الخلفاء بعد عبد الملك بن مروان

الموجز في التاريخ:

الخلفاء بعد عبد الملك بن مروان

 

عبد المعين الطلفاح

 

الوليد بن عبد الملك

عهد عبد الملك بن مروان بولاية العهد من بعده لابنيه: الوليد وسليمان، وأمر ولاته على الأمصار بأخذ البيعة لهما؛ فرفض ذلك سيِّدُ التابعين: سعيد بن المسيب (ت: 94 هـ)؛ لأن فيه مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي نهى عن البيعة لاثنين؛ فعُذب –رحمه الله-في سبيل ذلك، ونُكِّل به، وكان لسعيد بن المسيب موقف من بني أمية؛ لسوء سيرتهم وظلمهم، وكان يرفض عطاءهم، ورفض أن يزوج ابنته من الوليد بن عبد الملك، لكن ذلك لم يحمله على أن يضع يده مع كل معارض لهم؛ فكان بذلك مثال العالم العامل، الذي لا يرضى الذل والظلم، ولا يخاف في الله لومة لائم(1).

لقب الوليد بن عبد الملك بمهندس بني أمية؛ لاهتمامه الكبير بالبناء والعمران، فقد ازدهرت في عصره حركة البناء كثيرٍا؛ فبنى المسجد الأموي بدمشق، ووسَّع المسجد النبوي، وزخرف جدرانه، وأدخل فيه حجر أمهات المؤمنين، وحجرة فاطمة، كما أدخل فيه حجرة عائشة أيضًا، التي فيها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فقهاء المدينة قد أنكروا ذلك عليه، وأرادوا أن تبقى الحُجَر كما هي؛ ليرى الحُجَّاج بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعها؛ فيعتبرون بها ويتعظون، وأنكر سعيد بن المسيب إدخال حجرة عائشة في المسجد؛ حتى لا يتخذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدًا، ولكن الوليد أبى إلا أن تدخل كل الحُجر المسجد؛ وقد بنى المسلمون بعد ذلك جدارًا يحول دون استقبال المصلين قبر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاتهم، كما اهتم الوليد ببناء المستشفيات وغيرها، وأكرم العلماء والفقهاء، وبذل لهم ما يكفيهم، وحرم عليهم السؤال(2).

 

سليمان بن عبد الملك

     كان عهد سليمان بن عبد الملك يمثل المرحلة الجديدة من مراحل الخلافة الأموية، وعلى الأخص المروانية منها؛ لما امتاز به من خصائص جديدة، وتغير في أسلوب الحكم عن سابقيه، إذ اتسمت سياسته بإيثار السلامة والعافية، والنزوع إلى الموادعة، والأخذ برأي أهل العلم والفضل، من باب العمل بمفهوم الشورى، والتمسك بالتعاليم والأحكام الإسلامية، والحرص على تنفيذها، وهي الأمور التي وضحها في خطبته التي خطبها بعد استخلافه، وبين فيها سياسته التي سينتهجها في الحكم، وكان من أعظم أعماله قبل موته؛ أن عهد لعمر بن عبد العزيز بالخلافة من بعده، بعد أن أشار عليه بذلك العالم الجليل: رجاء بن حيوه (ت: 112 هـ)، رحمه الله(3).

**********

الهوامش:

(1) ينظر: الفسوي، يعقوب بن سفيان، المعرفة والتاريخ، تحقيق: أكرم ضياء العمري (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 2، 1401/1981) 1/476، وينظر: الذهبي: محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين، بإشراف الشيخ: شعيب الأرناؤوط (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 3، 1405/1985) 4/231، وينظر: قوام السنة، إسماعيل بن محمد، سير السلف الصالحين، تحقيق:  كرم بن حلمي (الرياض: دار الراية للنشر والتوزيع، د. ط، د. ت) ص: 777.

(2) الصلابي، الدولة الأموية، مصدر سابق، 2/73.

(3) ينظرك ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 9/166- 197.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين