الدخينة (السيجارة) رذيلة خلقية وداء وبيل

لا شك أن المصاب بآفة شرب الدخينة لا يحس بما يحس به الآخرون من الآلام والآثام، إذ إن المدخن تسيطر عليه حال من الأنانية التي تحول بينه وبين التفكير الجاد، فلا يعد ينظر إلا إلى هوى نفسه وإشباع رغبته بالوهم الذي يظنه من نتاج هذه الدخينة، وكثيرا ما تسمع العامة تقول (دخن عليها تنجلي) وهذا بلا شك وهم قاتل، إذ لا تنجلي الهموم بالدخينة أو نحوها إنما تنجلي بالعودة الحميدة إلى ذكر الله والإكثار منه في حال يقظة النفس.

فمن قريب ذهبت لعزاء جار لنا ووجدت الصيوان مضروبا ولكن العجب أن هذا الصيوان يعج بالدخينة عجا، فانتحيت جانبا ولم أستطع الجلوس فغادرت، وبقيت أياما أعاني من الرشح الحاد الذي يهد الجسم هدا، وبيوت العزاء إنما تفتح للتخفيف عن أهل المتوفى لا لأجل الاضرار بهم وبمن يأت بهذه النية إليهم.

وأتذكر أني مرة ذهبت للعزاء فجاء رجل يظهر أنه من علية القوم، فسلم على أهل المتوفى ثم دخل الصيوان وجلس على الكرسي المعد ومباشرة مدّ يده إلى جيبه فأخرج باكيت السجائر وأشعل واحدة، وأخذ يشفطها حتى انتهت، ثم رمى بعقبها تحت قدمه وخرج من بيت العزاء، وكأنه جاء فقط ليشفط الدخينة ويؤذي من حوله ثم يغادر.

هذه من الأحوال العجيبة والأعجب منها أن تدخل إحدى الدوائر الحكومية أو أحد المراكز الأمنية فتجد لافتة كتب عليها (يمنع التدخين – تحت طائلة المسؤولية) فإذا الموظفون الحكوميون هم الذين يعجون بالدخينة عجّا، وكأنها هدية ألقيت إليهم ويخافون أن يشاركهم فيها أحد.

قرأت من قريب النظام رقم (14) لسنة 2018م وهو نظام تأديب الطلبة في جامعة العلوم الإسلامية العالمية تحت الفقرة "ف" التدخين داخل مباني الجامعة، ومن يدخل الجامعة ويقف على بابها يعجب من كثرة أعقاب السجائر المنسدحة على الأبواب، وإذا دخل يعجب أن يكون الذين فيها من طلبة العلم، من كثرة التدخين في المباني، وقانون التأديب هذا صادر ضمن قرارات ملكية لتسيير أمور الجامعة فأين هي الرقابة على مخالفة نظام موقع من الملك داخل أروقة الجامعة، وليس هذا البلاء في هذه الجامعة بل في كل الجامعات عندنا، ووزارة التعليم العالي بالتأكيد ليس لها أي دخل في هذه الأمور وانما تتدخل في أعداد الطلاب في الجامعة، وهل تكفيهم المساحة وأشياء كهذه لا علاقة لها بالعلم ولا بأهله.

وانتشر هذا الداء الوبيل إلى المدارس وأصبح الطلاب يشفطون السجائر الإلكترونية ظنا منهم أنها أخف ضررا من الأخرى وما هو بذلك، وطبعا الطلاب يدخنون لأنهم يرون أساتذتهم كذلك يفعلون، فغابت القدوات وانفتح مجال الشر، ومن أغرب ما سمعت في هذا المجال أن كثيرا من الأساتذة المتخصصين في تدريس التربية الإسلامية يعاقرون الدخينة كما كان الجاهليون يعاقرون الخمر، ولم يقف الأمر هنا بل تعدى إلى السيدات اللائي يفعلن هذا الفعل إما أثناء قيادة السيارات وإما أثناء الجلسات الصاخبة في المطاعم وبعض ما يسمى كوفيهات.

ثم يأتي الناس يشكون قلة ذات اليد وهم ينفقون الملايين من الدنانير على هذا البلاء.

وهل قنعت وزارة الصحة بأن تكتب على علب السجائر إن التدخين يسبب مرض السرطان ثم تسمح ببيعه في البلاد طولا وعرضا دون نكير.

كثيرون منا لا تضبطهم الأحكام الشرعية فيسمحون لأنفسهم بمقارفة المنكرات دون هوادة، ومن يكن هذا حاله لا يفكر في المال الذي ينفقه ليحرقه ويحرق نفسه به وأن الله تعالى سائله عن هدر هذا المال وضياعه.

وفعلا الدخينة رذيلة خلقية وداء وبيل

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.. تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين