الحرب السيبرانية بين «حماس» والصهاينة

الحرب السيبرانية بين «حماس» والصهاينة

فرضت معادلات جديدة بمعركة التحرير

محمد سالم

 

لا تتوقف الحرب بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والصهاينة عند الاجتياحات والاغتيالات، وإطلاق الصواريخ والتوغل؛ فثمة معارك شرسة ساحتها الفضاء الإلكتروني، وقد ألحقت «حماس» بالعدو خسائر موجعة لم يعترف بالكثير منها، رغم إعلان «حماس» عن ذلك أكثر من مرة من خلال الوصول لأرقام هواتف وحسابات لضباط وجنود صهاينة.

تخوض «حماس» الصراع السيبراني مع العدو الصهيوني رغم الحصار، وسيطرة الصهاينة على كل الفضاء الإلكتروني الفلسطيني بحكم الاحتلال للأرض وكل مقدرات الشعب الفلسطيني.

وتعليقاً على هذا الأمر، يقول أشرف مشتهى، المختص في التقنية وأمن المعلومات، في تصريحات لـ«المجتمع»: إن القاعدة الأساسية التي تعمل عليها حركة «حماس» من أي جهاز اتصال مستخدم مثل الهواتف والحواسب يجب أن يكون آمناً ومنفصلاً تماماً عن أي اتصال خارجي، مثل شبكات الإنترنت أو أي شبكات عامة، خصوصاً في المهام الخاصة بالمقاومة، فـ«حماس» لها شبكتها الآمنة لا يستخدمها إلا عناصرها وقيادتها، ولا يمكن لعامة الناس الدخول لها، وهي شبكات آمنة خاصة بالمهام القتالية، والحركة تفرض إجراءات أمنية مشددة على جميع عناصرها؛ بحيث تعمل على التقليل من احتمالية تعرض تلك الشبكات لمخاطر، وهناك تعميمات تكون بشكل مستمر للتعريف بالتحديثات الخاصة بالشبكات والحفاظ عليها من الاختراق.

وفيما يتعلق بمتابعة التطور السيبراني الصهيوني من قبل «حماس»، أشار مشتهى إلى أن هذا موجود خصوصاً بعد تعدد ساحات المعارك مع العدو الصهيوني، بالإضافة للمعركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ حيث إن هناك معارك سيبرانية، وعمليات هجوم سيبراني، أصبحت تمثل تهديداً كبيراً على الكيان الصهيوني، لافتاً إلى أن «حماس» تتابع عن كثب كل ما هو جديد في هذا الموضوع، وهناك مصادر خاصة لـ»حماس» في هذا الجانب، إضافة إلى أن كثيراً من التقارير التي تصدر من الكيان الصهيوني فيما يتعلق بالوحدات الاستخباراتية والسيبرانية تؤكد ذلك، خصوصاً ما أثير مؤخراً عن الوحدة «8200» التي تتبع قيادة أركان الاحتلال، وكذلك الوحدة «9000»، وهي وحدات متخصصة بمتابعة الحرب السيبرانية ومعرفة أماكن الهجوم ومتابعة ذلك.

وأكد مشتهي أن المقاومة وقدراتها السيبرانية غير معروفة، ولكنها لا تقارن مع مقدرات الاحتلال الهائلة في هذا المجال، خاصة أن الاحتلال الصهيوني يسيطر على الفضاء الإلكتروني الفلسطيني.

وأوضح مشتهى أن «حماس» لا تترك أي جهد في سبيل تطوير قدراتها في المجال السيبراني، وما حدث في الحروب السابقة أعوام 2008، و2012، و2014، و2021م من هجمات إلكترونية سيبرانية من قبل «حماس»، مثل اختراق صفحات ومواقع إلكترونية ومؤسسات صهيونية حساسة خير دليل على ذلك، لافتاً إلى أن «حماس» تمتلك عقولاً نيرة وذكاء شديداً، وهذا باعتراف الصهاينة الذين قالوا: إن من يعملون في المجال السيبراني الفلسطيني يمتلكون مهارات عالية جداً وخارقة.

 

الحاضنة الشعبية

وحول من يدعم «حماس» وقدراتها السيبرانية المتطورة، بيَّن مشتهى أن الأمور حالياً صعبة في ظل الحصار الصهيوني المشدد المفروض على القطاع منذ أكثر من 15 عاماً، والمراقبة الشديدة على شبكة الإنترنت التي بات من الصعب استخدامها، لما لذلك من أخطار ومحاذير سواء من قبل المقاومة أو من يدعمها من الدول المساندة، مشيراً إلى أنه في فترة من الفترات كان عناصر «حماس» يسافرون لدول عربية وإسلامية وصديقة، كانت تقدم لهم الدعم والمساندة والتعليم والتدريب في هذا المجال، ونقل الخبرة لقطاع غزة، وربما ظهرت آثار ذلك خلال الحرب الماضية، من خلال استهداف الاحتلال للعديد من المقرات للمقاومة التي كانت تنفذ هجمات سيبرانية على مؤسسات ومواقع الاحتلال الصهيوني المختلفة

وأوضح مشتهى أن الحرب السيبرانية حرب خفية، ولا أحد يعرف تفاصيلها ولا نجاحاتها، ولذلك فالسرية التامة هي أساس العمل، والمد والدعم والحاضنة الشعبية مهمة لدعم هذه الحرب السيبرانية، فهذا يرفع من الروح القتالية لدى المقاومة، والداعمون للمقاومة كثر حول العالم.

وأكد مشتهى أن هناك الكثير من المعارك السيبرانية وقعت بين «حماس» والعدو الصهيوني، وباتت معروفة عمليات الاختراق المتبادلة، ولا أحد يفصح عن تفاصيلها ولا الخسائر التي ألحقتها بالمؤسسات الصهيونية نتيجة تلك الحرب، مبيناً أن حركة «حماس» تعرضت للكثير من الهجمات السيبرانية التي أدت في بعض الأحيان لاستشهاد عناصرها وكوادرها.

ولفت مشتهى إلى أن الحرب السيبرانية التي تخوضها «حماس» لها تأثير على الصهاينة، مبيناً أنه في السابق تمكنت الحركة من خلال جيشها الإلكتروني من اختراق الكثير من المواقع الإلكترونية الصهيونية، ومن أبرزها الموقع الخاص بالمتحدث باسم قوات الاحتلال، وعام 2013م تمكنت عناصر من «كتائب عز الدين القسام»، التابعة لحركة «حماس»، من اختراق مواقع صهيونية، واستمرت عمليات الاختراق ولم تتوقف؛ حيث تم عام 2017م اختراق العديد من أجهزة اتصالات ضباط وجنود صهاينة، وتمكنوا من الوصول للكثير من المعلومات والمحادثات، وكذلك تم الوصول للعديد من المجموعات المغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً أنها كانت تستخدم في التوجيهات وإرسال نشرات مختلفة للجنود والضباط الصهاينة.

وبيَّن مشتهى أن الحرب السيبرانية التي تخوضها «حماس» مع العدو أصابته في مقتل، وألحقت به الكثير من الضربات الموجعة، ولم يعترف بالخسائر نتيجة تلك المعارك المستمرة التي سوف تبقى ويتم تطويرها، لافتاً إلى أن المعركة السيبرانية أشد ضرراً على الصهاينة من الصواريخ التي تطلقها المقاومة، وذلك لأثرها الكبير والمدمر على المؤسسات الصهيونية، لأنه لا يمكن ترميم ذلك، حيث إن تلك الحرب شرسة ومجهولة المصدر، ولا تتوقف وهي في تطور مستمر.

 

أبعاد الحرب السيبرانية

وقد تمكنت حركة «حماس»، وفق اعترافات وسائل إعلام صهيونية، من اختراق العديد من القنوات التلفزيونية، والمواقع الإلكترونية لعدة صحف ومجلات، وبثت فيها رسائل تحذيرية للصهاينة، كما أشارت صحف صهيونية إلى أن حركة «حماس» تمكنت من اختراق ترددات إشارة اللاسلكي التابع لقوات الاحتلال والتجسس عليه، رغم التفوق التكنولوجي الهائل الذي ينفرد به الصهاينة في العالم، والاعتماد بشكل كبير في إدارة المؤسسات والشركات على «الذكاء الاصطناعي».

من جانبه، أكد المختص بالشأن الصهيوني أكرم عطا الله لـ«المجتمع» أن هناك صراعاً سيبرانياً مشتعلاً بين «حماس» والاحتلال الصهيوني؛ حيث يتخذ أشكالاً متعددة عسكرياً ومعلوماتياً، مبيناً أنه في الآونة الأخيرة أصبح الاختراق مستمراً، وسجلت المقاومة العديد من النقاط المهمة في هذا المجال، مبيناً أن الاحتلال الصهيوني يتحكم بالمجال السيبراني بحكم سيطرته على كل مقدرات الشعب الفلسطيني، ومراقبة المعلومات عبر الأقمار الصناعية والأجهزة التكنولوجية فائقة التطور، وقد أحدثت حماس اختراقات في ذلك رغم إمكانيات القوة والسيطرة على المجال الإلكتروني الفلسطيني، الذي يتغذى من الفضاء والشركات الصهيونية.

ولفت عطا الله إلى أن «حماس» تمكنت من كشف أرقام هواتف لجنود صهاينة ونشرها، وهو ما اعتبره الصهاينة حينها يشكل اختراقاً كبيراً، واعترفوا بأن هذا الأمر تكرر أكثر من مرة، وبالتالي، كما يقول عطا الله، هناك قدر من التنافس والحرب السيبرانية بين «حماس» والصهاينة لكنهم لا يعلنون عن ذلك، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «حماس» تعمل بشكل مستمر على خوض هذا الصراع رغم إمكاناتها البسيطة نتيجة الحصار الصهيوني المستمر منذ 15 عاماً؛ حيث تعمل الحركة على مجاراة الحرب السيبرانية مع الاحتلال.

وأكد أن ما يحدث هو ميدان حرب مستمرة غير معلنة، و«حماس» لا تستسلم في هذا المجال وتعمل بكل طاقتها، وقد استفادت بالتأكيد من هذا الصراع السيبراني، وهي حرب أدمغة وعقول وهو صراع نخبوي تعمل عليه فئات نخبوية غاية في السرية تحقق انتصارات كثيرة على الصهاينة في ميادين مختلفة، مستدركاً أن الصراع السيبراني بين المقاومة والاحتلال يشكل خطراً أحياناً على عناصر المقاومة بحكم التقدم الصهيوني الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات الرقمية، وفي مجال إدارة الحواسب بأنواعها المختلفة؛ ما يسهل الوصول إلى مصدر الهجمات السيبرانية وتحديد المكان بدقة، مؤكداً أنه بكل الأحوال فالشعب الفلسطيني يستخدم كل الوسائل رغم التضحيات في سبيل مقاومة هذا الاحتلال لتحرير الأرض والمقدسات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين