الحق الضائع

سعة الخاطر  لا بد لها أن تضيق من كثرة العمد في تجريح المشاعر و تفتيت الخاطر و تشتيت الفكر و بعثرة العبرات في كل موقف يدعو للتساؤل ، أو لسنا بشر سواسية خلقنا من  ادم و حواء لنكون قبضة يد واحدة يجمع شملها الإسلام و يوحد كلمتها لا اله إلا الله محمد رسول الله.

عجبا في مجتمعات لها امتياز في الانتساب لخير الشعوب تطورا ، عجبا لمجتمعات لها من التاريخ ما يكفي لوصف الحضارة فيها ببنود التقدم  طفت سلوكات فيها  حيرت العقل و جمحت بالنفس إلى حيث العزلة بعيدا عن محاولة للتطاول في مظالم لا تستند لأي مرجعية صحيحة ، فكم من مهاجر إلى بلد ثان  كان المطلب للرزق و المستقر له غاية ، و لكن في استضافة الأخ له من الأصل و القومية هو غريب الديار و العشيرة  ، لا شيء سوى القول له انك ضيف عندنا و انتهى و لست ممن سيتناول لقمة الكد و التعب بكل هدوء لأنك أجنبي..أي غربة مستوردة من قول ألسن ليس  لها الحق بتاتا في التصريح بهذا القول؟ ثم من هو الأجنبي حقيقة؟ أليس هو كل  من له تقاليد ليست شبيهة بتقاليد  المسلمين ، أليست من له شعائر تختلف  عن شعائر من  يقومون بها على نسق واحد و لو اختلفت اللهجات و لكن الترتيل لآي الله هي واحدة..لماذا كل هذا الإجحاف في عدم فتح الصدر لكل من يحل ضيفا على غير بلده ..أو لم يلقى الحبيب المصطفى سعة صدر باستضافة الأنصار له عند هجرته حيث ضموه إلى صدورهم ، و كان للحبيب المصطفى نزولا عند قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشر ليلة  أين أسس مسجد قباء ، أما الصحابي بن عازب و هو شاهد عيان قال " ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم".

أليست هذه ضيافة توحي بحسن الخلق و كرم الطبع لخير الخلق صلى الله عليه وسلم.؟

و لقد ذكرت مآثر الأنصار في قوله تعالى " و الذين تبوؤوا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم  و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " سورة الحشر الآية 9.

من هذا الترحاب العظيم ، استقر المهاجرون في الأرض الجديدة مغلبين مصلحة الدعوة على أي مصلحة  حتى أصبحت الهجرة واجبة لنصرة الحبيب المصطفى  و مد يد الدعم و العون له لإنجاح الرسالة ..و تم التوفيق بإذنه تعالى لما كان لانشراح الصدور من بركة و خير و نصر عظيم..فلما اليوم رجوع بعظائم الأخلاق إلى الوراء و كأنه لم تكن لنا سير و عبر من حياة الرسول صلى الله عليه و سلم و صحبه الكرام ؟..

و من وجهة أخرى نرى في الأسرة المسلمة تناقضات كثيرة في تأييد الباطل و لو كان جهارا ظهارا و طمس الحق و صاحب الحق حتى لا يسمع صوته و يستنتج طلب الحق منه لأنه لا  حق له عندهم..لماذا؟..لماذا تميل الكفة باتجاه الكاذب و المخادع و المنافق و تسقط كفة العدل إلى غير رجعة في عمق طمس كلمات الإقرار لصاحب الحق..ليرحل المثال إلى ما بين الإخوة ..فيكون الدعم لصاحب اللاحق حتى يصبح مكتسبا لحق غير مشروع بتأييد يبدو و كأنه مشروع و لكنه مميع بافتراءات و لفافات من حيل ...ليكثر عدد المؤيدين ضد من قال و الله أنا بريء و لو كان في العدد واحدا...

و لأرباب العمل تجاوزات ملحوظة بعين صغيرة آدمية و لا داعي لمكبر الرؤية حتى تبدو الصورة كبيرة لرئيس العمل و هو يهين مرؤوسه المواظب  و المتقن لفنيات المهنة في دقة جميلة  ليلتف عليه الجمع  في جملة غضب و احتقار لكيانه النظيف و النزيه و السبب انه أتقن العمل...لا أفهم نواميس الكون الآن و لو أنها منتظمة في كواكب سيارة بانتظام دقيق و لكن أضحت عندي مسيرة مجرات حول عيني بسرعة كبيرة لتسارع الضلال و الظهور جليا من انه حق تحيطه الشرعية بكل ضمانات  الشفافية و العدالة..صدقا لم افهم مبررات هذا الخلط في سلوكات لا يضبطها أي رادع حتى الوازع الديني سيغيب عمدا حتى لا يعطى كل ذي حق حقه...

 

و الآن و في الختام ليقف كل واحد فينا وقفة إسقاط على نفسه و ليوجهنا وجهة صحيحة لما نعيشه في عصر عولمة الأخلاق ، كيف لنا الخلاص من مأزق الزور و استرجاع الحق الضائع بتقويم سلوكات و أخلاق تقويما صحيحا يستمد بنوده من كتا ب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟...

و لي سؤال سأطرحه حتى و إن طال الجواب فهو في جيبي إلى إشعار آخر...هل هذه السلوكات نص عليها الإسلام و أعطاها رداءا قانونيا من التشريع الإسلامي النزيه من كل ظن ؟

كلامي ليس بخطبة و لكنه نقاش من القلب إلى القلب و للقلب عودة إلى حيث نبض الحياة لتعود الدورة الدموية إلى مجراها بعد أن عطلتها حركة مرورية غير عادية لما نسميه الحظ مع القوي حتى لو كان على باطل...لا أريد لأجهزة الجسم أن تصاب بشلل في آداء الوظائف خاصة العقل ، لأنه لو أصيب  بانتكاسة الفهم الصحيح  يصبح من الصعب إعادته إلى جادة الصواب في وقت غابى فيه الناصح أو تغابى ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين