الدرس الثلاثون  من دروس رمضان :  (تكريم الله للأمة الإسلامية) في الليلة الأخيرة من شهر رمضان


 

العلامة الشيخ يوسف القرضاوي

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأزكى صلوات الله وتسليماته، على معلم الناس الخير، وهادي البشرية إلى الرشد، وقائد الخلق إلى الحق، ومُخرج الناس من الظلمات إلى النور، بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا، وقائد دربنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، الذين {آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157].

ورضي الله عمن دعا بدعوته، واهتدى بسنته، وجاهد جهاده إلى يوم الدين. أما بعد:

فيا أيها الإخوة والأخوات:

انتهينا إلى ليلة الختام، ختام رمضان، وختام القرآن، وكل ما له افتتاح لابد أن يكون له اختتام، كل ما له بداية، لا بد أن يكون له نهاية، وسبحان الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الله تبارك وتعالى.

 

سرعة مرور الأيام، وانقضاء الأعوام:

ما أسرع ما تمر الأيام، تمر مر السحاب، وتنقضي بسرعة البرق، وكل هذه الأيام جزء من أعمارنا، صفحات من كتاب حياتنا تُطوى.

كما قال الشاعر:

ونفرح بالأيام إما تصرمت 

على أنها من عمرنا تتصرم

وكما قال آخر:

يَسُر المرءَ ما ذهب الليالي 

وكان ذهابهــنَّ له ذهابا

وكما قال الحسن البصري رحمه الله: يا ابن آدم إنما أنت أيام مجتمعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.

فهذه الأيام التي تمر هي جزء منا، والسعيد من كانت هذه الأيام والليالي في ميزان حسناته، ولم تكن في ميزان سيئاته، السعيد منا من كان رمضان شاهدًا له، لا شاهدا عليه، وشفيعا فيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه"، قال: " فيشفعان"[1]. فطوبى لمن كان القرآن شفيعاً له، وكان رمضان شفيعا له.

 

الحرص على دوام العمل بعد رمضان:

هناك أناس يصلون حبالهم بالله طوال شهر رمضان، فإذا انقطع رمضان، قطعوا ما بينهم وبين الله، ولذلك دائماً ما نقول: من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات، أو أوشك أن يموت، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت.

وكان السلف يقولون: بئس القوم، قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، كن ربّانيّاً ولا تكن رمضانيا، لا تكن موسميَّ الطاعة، تعرف الله في وقت من أوقات السنة، ثم تفارقه في باقي السنة.

إن من علامة قبول رمضان: الاستمرار في الخير، الاستمرار في الطاعة، فما شرع الله رمضان إلا لنشحن به بطاريات القلوب، فإن البطاريات تفرغ، وتحتاج إلى تعبئة، فيأتي رمضان لتعبأها بالصيام والقيام، والذكر وتلاوة القرآن، والاجتماع على القرآن والدروس الرمضانيَّة، فتشحن البطارية لتنفعك طوال الشهور الأحد عشر التالية، فإذا مرَّ رمضان وبطاريتك فارغة، لم ينفعك رمضان في هذه الحالة.

 

من مظاهر تكريم الله لهذه الأمة:

نحن الأمة الإسلامية أكرمنا بأشياء لم يكرم بها غير هذه الأمة، أكرمنا بهذه الصلوات الخمس، وبالجماعة في هذه الصلوات الخمس، وبوحدة القبلة.

كتب كاتب فرنسي كتابا يقول فيه: أنا أتصور المسلمين في أنحاء الأرض، دوائر حول الكعبة، بحيث لو أنَّ أحداً في السماء يصوِّر، يتصور أن هذه الدوائر تملأ الكرة الأرضية، تتَّسع هذه الدوائر لتملأ الكرة الأرضية، وفي كل وقت تجد هناك من يعبد الله عز وجل.

والله أكرمنا – أيضا- بالقرآن الكريم، هذا الكتاب الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، والذي {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1]، والذي إذا تليت علينا آياته زادتنا إيمانا، هذا القرآن لا يوجد عند أمة من الأمم.

وقد جاء جماعة من اليابانيين إلى قطر منذ يومين- وكانوا معنا هنا في ليلة السابع والعشرين- يُصوِّرون الصلاة، وكانوا مبهورين متأثرين، وجاؤوني بعدها إلى البيت، وأخذوا معي حديثًا مطوَّلا، وقالوا لنا: إننا تأخرنا جدًّا إلى هذه الصلاة، صحيح أننا لم نفهم شيئا، ولكن الحرارة التي كانت تؤدَّى بها الصلاة، والدعاء ووحدة المسلمين، صفوف متراصة كأنهم جسد واحد، أثَّر فينا كثيرًا.

فقلت في نفسي: لعل هذا يكون سببا لهدايتهم إلى الإسلام. وقلت لهم: ليس هذا هو المسجد الوحيد بالدوحة، فهناك عشرات المساجد في قطر تؤدى بها هذه الصلوات، وهناك آلاف وملايين المساجد في العالم الإسلامي، يؤدَّى فيها مثل هذه الصلوات، خصوصا في مكة والمدينة. وقد قيل: في ليلة 27 من رمضان، صلى في المسجد الحرام حوالي مليونان. فلا يوجد أمة تتعبد لله تعالى، كالأمة الإسلامية.

وقد أسلم في أوائل هذا القرن أحد اللوردات البريطانيين، اسمه لورد هدري، وكتب كتابا سماه: (إيقاظ الغرب بالإسلام)، وكان مما ذكر في هذا الكتاب، أن قال: لم أجد دينًا يربط الناس بالله، ويجعلهم على موعد معه كل يوم خمس مرات، إلا الإسلام.

وأنتم تعرفون أن كل ما تطلبه النَّصرانيَّة، من النصراني، هي زيارة للكنيسة كل أحد، ولا تشدِّد فيها كما يشدِّد الإسلام في الصلاة، الذي جعلها فيصلاً بين المسلم والكافر {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة:11].

الإسلام يربط المسلم بربه خمس مرات، ولذلك شبه هذه الصلوات بحمامات أو نهر يغتسل فيه المسلم خمس مرات كل يوم، فحين يحترق المسلم بالخطايا، يطفئ هذا الحريق ويداوي هذه الجراح (جراح المعاصي) بالصلاة، ومن هنا جعل لنا حماما وراء حمام.

حمام يومي: خمس مرات. وحمام أسبوعي: صلاة الجمعة. وحمام سنوي: صيام رمضان وقيامه. وحمام العمر: الحج.

نحن الأمَّة الإسلامية عندنا من المقوِّمات، ومن عوامل القوة ما ليس عند أمة من الأمة، ولكنا للأسف، لم نوظف هذه القوة الروحيَّة، وهذه الطاقة التي لا توجد عند أمة من الأمم، فالأمة الإسلامية –للأسف- لم تستغل طاقاتها، ومواهبها، وقواها، التي من الله بها عليها.

إنَّ اليهود يصولون ويجولون ويُعربدون، ويسفكون الدماء، ويحرقون البيوت، ويدمرون المنازل، والأمة الإسلامية صامتة صمت القبور، هل هذه أمة حيَّة؟! وأين علامة الحياة؟ والمسجد الأقصى تنتهك حرماته، المسجد الذي بارك الله حوله، والذي ذكره الله في القرآن، وجعله الرسول ثالث المساجد العظمى في الإسلام، بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي، بل ذكره الله في القرآن، قبل أن يُنشأ المسجد النبوي؛ لأن سورة الإسراء نزلت في مكة، قبل أن يرحل الرسول صلى الله عليه وسلم، ويهاجر إلى المدينة، ويُنشئ مسجدًا.

وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1]، هل ذكر القرآن هذا اعتباطا! أم ليربط وجدان الأمة بهذا المسجد؟!

 أين أمة الإسلام؟ إنها مُغيَّبة الوعي، مخدَّرة؛ لأننا -أيها الإخوة- لا نجد قيادة تقود الأمة.

 

الوحدة السياسية:

لقد حرص الإسلام على توحيد هذه الأمة، وحدة سياسية، تحت قيادة واحدة، تقود الأمة، قيادة موحدة، من قِبل خليفة، يقودها ويسوسها، ويقول لهم عند الأزمات، هبُّوا أيها المسلمون، فيهب المسلمون.

ولكن الصهيونية الماكرة الخبيثة، لكي تنجح خطَّتها قضَت على هذه المؤسسة الإسلامية، وهتكت هذه المظلة التاريخيَّة، وهدَّمت هذه القلعة التقليدية والإسلامية (الخلافة الإسلامية)، لكي تنجح في إقامة دولتها، في قلب بلاد العرب والمسلمين، لتكون خنجرا مسموما في صدر هذه الأمة بل في صدرها، ذهبت الخلافة الإسلامية، ففقدنا هذه المظلة، وفقدنا الوحدة السياسية.

 

وحدة الشعائر والمشاعر:

لقد وحَّد الإسلام هذه الأمة، وحَّد عواطفها ومشاعرها وأفكارها وتقاليدها، فكل الأمة في رمضان تصلي التراويح، وتتجه إلى القبلة الواحدة، وتدعو الله في هذا الشهر الكريم، كل الأمة تصوم وتفطر عند الغروب، وتتسحر وتصلي الفجر، وكل الأمة تؤتي الزكاة، وتعتمر، وتحج البيت.

فكما أن هذه الأمة موحَّدة الشعائر، هي -أيضا- موحَّدة المشاعر، والله ما ذهبت إلى أي مكان، إلا وجدت المسلمين يتحرَّقون لأجل المسجد الأقصى، ويتحرَّقون من أجل أفغانستان، ويتحرقون من أجل ما يجري في كشمير، ويتحرقون من أجل ما يجري في الشيشان، فالمشاعر ملتهبة، ومتدفقة عند كل المسلمين.

وحدة المفاهيم الأساسية: عند المسلمين بصفة عامة، بصفة جُمليَّة.

وحدة التقاليد والآداب: فأينما قابلتَ مسلما، تقول له: السلام عليكم، يرد عليك: وعليكم السلام ورحمة الله. وتجده يأكل بيمينه، ويبدأ طعامه بـ(بسم الله)، ويختمه بـ(الحمد لله)، إنها وحدة في المفاهيم.

 

تثبيت وَحدة الأمة:

فالأمة موحدة المشاعر والشعائر والمفاهيم، والتقاليد والآداب، ولكنها ليست موحدة السياسات والمناهج، لأن الإسلام لكي يثبت هذه الوحدة، أقام أشياء تثبت وحدة الأمة، منها:

أولا: وحدة المرجعيَّة والتشريع: فالمرجعيَّة للأمة الإسلامية، حيثما كانت في شرق أو غرب، أو شمال أو جنوب، هي الشريعة الإسلامية، فلو اتفقت الأمة على هذه المرجعية، واختلفت في التفاصيل، لا يضر، فالمهم أن تجتمع على هذا الصراط المستقيم، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153].

فسبيل الله هو الصراط المستقيم، المنهج الربَّاني القرآني، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الشورى:52-53].

 لو التقت الأمة عند الشريعة، لاجتمعت كلمتها، والتأم شملها، وتوحَّد صفها، ولكنها اتَّبعت السبل، والمذاهب المستوردة من الشرق ومن الغرب، ومن اليمين ومن اليسار، فتفرَّقت قِدداً، جماعة يمينيين، وجماعة يساريين، واليمين درجات، واليسار درجات، فهناك يمين اليمين، ووسط اليمين، ويسار اليمين، وهناك يسار اليسار، ووسط اليسار، ويمين اليسار، وهكذا، لا يمكن أن تلتقي كلمة الأمة، إذا تركت المرجعية الأساسية لها، وهي الشريعة التي ألزمها الله بها، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:18-19].

ثانيا: وحدة الدار: فالفقهاء يسمون الأوطان الإسلامية، دار الإسلام، وليس ديار الإسلام، قد تكون أقاليم متعددة، ولكن هي دار واحدة (دار الإسلام)، ومعنى أنها دار واحدة : أن بعضها ملزم بالتكافل مع الآخرين والتضامن معهم، معيشياً، وعسكرياً، وعلمياً، وأدبياً، واقتصادياً، وثقافياً، فهي أمة متكافلة، كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه، اشتكى كله. أمة كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً، هكذا كانت الأمة.

عندما علم المعتصم أن امرأة مسلمة في بلاد الروم، لطمها رومي على خدها، فاستغاثت وقالت: (وامعتصماه)، وبينها وبينه بحار ووهاج. فلما بلغته هذه الكلمة، قال: لبيك أختاه.

وجيَّش الجيوش، واستعدَّ لقتال الروم، فقال له المنجمون: أن الوقت حسب النجوم عندنا ليس مناسبا، فانتظر حتى ينضج التين والعنب. فلم يسمع لهم، وذهب بجيوشه، وقابل الروم في معركة تاريخية شهيرة، اسمها (معركة عمورية)، وانتصر، وكان نصرًا حاسمًا ومبينًا.

وسجَّل ذلك الشاعر العربي (أبو تمام) في بائيته الشهيرة، ساخراً من المنجمين وكتبهم، وقال فيها:

السيف أصدق إنبـاءً من الكتب  

في حدِّه الحـد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف 

في متونهنَّ جلاء الشك والريب

وقال أيضا:

سبعون ألفا كآساد الشَّرا نضجت

   جلودهم قبل نضج التين والعنب

يعني بذلك أن الذين قُتلوا، وهزموا، واسروا، سبعون ألفا من الروم.

ونحن -أيها الأحبة- لو ظللنا ننادي:( وامعتصماه ) فمَن مِن حُكامِنا يسمع أو يجيب؟! ماذا نقول؟ ومن ننادي؟ ومن نساء المسلمين، من تُجرُّ من شعرها، ومن تُلطم على خدِّها، ومن يُنتهك عِرضها، ومن يُقتل أولادها وأطفالها أو زوجها، وأبوها أمام عينيها، في فلسطين الآن، لو نادت هذه من يلبيها؟

 

ليس للأمة معتصم :

 ليس لنا معتصِم، وقد قال الشاعر السوري (عمر أبو ريشة) في قصيدة قديمة شهيرة، والتي قال في بدايتها:

أمَّتي هل لك بين الأمم   

    منبـر  للسيف أو للقلـم

أمتي كم صنمٍ مَجدتِّه 

لم يكن يحمل طُهر الصنم

يعني حتى الصنم كطين وحجارة، لا يحمل نجاسة، فهو أطهر من هؤلاء، ثم قال:

رب وامعتصماه انطلقت  

ملء أفواه الصـبايا اليُتَّم

لامست أسماعهم، لكنها

لم تلامس نخوة المعتصم

سمعوا تلك التي تصرخ هنا وهناك، ولكن أين المعتصم، ونخوة المعتصم، وشهامة المعتصم، الذي يُجيِّش الجيوش لنجدة امرأة لُطم خدُّها.

 

أمة مُرِّغ أنفها في التراب تحارب باسم الإرهاب:

والمسألة الآن –أيها الإخوة- ليست امرأةً لُطم خدُّها، وإنما أمة مُرِّغ أنفها في التراب، أمة أُذلت واحتُقرت، وتُحارَب من القُوى المعادية لها، تحت عناوين شتى، آخرها: عنوان الإرهاب، وهو عُنوان مزيَّف، فليس الإرهاب هو المقصود. وإنما المقصود هو الإسلام، والأمة الإسلامية.

وإلا ما معنى أن تكون جماعة حماس الإسلامية، التي تمثل حركة المقاومة الإسلامية، وجماعة الجهاد الإسلامي، وفصائل المقاومة في فلسطين، هؤلاء الذين يدافعون عن أرضهم، وعرضهم وحرماتهم ومقدساتهم، كيف يكونون من الإرهابيين؟

وحركة الجهاد الكشميري في كشمير، والجمعيات الخيرية التي تمد المسلمين وتغيثهم. هل هذه عمليات إرهابية، وهل هؤلاء إرهابيون؟ إنهم يريدون تعطيل الدعوة الإسلامية، والحركة الإسلامية، والصحوة الإسلامية، وإضعاف القوة الإسلامية، وتشتيتها تحت عنوان (الإرهاب)، وللأسف نجد من بين قومِنا، ومن قادتنا، ومن زعمائنا من يسير في هذا الركاب، ويجري هذه الأعتاب، ومن يتمسح بهؤلاء، ولم نجد من يستطيع أن يقوا لا بملء فيه، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يعجبني من الرجل، إذا سيم الخسف، أن يقول بملء فيه: لا.

 

الشعوب فيها خير كثير تحتاج إلى قيادة:

أمتنا فقدت القيادة، ولكن الشعوب فيها خير كثير، وتستطيع أن تقدم الكثير، ولكنها تحتاج إلى من يعبِّئ القوة، ومن يُنظمها، ومن يُجنِّدها، ومن يُوحِّد صفوفها، ومن يقفها في مواجهة العدو، تحتاج إلى قيادة، ونحن فقدنا القيادة السياسية بفقد الخلافة، وفقدنا حتى القيادة الدينية، مع أن الإسلام ليس فيه فصل بين الدين والسياسة، فالخلافة لم تكن منظمة دينية فقط، وإنما – كما قال العلماء في وصف الخليفة- ينوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين، وحراسة الدنيا به.

 

علماء الدين رجال سياسة ودولة:

وعلماء المسلمين ليسوا علماء دين فقط، وإنما هم  علماء دين، ورجال سياسة ودولة، ودعوة، ولكن لو قلنا أنهم تأخروا عن الاهتمام بالسياسة إلى الاهتمام بالدين فقط، لكان خيرا، ولكن حتى هذه لا توجد، وللأسف.

كان المسلمون في القِدم يسمون شخصا (شيخ الإسلام) حيث تلجأ الناس إليه، ولكن لا يوجد الآن شيخا للإسلام، لأن كثيرا من الشيوخ – للأسف- ساروا في ركاب الحكام، ففقدوا مصداقيتهم عند الشعوب، وهذه مشكلة عظيمة.

ولذلك: كنتُ أمزح مع بعض المسلمين، وأقول لهم: إن النصارى لهم بابا، هو (بابا الفاتيكان) أما نحن المسلمين فليس لنا بابا ولا ماما. فقدنا أي قيادة عندنا.

فالأمة الإسلامية -أيها الإخوة- في حالة يُرثى لها، ولا يمكن أن تظل هذه الحالة، على هذا الحال.

 

كيف نفرح بالعيد وأمتنا على هذه الحال؟

نحن ننتظر العيد، نريد أن نفرح في العيد، ونبتسم في العيد، ونهنئ بعضنا بعضا في العيد، ولكن كيف نُعيِّد وأمتنا على هذه الحال، وإخواننا يقتلون ويُذبَّحون، وتجري عليهم هذه المهالك، ونحن نرى ذلك بأعيننا، ولا نستطيع أن نقول: نحن لا نعلم شيئا، فالتلفزيونات ترينا المشاهد يوما بيوم، وساعة بساعة، فنحن نعيش المآسي مع أصحابها، كيف نهنأ بالعيش، كيف نستطيع أن نضحك ملء سننا، أو ننام ملء جفننا، أو نأكل ملء بطننا، أو نعيش سعداء بين أهلينا وذوينا، وإخواننا يجري عليهم ما يجري، ولقد صدق الشاعر محمود غنيم رحمه الله، حيث قال في إحدى قصائده في أحد الأعياد:

قالوا: عجبنا ما لشعرك باكيا

في العيد ما هذا بشعر المعيد

ما حيلة العصفور قصو ريشه

ورموه في قفص وقالوا غرِّد

الأمة آن لها أن تبكي على نفسها، حتى تسترد حقوقها، وتستجمع صفها، وتجند أبناءها للوقوف في المعركة الكُبرى، ضد القوى المعادية للإسلام، حتى تعيش إسلامها، كما أراده الله، وكما أحبه الله لها.

 

المستقبل لهذه الأمة :

إنا لسنا يائسين من مستقبل هذه الأمة، فالمستقبل لهذا الدين، وإن المستقبل لهذه الأمة، وعندنا من البشائر من القرآن الكريم ومن السنة النبويَّة، ومن التاريخ الحافل، ومن الواقع الماثل، ومن سنن الله تبارك وتعالى، ما يملؤنا ثقة في أن هذا الوضع لن يستمر، ودوام هذا الحال من المحال، والدور لنا وليس علينا، وتلك الأيام نداولها بين الناس.

النصر قادم إن شاء الله، ولكن جرت سنة الله، أن النصر لا يتم إلا بالمؤمنين، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62-63].

أسال الله تبارك وتعالى أن يُخرجنا من هذا الشهر مغفورا لنا، وأن يجعل حظنا منه الرحمة، والمغفرة والعتق من النار، وأن يثيبنا على ما قدّمنا من أعمالنا، وأن يغفر لنا ما قصَّرنا فيه، وأن يجعل يومنا خيرا من أمسنا، ويجعل غدنا خيرا من يومنا، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يُذل أعداء هذا الدين، وأن ينصر إخوتنا المجاهدين حيثما كانوا.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147].

أقول قولي هذا، واستغفر الله تعالى لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 



[1]- رواه أحمد (6626) وقال مخرجوه: إسناده ضعيف. والحاكم في (1/ 554) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. والبيهقي في الشعب في تعظيم القرآن (1994)،  وصححه الألباني في صحيح الجامع (3882) عن ابن عمرو

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين