متى بدأ توجهكم إلى طلب العلم ؟
لقد ذكرت أنني تدربت على رفع الأثقال، وكانت لي طريقة جيدة في رفع الأثقال، وتدربنا على المصارعة الرومانية.
ثم بعد ذلك أتينا عدنان الصواف بطل سورية ولبنان لرفع الأثقال فلما كنا واقفين في الحي بالقيمرية نرفع الأثقال وكلٌّ يرفع بدوره طبعا كان هناك صغار وكبار، وإذ صالح أفندي الحيلاني صاحب مطبعة الترقي بالقيمرية يقدم إلينا وكان ابنه يرفع الأثقال معنا، وهو أصغر مني بكثير، فلما رآه أبوه أخذ بيده، وأدخله إلى البيت، وأغلق الباب وبعد أقل من ساعة خرج الولد ضاحكاً ولم ينقطع عن الضحك فقلنا له: ما لك، ما الذي يضحكك؟ فقال الولد: قال لي أبي: أنا لا أستغرب من إنسان يحمل قنطاراً فالثور يحمل قنطارين، وإنما أنا أستغرب من إنسان يمسك بالقلم ويعمل بيده هكذا ويغير مجرى العالم فكان الولد يحكي لنا هذا الكلام وهو يضحك، فلما سمعت هذا الكلام حُبب إلي العلم، وكنت في حينها خارج المدارس أعمل في الطين كلاساً مع أبي فبدأت أتابع مع طلاب العلم، ولازمت فضيلة الشيخ محمد صالح فرفور صاحب هذه الإجازة وأشار الشيخ إلى إجازة الشيخ صالح الفرفور المعلقة على الجدار وبجانبها إجازة الشيخ أبو اليسر عابدين وقال : هذه إجازته لي والآن سأحكي لكم كيفية الإجازة:
أنا كنت أقرأ عند الشيخ صالح التوحيد والمنطق والأصول بينما كنت أقرأ عند الشيخ أبي اليسر على الغالب: حاشية ابن عابدين لكن الحمد لله الاثنان سروا مني الشيخ أبو اليسر والشيخ صالح فرفور.
وفي أثناء دراستي عند هذا وعند هذا زارني الشيخ صالح فرفور مع الشيخ عبد الرزاق الحلبي، وجلسوا على المقعد، وكانت إجازة شيخي أبو اليسر معلقة، وأنا كنت جالساً بمقابلهم، فلما دخل الشيخ صالح لمح الإجازة أي إجازة الشيخ أبي اليسر عابدين فقرأها وقرأ معانيها وألفاظها وأنا كنت جالساً في خدمتهم والوقت في حينها كان صيفا وهم قد أتوا في وقت الظهيرة، فقلت لهم: ما رأيكم أن نجلس في الخارج أنشط من الداخل فقالوا: نعم نخرج فخرج الشيخ صالح ومن ورائه الشيخ عبد الرزاق وأنا كنت قد طلبت الإجازة من الشيخ صالح قبل أسبوع أو أقل ولم يرد علي الشيخ في وقتها فاتهمت نفسي وقلت: أنا لست أهلاً للإجازة، فلما أرادوا الخروج قال الشيخ عبد الرزاق (نسأل الله أن يقويه وأن يعافيه فهو من مشايخي): يا شيخ أديب ما هذه الإجازة؟ هكذا بصوت مرتفع لكن الشيخ صالحاً لم يلتفت فلما انقضت ثلاثة أو أربعة أيام أرسل إلي الشيخ صالح الإجازة.
هذه طريقة العلم عندي بعد ذلك انتقلت وصرت مدرساً في الثانويات الخاصة فدرست في ثانويات متعددة، ودرست في السجون كما سبق أن ذكرت لكم
هل لكم أن تذكروا لنا بعض الحوادث الطريفة التي حدثت مع شيخكم صالح الفرفور؟
من جملة الحوادث الطريفة التي حدثت معه: كان الشيخ جالسا عند مسجد البدرائية وأمامه طالب، وكان الشيخ يُقْرؤه، والظاهر أن هذا الطالب كان ضعيفاً في الدراسة فسها الطالب وغفل قليلاً فرفع الشيخ رأسه، وهو يشرح له بيتاً من الأبيات أو قاعدة من القواعد فوجد أن الطالب قد خفض رأسه وأسند ظهره إلى الجدار، و كان الجدار مائلاً بسبب أن بناءه قديم فأتت القريحة الشعرية للشيخ والتفت إلى الطالب وقال:
نؤوماً تكاد الجدر تهوي تكاسلاً إذا مسها بالظهر والرأس مطرق.
سيدي هل أدركتم الشيخ بدر الدين الحسني؟
كنت واقفا في الجامع الأموي في الحرم والوقت كان نهاراً وعمري تسع سنوات، أو عشر سنوات، وإذ دخل الشيخ بدر الدين فقال أحدهم: هذا هو الشيخ بدر الحسني، وأنا لأول مرة أسمع باسمه وأراه فاقتربت منه وقبلّت يده.
وهناك حادثة أخرى أيضاً بالمسجد الأموي: دخلت إلى الحرم الداخلي فسمعت رجلاً يقول: الشيخ بدر الدين يلقي الدرس فوجدت مشايخاً معممين تحت القبة والشيخ يلقي عليهم الدرس. هاتان المرتان فقط لقيت الشيخ بدر الدين، وإني أسأل الله أن يجعلني خادماً له يوم القيامة وندخل بمعيته إلى الجنان بخدمته. وكذلك نحن إن شاء الله ندخل الجنان معكم لنخدمكم إن شاء الله لا بل أنتم أسيادنا.
هل أدركتم سيدي الشيخ علي الدقر؟
يا عيني أسمع به ما أتذكره لأن نشاطه كان في العقيبة.
وهل أدركتم الشيخ هاشم الخطيب؟
صلتي به كثيرة جداً ودرسني في الأمينية قريبه الشيخ شريف الخطيب.
هل تريد حكاية حلوة؟ نعم يا سيدي
الشيخ عنده آذن، والآذن يلبس عمامة مثل عمائم تجار سوق الحميدية والبزورية ليست كعمائم المشايخ البيضاء، وكان يجلس خلف باب المدرسة وبيده دفتر، ولما يقرع الجرس يكتب أسماء المتأخرين، وعنده نظام معين في كتابة أسماء المتأخرين يكتب أسماءهم في كل فترة يعمل أحد الطلاب خطاً ، الفترة الأولى الذين قدموا ،الثانية، الثالثة، الرابعة، الأخيرة ووافق في احد الأيام أنهم قد كتبوا اسمين: واحد أديب والآخر كذلك أديب والذي اسمه في أول الصفحة من الأعلى أديب أبو رأس ، والذي في أسفل الورقة : أديب الكلاس، وأديب أبو رأس يأخذ سبعة ضرب واحد أو اثنين لأنه غير متأخر كثيرا، أما أنا فاتني درس أو أكثر من درس ولا يوجد اسم بعد اسمي وأنا أستحق: (الفلقة القوية) فخرج المدير بعد ما قرع الجرس ليعمل عقوبة للمتأخرين فأخذ الورقة بيده فقرأ أديب أبو رأس قبل الجميع فخرج الولد ليأخذ ضرب واحد بيده أو ضربين فاختلفت نظرة المدير فقرأ من الأسفل فعوقب أديب أبو رأس عقوبة قوية بعد ذلك قرأ الاسم الذي يلي اسم أديب أبو رأس فضربه على يده ضربين خفيفين ثم أمره أن يعود إلى صفه وهكذا إلى أن وصل إلى أسفل الورقة ، أو بالأحرى كان يقرأ من الأسفل إلى الأعلى ووصل إلى رأس الورقة فقرأ أديب أبو رأس مرتين مرة من الأسفل ومرة من الأعلى.
سيدي هل أدركتم الشيخ محمود العطار؟
والله الآن ما أذكره، وإنما أتذكر اسمه فهذا الاسم قد طرق سمعي لكن الآن ما أتذكره.
وهل أدركتم أيضاً الشيخ أبو الخير الميداني؟ أعرفه لكن نسيته الآن في هذا السن فلا أتذكر أني أعرفه.
سيدي تحدثنا عن مشايخكم هل يمكن أن نتحدث عن تلاميذكم؟
تلاميذي كثر، منهم عبد الجليل العطا صاحب هذه القصيدة وأشار الشيخ إلى قصيدة معلقة على الجدار من نظم الشيخ عبد الجليل العطا يثني فيها على الشيخ أديب .
سيدي هل قرأ الشيخ شعيب الأرناؤوط؟
قرأ عليّ وكان نشيطاً جدا، وسافر إلى الأردن وأخذ الجنسية الأردنية ، وله أخ أصغر منه اسمه إبراهيم الأرناؤوط. هذا شعيب الأرناؤوط أتى لعندي لما كنت أدرس في حلقات الشيخ صالح، وصار من جملة تلاميذي، وكان نشيطاً، واعتنى بالحديث والآثار المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأظن أنه ما زال حياً بالأردن.
هل تعرف الشيخ عبد القادر أرناؤوط الذي يقال له قدري؟
نعم أعرفه يا سيدي.
سيدي هل تعرف الألباني؟
نعم أعرفه.
ما هو رأيكم فيه؟
رأيي فيه أنه مخالف لجمهور العلماء أصحاب المنهج السلفي الصحيح، مثل الشيخ بدر الدين الحسني وغيره فهو عنده شذوذ عن هؤلاء، وحصل بيننا وبينه بعض المناظرات، ومن جملة المناظرات مرة كان يعترض على البدع فألهمت فيها وأردت أن أذكرها له قوله تعالى: [ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ] {الحديد:27} لكنه قطع سلسلة كلامي، ودخل بيته فنحن لم نكن في المسجد وإنما كنا في زقاق، وكانت عنده أغلاط شديدة.
ما هو رأيكم بالشيخ عبد الله الهرري سابقاً ولاحقاً؟
سابقاً لما كنا مع الشيخ صالح في بداية الطلب، وذهب الشيخ للحج واصطحب معه الشيخ عبد الرزاق الحلبي فلما قدموا من الحج فتح الشيخ عبد الرزاق الحديث عن الشيخ عبد الله الهرري، فقال الشيخ صالح عنه: علامة في الحديث والسند، وأعطاه الشيخ صالح غرفة في مسجد من مساجد القيمرية، وجلس فيها الشيخ عبد الله الهرري ومنها ظهرت له آراء مخالفة ثم ذهب إلى لبنان ، وانتشرت آراؤه الشاذة عند أتباعه.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول