الخلاصة في الموسيقى والغناء

بعد المطالعة والمراجعة لما كتب حول موضوع الغناء، بمعناه العام، لغة واصطلاحا، قديما وحديثا، وبعد الاطلاع على عدد من الفتاوى التي أصدرتها بعض اللجان العلمية، نجد أن الغناء عند عامة العلماء على ثلاثة أنواع:

 

أولا- قسم حلال مجمع على مشروعيته ولا شيء فيه، ومنه:

1- الحداء وغناء الأعراب الذي يُعرف بـ (النصب) وما كان شبيها به مما يستعان به على قطع الفيافي والمفاوز في الأسفار، برا وبحرا .. مادام من الكلام الحسن، أو الشعر الجميل، ولم تصاحبه ألة لهو، وهو ما قال فيه سيدنا عمر رضي الله عنه: (الغناء زاد الراكب) .

2- الأناشيد والأهازيج التي يستعان بها على إنجاز الأعمال الشاقة، وحمل الأثقال. و الذي تدل على حله ومشروعيته حال المسلمين عند حفر الخندق.

3- ما يرتجزه ويتغنى به الأبطال والشجعان عند لقاء العدو، وتقدم الصفوف، والتسابق إلى الشهادة في سبيل الله.

4- ما كان داعيا لترقيق الوجدان، وتهييج الأحزان شوقاً إلى الله تعالى. ومثل ذلك غناء الحجيج، ووصف البيت والمقام وزمزم والصفا ...

5- غناء الأم لطفلها ليستريح وينام، ومثله غناء امرأة لزوجها أو جارية لسيدها.

6- تغني الإنسان في نفسه، أو عند خلوته، وساعة وحشته، وما أشبه ذلك.

7- غناء النساء والجواري في عرس، وغيره من المناسبات السارة، بدف وبدونه وكذلك للرجال عند الأكثرين، مادام الكلام المغنى سليماً من الفحش والبذاءة والفجور والدعوة إلى الخنا وغيرها من الموبقات والمحرمات، ومقتصراً على الدف من الآلات.

8- ما كان مشتملاً على حكمة ووعظ وتدبر وتفكر وتخلق بأخلاق كريمة. ومثله الأناشيد الوطنية والأهازيج الحماسية إن خلت من آلات اللهو المحرمة.

 

ثانياً : غناء مجمع على حرمته :

وهذا ما ينطبق على كثير من الغناء المتعارف عليه في زماننا، سواء في المذياع أو التلفاز أو المسارح، وبخاصة ما يعرف اليوم بأشرطة ( الفيديو كليب) وغيرها. يقول الدكتور عبد الكريم زيدان في كتاب المفصل في أحكام المرأة الفقرة (3080) تحت عنوان الغناء وسماعه في الوقت الحاضر: " وفي ضوء ما ذكرناه كله، لا يبدو لنا سائغاً سماع الغناء المذاع في الراديو أو التلفزيون، لما فيه من الفتنة الظاهرة، ولما يقترن به، مما يجعله محظوراً على النحو الذي بيناه، لاسيما أغاني التلفزيون حيث تجتمع الصورة وما فيها من فتنة وشبه عري، مع حركات المغنية وما فيها من فتنة وإثارة، وبالإضافة إلى ذلك كله فإن الغناء قلما تخلو ألفاظه وعباراته من الخنا والفحش، ووصف محاسن النساء وإثارة الشهوات، وكذلك الحال في أغاني الذكور من صبيان مرد، ومن شباب مخنثين، ومن رجال متصابين، وفي هذا الواقع يمكن القول : إن غناء المغنيات والمغنين في الراديو والتلفزيون على النحو الذي وصفناه - وهو الواقع- لا يجوز، وأن الاستماع إليه لا يجوز لاسيما أغاني التلفزيون ج4 ص91

 

ومن هذا الغناء المحرم:

1- كل غناء فيه تشبيب بامرأة معينة، ووصف محاسن وخدود وقدود، أو دعوة إلى علاقة محرمة، أو كان باعثاً على الهوى والغواية والغزل والمجون والفسق والفجور.

2- كل غناء صاحبه اختلاط رجال بنساء وكشف عورات وتبرج ورقص، أو تخنث أو غيرها من مظاهر الانحلال التي تضج بها حفلات الغناء المعاصرة.

3- كل غناء فيه وصف خمر، أو دعوة إليها، أو وصف لمجالسها ... لأن ما أدى إلى حرام فهو حرام.

4- كل غناء اقترن بتكسر في الكلام، وخضوع في القول وتخنث في الفعل.

5- كل غناء فيه هجو لمسلم أو ذمي، أو كان فيه نياحة على الموتى بما يوحي عدم الرضا وعدم التسليم لأمر الله تعالى أو نحو ذلك.

 

ثالثاً : غناء مختلف فيه:

والأكثرون على أنه مكروه، وقريب من الحرمة، وهو ما كان فيه اللحن والتنغيم استجلاباً للمسرة والتطريب باقترانه بآلات اللهو وتشتد الكراهية إذا أكثر المسلم منه، أو داوم عليه، أو اتخذه حرفة ومهنة. مادام من حسن الكلام ورافقته آلات موسيقية، ولم يكن من امرأة لرجال أجانب عنها، لما في ترقيق الصوت وترقيصه وتمطيطه من خضوع في القول، وهو طريق مؤدٍ للفتنة. وهو حرام ومنهي عنه.

     وهكذا فكل غناء سبق الإشارة إلى أنه حلال أو مختلف فيه إذا شغل عن أداء واجب، كترك فريضة، أو خدمة والد .. أو اتخذه المسلم ديدنه وهجيراه، وقصر عليه أكثر وقته صار حراماً. يقول حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : " إن اللعب بالشطرنج والحمام وسماع الغناء ليس بحرام، ولكن المواظبة عليها قد تخرم المروءة في حق بعض الناس فيقدح، أما النرد وسماع الأوتار والمعازف ... فكل ذلك حرام، ولكن لاترد الشهادة بالمرة الواحدة بل بالإصرار .. والإقدام مرة يشعر بالانحلال .. " الوجيز ج2 ص249-250 ( فيما يفيد أهلية الشهادة) .

 

وتأكيداً لما قدمنا نسوق هنا ما قاله الدكتور محمد عمارة في كتابه الإسلام والفنون الجميلة ص80 وما بعدها بتصرف :

" ....فالحكم على الغناء والموقف منه يدور بين الإباحة ... والكراهية ... والحرمة، تبعاً لطبيعته ووظيفته، وعلى قدر استبعاده أو اقترابه عن مستوى وطبيعة ووظيفة الفن الحسن الجميل، الذي يمثل ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية، وأداة من أدوات الارتقاء بمشاعر وملكات وغرائز الإنسان".

      ومن ثم فلا بد وأن تتميز - كما رأينا في فتاوى الفقهاء المؤسسين - في الأحكام الشرعية التي تطلق عليها ..  فالغناء واللهو الذي رخص فيه الإسلام – لأنه دين فسيح على حد التعبير النبوي الشريف – رخص فيه ترويحاً عن النفس وتجديداً لنشاطها، وطلباً للسعادة والسرور والفرح في مناسباتها ... هو مختلف في الحكم الشرعي عن ( التغبير) الذي ابتدعه الزنادقة ليصدوا به عن القرآن الكريم .. وتلك بديهة لا يمكن أن تكون موضوعاً للخلاف أو الاختلاف ... ومن ثم نؤكد على ضرورة إنهاء ذلك الخلط الحادث الآن بين (الفن الجميل) الذي يهذب النفس ويرتقي بملكاتها، ويعين الإنسان على القيام برسالة الاستخلاف عن الله سبحانه وتعالى في بناء العمران، وبين المنكر من (السماع) فسقاً ومجوناً وانحلالاً خلقياً ... أو ابتداعاً في شعائر الدين والعبادات.

 

وكقاعدة عامة في موضوع الغناء يقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله تعالى في كتابه الإسلام ج4 :

      أما اللهو بالغناء والموسيقى، فقد رُخص بالغناء مالم يرخص بالموسيقى، ولم يرخص في المعازف إلا في طبل الحرب وشاهين الرعاة عند بعض الفقهاء، والدف في الأفراح، أما الغناء المجرد عن الموسيقى فقد رُخص فيه أكثر، إلا مع الدف فقد رخص فيه في الأفراح.

هذه خلاصة فتاوى وأقوال علماء أجلاء في موضوع الغناء .

نسأل الله أن يجزيهم على ذلك خير الجزاء، وأن يهدينا جميعا للصواب، والحمد لله رب العالمين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين