الحديث المتعلق بموضوع التدرج في التطبيق

هناك التدرج في التشريع، وهناك التدرج في الدعوة والتطبيق، ومن ظن أن التدرج هو التدرج في التشريع الذي كان في زمن النبوة فقط فقد وهِم، وإليكم البيان:

أما الأول وهو التدرج في التشريع فهو متفق عليه ولا لـَبْس فيه، حيث كان المطلوب من المسلمين في بداية الدعوة هو تحقيقَ الإيمان والمعاني الإيمانية، ثم بدأت ـ بعد ذلك ـ تتنزل الأوامر والنواهي يتبع بعضها بعضا على تباعد.

وأما الثاني وهو التدرج في الدعوة والتطبيق فقد شرَعه صلى الله عليه وسلم وأمر به معاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن لدعوة أهل الكتاب في أواخر العهد المدني، وذلك فيما رواه الشيخان في صحيحيهما عن ابن عباس أنه قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا نحو اليمن قال له "ادعهم إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تـُؤخذ من أغنيائهم وتـُرد على فقرائهم".

فلم يأمره ـ إذا استجابوا لكلمة التوحيد ودخلوا في دين الإسلام ـ أن يخبرهم بكل ما كان قد نزل من الأحكام من الأوامر والنواهي، واكتفى أولا بالأوامر وأجَّل موضوع النواهي، ثم إنه اكتفى بادئ ذي بدء بخصلة واحدة من الأوامر وهي فريضة الصلاة، حيث إنها هي الصلة بين المرء وربه، وأمره أن ينتقل ـ بعد تحقيق القيام بها ـ إلى أداء الزكاة، حيث إنها هي صلة التكافل بين الغني والفقير، ولم يأمر رسولُ الله معاذا بأن يضيف إلى أي من هذين الركنين ـ قبل اكتمال تطبيقه ـ لا أمرا من الأوامر الأخرى، ولا وجوبَ اجتناب أي واحد من المناهي، وذلك على الرغم من أن معظم الأحكام التشريعية في الأوامر والنواهي كان قد اكتمل نزولها وقت بعث معاذ إلى اليمن، لأن وقت بعثه إلى اليمن كان قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمن ظن أن الحاكم المسلم اليوم عليه أن يبدأ بإقامة الحدود وتعزير من يرتكبون المنكرات ـ ولو كانت من المتفق عليه ـ فقد أخطأ خطأ فاحشا، باتباعه الهوى المخالف للسنة.

المطلوب من الحاكم المسلم اليوم أولا وقبل كل شيء هو دعوة الناس للإيمان على هدى وبصيرة، والقيام بواجب تبليغ الدين للناس على الوجه الصحيح، كما قال جل وعلا على لسان رسوله الكريم {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، بحيث يعرف الناس أن الإسلام هو دين الرحمة وأن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة.

وقد يتطلب هذا في مثل أحوالنا القيامَ بحملة توعية واسعة للتعريف بهذا الدين وتحبيب الناس فيه، بمشاركة كافة العلماء والدعاة وكل من عنده إسهام في إيصال هذا الخير للناس.

فإذا أطاعوا لذلك ـ أي في معظمهم ـ فلتكن الدعوة العامة بحملة توعية واسعة لإقامة الصلاة، ثم بعدها لإيتاء الزكاة، ثم يستمر التدرج المرحلي حتى يشمل أحكام الدين كافة، على ما جاء في القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية الثابتة.

ومن الجدير بالتنبيه عليه أن هذا التدرج هو في الوضع المجتمعي العام، وهذا لا ينافي أن يسأل بعض الأفراد أهلَ العلم عن بعض أحكام الإسلام فيجيبوهم ببيان الحكم بما لا يخرج عن دائرة الحكمة، {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}.

 والحمد لله رب العالمين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين