يعيشون على أنفاس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين خَتَم الله سُورة الفتح بأوصافهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} كما وصف الله المؤمنين في آية أخرى، فقال: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]. هم أشداء على الكفار، رحماء بينهم، على خلاف حالتنا نحن الآن، فنحن أشداء على أنفسنا، رحماء بغيرنا، أذلة للآخرين، أعزة على المؤمنين، وهذه مصيبتنا.
نحن بحاجة إلى أناس يسيرون خلف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الجيل النموذجي، الذي لم تكتحل عين الدنيا برؤية مثله، لا يوجد أصحاب نبي مثل هؤلاء.
 
لا يوجد أصحاب نبيٍّ مثل أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام:
فقد ذكر لنا القرآن أصحاب موسى عليه السلام، ورأينا ما فعلوا، حين قال لهم: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} انظروا رغم هذا الأمر، والإغراء والتهديد، فأخبرهم أنها أرض كتبها الله لكم، ومادام ذلك فسيعينكم، وهي الأرض المقدسة، وليست أي أرض، وهددهم بأن لا يرتدوا على أدبارهم فينقلبوا خاسرين، مع هذا قالوا: { يَا مُوسَىإِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون وهل هناك من يترك أرضه، لتدخلها هكذا باختياره.
 
{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} بحسن الإدراك والمعرفة، {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} يقولون: الضربة الأولى هي نصف المعركة. فهؤلاء قالوا: أهجموا عليهم، وبالهجمة الأولى ستتفتح لكم الأبواب، {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فماذا كان ردهم؟ {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة: 21-24] انظر إلى كلامهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} وكأنه ليس ربهم.
وأين هذا مما قاله أصحاب محمد، وهم قلة يوم بدر، قلة خرجت للعير فإذا هو النفير، قالوا: (يا رسول الله، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون)[4].
وقال سعد بن معاذ: (امْض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته، لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِر بنا على بركة الله) فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: "سيروا وابشروا، فأن الله تعالى قد وعدني أحد الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم"[5]. هؤلاء هم أصحاب محمد، وهؤلاء هم الذين رباهم محمد صلى الله عليه وسلم.
 
حتى أصحاب عيسى عليه السلام، خانه أحدهم، ودلَّ الأعداء على مكانه، مع أنهم كانوا قلة قليلة، لا يتجاوزون الخمسة عشر شخصا.
فأين هؤلاء الذين من الذين خلَّفهم محمد صلى الله عليه وسلم وربَّاهم، وفي حجَّة الوداع كان خلف النبي صلى الله عليه وسلم حوالي 100الف يحجون مع النبي صلى الله عليه وسلم.
 
ثناء الله على الصحابة رضي الله عنهم:
ولذلك أثنى الله عليهم في هذه الآية الأخيرة من سورة الفتح، وفي أواخر سورة الأنفال، وفي سورة التوبة قال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، فحتى الذين اتبعوهم بإحسان لهم منزلة، فما بالك بهم؟
 
وفي سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:8-9].
والأحاديث التي تثني عن الصحابة كثيرة أيضا: "خير القرون قرني، ثم الذين.."
لا تسبوا أصحابي,,"
والتاريخ يقول: من الذي فتح الفتوح؟ ومن الذي نشر الإسلام في العالم؟ ومن الذي حفظ لنا القرآن ونقلناه بعدهم جيلا بعد جيل؟ ومن الذي نقل لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ إنهم الصحابة.
 
موقف الشيعة من الصحابة رض الله عنهم:
ومن نقاط الخلاف التي بيننا وبين الشيعة: موقفهم من الصحابة، فكيف يمكن ان نسب الصحابة، أو نقول فيهم سوءا، والقرآن يقول عنهم هذا: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} والمؤمن لا يمكن أن يغتاظ من الصحابة أبدًا.
 
إنهم أعظم جيل رأته عين الدنيا، ربَّاهم محمد صلى الله عليه وسلم، فأحسن تربيتهم، وهم الذين شهدوا معه المشاهد، وغزوا معه الغزوات، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، المهاجرون والأنصار، المهاجرون        {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج:40]. الأنصار الذين وصفوا: بأنهم يكثرون عند الفزع، ويَقِلُّون عند الطمع. هذه فئة مختارة لم تر الدنيا مثلها.
 
مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام:
لا يمكن أيها الإخوة أن ننصر الإسلام وننشره في العالم إلا بصحابة جدد، يحملون روح الصحابة، وعزم الصحابة، ونيات الصحابة، وليس هذا ببعيد، فالصحابة لم يكونوا ملائكة ولا أنبياء حتى، وإنما كانوا بشرًا مثلنا، ولكن تربوا في حضانة الإسلام، وفي مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام.
ومدرسة محمد عليه السلام، باقية ومستمرة ما دام القرآن باقيا، وما دامت سنة رسول الله وسيرته باقية، فالمدرسة مستمرة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من تلاميذ هذه المدرسة النجباء، وأن يجعلنا من المقتدين، الذين اقتدوا بهذا الجيل فاهتدى، اللهم آمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



[1]- @
[2]- @
[3]- @
[4]- رواه أحمد (18827)، وقال مخرجوه: حديث صحيح. عن المقداد.

[5]- السيرة النبوية لابن هشام (3/ 162-163)، وصححه الألباني في فقه السيرة (1/ 223). 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين