الدرس الثاني من دروس رمضان للعلامة الشيخ يوسف القرضاوي
الدرس الثاني من دروس رمضان 1422
درس حول قوله تعالى من سورة البقرة
{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}
 
الشيخ يوسف القرضاوي

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأزكى صلوات الله وتسليماته، على من أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا، وأسوتنا وقائد دربنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، الذين {آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157] ورضي الله عمن دعا بدعوته، واهتدى بسنته، وجاهد جهاده إلى يوم الدين. ثم أما بعد..
فيا أيها الإخوة والأخوات:
للقرآن الكريم نهجان معلومان، في بيان أحكام الله تعالى وتعليماته لخلقه:
النهج الأول هو: أن يعرف الناس ابتداء بأحكامه وتوجيهاته وإرشاداته، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}، {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فر رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}..الخ هذا النوع من الآيات، يبين الله فيه الحكام ابتداء.
والنهج الثاني: يبين الله فيه الأحكام بناء على سؤال من الناس، وقد حفلت سورة البقرة بعدد من الأسئلة، أجاب عنها القرآن الكريم.
السؤال والجواب في سورة البقرة:
 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ} {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}، يبين الله الحكم بعد سؤال.
قلة أسئلة الصحابة رضي الله عنهم :
وقد ذكر حبر الأمة وترجمان القرآن؛ ابن عباس: رضي الله عن الصحابة، لم يسألوا إلا ثلاثة عشر سؤالا، كلها ذكرت في القرآن. وذكر منها هذه الأسئلة المذكورة في سورة البقرة، وغيرها.
ويشير ابن عباس بهذا إلى أن الصحابة رضوان الله عنهم كانوا قليلي السؤال، أو كانوا يسألون عما ينفعهم، ولا يسألون عن أشياء يثرثرون بها، دون أن يكون لها جدوى. كما هو حال كثير من المسلمين الآن، كما سأل أحدهم: بأي لغة سيكون سؤال القبر؟! يا أخي ستُسأل وستعرف السؤال، وستجيب إن شاء الله. سيفهمك الله السؤال..فأعد للسؤال جوابا. أسئلة أيها الإخوة لا معنى لها.
سأل أحد الناس الإمام عامر بن شراحيل الشعبي: ما اسم زوجة إبليس؟ قال: هذا عُرس لم أشهده. وسأله أحدهم: إن لحيتي كثة، ماذا أفعل بها في الوضوء، قال: انقعها من الليل.
فأحيانا تكون الإجابة على السؤال بالسخرية، وقد حدث مثل هذا معي يوما، فسألني أحد الإخوة وأنا أقرأ قول الله: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيه}[القصص:11]: ما اسم أخته؟ فقلت له: وما تريد باسمها! هل ستخطبها؟ إذا كان الله لم يذكر لنا اسم أم موسى، ولا اسم أخته، فلماذا نبحث نحن عن هذا؟ فهذا سؤال ليس له معنى. أما أسئلة الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كانت عما ينفعهم.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ؟
ومن الأسئلة التي ذكرتها سورة البقرة، هذا السؤال الذي جاء في ربع الحزب الأخير الذي قرأه الشيخ عبد السلام[1]: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}[البقرة:217] والذين يسألون هنا، ليس هم الصحابة، وإنما هم المشركون من قريش وأتباعهم، أقاموا الدنيا وأقعدوها من أجل أن بعض المسلمين أخطأوا، فقتلوا مشركا في أول ليلة من رجب، حيث كانوا يحسبونها آخر ليلة من جمادى الآخرة.
أثار المشركون الدنيا على المسلمين، واتهموهم بأنهم يستحلون الأشهر الحرم، والقتال في الأشهر الحرم معروف أنه ممنوع من عهود الجاهلية، وأقرها الإسلام، فجاءت الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام}، وقال: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم}.
 والعلماء يقولون عن الشهر الحرم: ثلاثة سرد، وواحد فرد. الثلاثة السرد: هي الأشهر المتتابعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم. وواحد فرد: هو رجب.
هل يتوقف الأعداء عن القتال في الأشهر الحرم ؟
وبالمناسبة: قالوا: إنَّ أمريكا ستكفُّ عن القتال في شهر رمضان، ثم رجعوا عن هذا الكلام، وقال الوزير الدفاع الأمريكي: إن الإسلام لا يحرم القتال في شهر رمضان، والمسلمون قاتلوا فيه. فسألني أحد الإخوة عن هذا؟ فقلت له: وهل وزير الدفاع الأمريكي حريص على تحرِّي أحكام الإسلام في الحلال والحرام؟! إذا كان يتحرى هذا، نقول له: إن القتال في شهر رجب محرم في الإسلام، وأنتم بدأتم القتال في شهر رجب، في أفغانستان. فلو كان يتحرى الحلال والحرام ما كان يقاتل في شهر رجب، وهل إذا جاءت الأشهر الحرم الثلاثة: (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم) سيكفون عن قتالهم، وهو قتال طلب وليس قتال الدفع.
حكم القتال في الأشهر الحرم؟
فهناك فرق بين قتال الطلب، وقتال الدفع، فقتال الدفع هو قتال المقاومة، وهذا مطلوب من المسلم في أي شهر كان، كما قرأنا وسمعنا: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} من اعتدى عليكم في الشهر الحرام، فقاتلوه ولو في الشهر الحرام.
أما أن نبدأ نحن القتال في الشهر الحرام (قتال الطلب)، فهذا لا يجوز أن يكون في الشهر الحرام.
سرية عبد الله بن جحش:
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم جهاده في المدينة، بإرسال السرايا، لتأديب المشركين، وإرهابهم، وهو الإرهاب المشروع، لأن المشركين طمعوا في المسلمين، وأخرجوهم من ديارهم بغير حق، إلا أن يقولوا ربنا الله، واستحلوا دماءهم وأموالهم وحرماتهم، واحتلوا بيوتهم وديارهم من بعدهم، فلا بد أن يكون للمسلمين موقف، يظهروا  فيه أنهم أقوياء، وأنهم يقفون على أرض صلبة، ولذلك أرسل رسول الله سراياه حول المدينة، ليعلن للمشركين في قريش أنهم قوة، وليخوف القبائل التي تحيط بالمدينة، حتى لا تطمع فيها.
وكان من هذه السرايا، سرية عبد الله بن جحش، وقد حصلوا على عير لابن الحضرمي، وقتلوا ابن الحضرمي، وكانوا يظنون أنها آخر ليلة في جمادى كما قلنا، فتبين أنها أول ليلة من شهر رجب.
فما كاد المشركون أن يعرفوا ذلك، حتى أخرجوا دعايات، مثل ما يفعله الإعلام الأمريكي الآن: محمد قتل في الشهر الحرام، محمد استحل الشهر الحرام...الخ
نزل القرآن الكريم: {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قل قتال فيه كيبر} لن نجادلكم في هذه المسألة، القتال في الشهر الحرام كبير، ومسألة كبيرة. ولكن ما الذي يجعلكم تطبلون وتزمرون وتضخمون هذه القضية، وأنتم فعلتم من الجرائم ما هو أضعافها؟؟!!قال: {وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله} أنتم أخرجتم محمدا وأصحابه من ديارهم بغير وجه حق، إلا أن يقولوا ربنا الله، نسيتم هذا.
إخراج المؤمنين من مكة أكبر من قتل امرئ في الشهر الحرام:
ما الذي أخرج الرسول والصحابة من مكة، وقد نظر إليها ويقول: "أما إنك لأحب بلاد الله إلى الله، وإنك لأحب بلاد الله إليّ، ولولا أنَّ قومك أخرجوني منك ما خرجت"، يقولون: مسقط الرأس غالي.
بلادي وإن جارَت عليَّ عزيزةٌ
وقومي وإن ضنُّوا عليَّ كرامُ
فكيف إذا كان هذا البلد، بلد الله الحرام، وفيه البيت الحرام، والمسجد الحرام، أعظم بقعة في الأرض. ولكن ماذا يفعل المسلمون.
اضطر المسلمون أن يتركوا مكة لأذى المشركين، فالله يقول: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء:97].
وإذا الديـار تنكرت عن حالها
فدع الديار وأسـرع التحويلا
ليس المُقام عليك حقا واجــبا
في منزل يدع العزيز ذليـلا
فالله شرع الهجرة، واضطر المسلمون إليها، وقبل ذلك هاجروا إلى الحبشة مرتين، ثم هاجر الرسول وأصحابه إلى المدينة، بسبب هؤلاء المشركين، الذين أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها من أجل قتل واحد، في الشهر الحرام، وهذا كله أكبر عند الله من قتل امرئ في الشهر الحرام.
ماذا تعني الفتنة؟
{والفتنة أكبر من القتل}، الفتنة: الاضطهاد في الدين، أن تضطهد إنسانا، وتعذبه وتؤذيه، من أجل عقيدته، سماه القرآن : {أكبر من القتل}.
فتنة الناس في دينهم، اضطهاد الناس من أجل عقيدتهم، هذه هي الفتنة، كما جاء في سورة البروج: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10]، الذين فتنوا المؤمنين، أي: الذين خدوا لهم الأخاديد، ورموهم في النار.
ويقول الله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا}[النحل:110]، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت:2]. الفتنة هي الاضطهاد والتعذيب من أجل الدين، وليس الفتنة كما يقول بعض المفسرين أنها الشرك، فهذا خروج بالآيات عن ظاهرها، وعن السياق القرآني كله.
فيقول لهم الله: إن هذه الفتنة والتي تعني الاضطهاد والإيذاء من أجل الدين، ومن أجل العقيدة، هي أكبر من القتل في الشهر الحرام.
الفتنة أكبر وأشد من القتل :
 وفي آية أخرى سابقة، يقول الله: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}[البقرة:191]. يعني: إذا نظرنا إليها من حيث الكم، هي أكبر من القتل، وإذا نظرنا إليها من حيث الكيف هي أشد من القتل؛ لأن القتل اعتداء على الكيان البدني للإنسان، أما الفتنة فهي اعتداء على الكيان الروحي للإنسان، اعتداء على العقل والإرادة، اعتداء لأنه اختار هذا الدين وهذه العقيدة، فيريد أن يجبره جبرا على تركها، وهذا اعتداء على الكيان المعنوي للإنسان، ولهذا كانت أشد من القتل، وكانت أكبر من القتل.
هم لا يقيمون لهذه الفتنة وزناً، ولكن القرآن جعل لها هذا الوزن العظيم، ولذلك شرع القتال حتى لا تكون فتنة، فيما سمعنا من الآيات في نفس السياق:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}.
حتى لا يكون أي هناك أي اضطهاد لمن دخل في الدين مختارا طائعا، يقاتل حتى تتوطد الحرية للناس، فيدخل من شاء في الدين، ويدع من شاء الدين، {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}.
استمرار المعركة بين الحق والباطل:
ختمت الآية بقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} وكأنها تهيئ أنفس الأمة، إلى أن المعركة مستمرة، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}، نحن لا نريد القتال، وهم يريدونا أن نقاتل، فماذا نفعل؟ {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}، يريدون أن يخرجونا من ملتنا، أن يسلخونا من ديننا: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:20].
لا يمكن أن نترك ملتنا: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}[الأعراف:89].
 هذه حقيقة يريد القرآن أن يقررها، أن المعركة بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، بين التوحيد والشرك، بين الإسلام والجاهلية، بين الله والطاغوت، المعركة مستمرة، {ولا يزالون يقاتلونكم} المعركة لن تنطفئ جذوتها أبدا، {حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}.
المعركة في الحقيقة ضد الإسلام:
ولذلك معظم هذه المعارك التي نراها، هي معارك حقيقة ضد الإسلام، لا تصدقوا ما يقال: أنها ضد الإرهاب، أو ضد العنف، وإلا فلماذا لا يُحارب إرهاب إسرائيل، وهو أعظم إرهاب في الدنيا، لم تر الدنيا مثل هذا الإرهاب؟!
قامت إسرائيل أول ما قامت على الإرهاب، منذ أيام العصابات، فلماذا لا يحارب هذا الإرهاب؟!
ولماذا اعتبروا الجهاد، وحماس وحزب الله، والفصائل الفلسطينيَّة، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة المجاهدين الكشميريين، هذه حركات إرهابيَّة؟!
هذه الحركات التي تدافع عن أرضها، عن وطنها، تحارب الغزاة، يعتبرون إرهابيين؟! والعمل الخيري الإسلامي، وضعوا عددا من جمعيات العالم الإسلامي، وبعض البنوك الإسلامية، اعتبروه إرهابيين، ولا زالت القائمة مفتوحة. ولكنهم يجرعوننا الأمر جرعة جرعة، فكل فترة يخرجوا من جعبتهم شيئا.
فالمعركة في الحقيقة ضد الإسلام، {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}.
الوصول إلى الحق لا يكون بالباطل:
نحن ننكر ما حصل في نيويورك وواشنطن، لأننا لا نقبل الوصول إلى الحق بطريق الباطل، إذا كنا نريد الوقوف ضد جبروت أمريكا، وتحيز أمريكا للصهيونية، وازدواج المعايير عند أمريكا، لا نقابلها بمثل هذا، وهذه أمور يجب أن نعرفها حقيقة.
نحن لا نقبل أن نأخذ أناسا مدنيين لنقتلهم، وهم لا ذنب لهم، فركاب الطائرات الأربع في (11 سبتمبر) قد تكون أنت منهم أو أنا، لأنهم أخذوا هذه الطائرات وضربوا بها مبنى التجارة، وهؤلاء لا ذنب لهم، لا ناقة لهم ولا جمل، ولا عنزة ولا حمل، فلماذا يقحم بهم في معركة ليسوا من أهلها؟ حتى إنهم ضربوا أناسا في المركز، لا علاقة لهم بالسياسة، ولا بصنع القرار، ومنهم عرب، ومنهم باكستانيون، ومنهم مسلمون. ومن كل الفئات.
نحن ننكر هذا، ولكن لا يجوز أن يتخذ من هذا ذريعة لضرب الإسلام، والتحرك الإسلامي، والعمل الإسلامي، والدعوة الإسلامية، والصحوة الإسلامية، والأمة الإسلامية، تحت هذا العنوان، وتحت هذا الشعار الخادع: محاربة الإرهاب.
دلالة قوله سبحانه: {إن استطاعوا}:
 {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}.ومما يطمئننا أيها الإخوة، أن الله قال: {إن استطاعوا} فعلماء العربية يقولون: (إن): للتشكيك. فلو قال (إذا) لكانوا استطاعوا، ولكن الذي يطمئننا أنه قال: (إن)، وإن شاء الله لن يستطيعوا، سيبقى هذا الدين، وستظل رايته مرفوعة، وسيظل نوره ممتدا، في الآفاق: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التوبة:32-33].
الذي يطمئننا، هذا الإباء الإلهي:{ يأبى الله}، فما دام الله يأبى، فهل تصادم أمريكا إرادة الله؟ وتقف ضدها؟! فهذا الإباء الإلهي هو الذي يطمئننا، وقوله: {إن استطاعوا} فلن يردونا عن ديننا.
 فمن خصائص الإسلام : أنه إذا خالطت بشاشته القلوب لا يمكن للإنسان أن يرتد عنه، ولهذا تعد الردة عند المسلمين شيء نادر جدا، لا يمكن أن تحسب أعدادا ارتدَّت عن الإسلام.
طريقة المبشرين في محاولة ارتداد المسلمين:
ولهذا لا يبحث المبشرون عن ارتداد المسلمين عن دينهم، وإنما يعملون على أحد أمرين:
 الأول: إما أن يأخذوا الأطفال منذ نعومة أظفارهم، ليعلموهم في مدارسهم، ويلقنوهم النصرانية وعقائدها، وتعاليمها من أول الأمر، فينشأ الطفل على ما ربي عليه.
والثاني: أن يشككوا المسلمين في دينهم، يعني لا يحاولوا أن يجعلوا من محمد وأحمد وحسين، جورج وبوش ويوحنا وكذا، وإنما يحاولوا أن يشككوهم في دينهم، فتتزعزع ثقتهم في الإسلام، كما فعلوا مع العلمانيين والمتغربين، وهؤلاء الناس.
المهم أن الله قال: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
من ارتد عن الدين والعياذ بالله، ومات على ذلك، فقد حبط عمله، وضاع سعيه، وخاب فأله، ضاعت حياته كلها، لأنه مات على الكفر، فذهبت حسناته سدى، واستحق النار والعياذ بالله، {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحيينا على الإسلام، وأن يميتنا على الإسلام، وأن يحشرنا في زمرته عليه الصلاة والسلام، وأن يتوفنا مسلمين، ويجعلنا من {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب}.
 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين