الحدود بين الغلو والرفض ضوابط وموانع (1)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

إن الحفاظ على أمن المجتمع مقصد رئيس من مقاصد الشريعة الإسلامية، ومن أجل الحفاظ على أمن المجتمع شرع الله تعالى عقوبات لعدد من الجرائم المرتكبة في المجتمع، وتنقسم هذه العقوبات في الشريعة الإسلامية إلى عقوبات حدية وتعزيرية.

فالعقوبات الحدية (1): هي التي حدها الله عز وجل في كتابه الكريم لجرائم معينة خطيرة تمس أمن المجتمع، وتهدف هذه العقوبات إلى حماية المجتمع من الجريمة، والتقليل من وقوعها قدر الإمكان، فكانت هذه العقوبات زاجرة للمجرم رادعة لغيره، وقد اقتصرت العقوبات الحدية على جرائم خطيرة محددة لغايات معينة، ولا يجوز تجاوزها لغيرها من الجرائم.

وبالرغم من تشريع العقوبات الحدية إلا أنه وجدت ضوابط وموانع كثيرة من قيام هذه الحدود عند وقوع الجريمة الحدية بحيث إذا توافرت يسقط الحد ويستبدل بها عقوبة تقررها السلطة القضائية المختصة. 

فالشريعة الإسلامية لم تتشوف إلى إيقاع العقوبة، ولا تعتبر إيقاع العقوبة هدفًا رئيسًا بمقدار ما تتطلع إلى حماية المجتمع، والحفاظ على أمنه وسلامته إلا أنه عند التعارض بين المصلحة العامة وهو الحفاظ على أمن المجتمع، والمصلحة الخاصة وهو إيقاع العقوبة كان لا بد من تقديم المصلحة العامة على الخاصة.

لذلك إن استقرأنا كتب السيرة نلاحظ أمرين اثنين، الأول: أن العقوبات الحدية التي طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المجرمين كانت قليلة جدًّا، والأمر الثاني: أن المجرم عندما يأتي معترفًا بالجريمة الحدية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاول أن يصرفه ولا يقيم عليه الحد. 

وقد أثارت قضية الحدود في الشريعة الإسلامية جدلًا واسعًا، وكانت منفذا تسلل منه المستشرقون لضرب الدين الإسلامي وتشويه صورته، من خلال تصوير هذه العقوبات بأنها عقوبات قاسية تتنافى مع حقوق الإنسان وكرامته وآدميّته. 

وبالمقابل فإن الممارسات الخاطئة في تطبيق الحدود من جماعات الغلو التي أرادت أن تطبق الشريعة الإسلامية وظنت أن تطبيق الشريعة الإسلامية يكون بدءًا من تطبيق الحدود في المجتمع؛ كان لها أثر كبير في تشويه قضية الحدود ومقاصدها؛ إذ اعتبرت أن تطبيق الحدود ومعاقبة الجناة مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية فأساءت للإسلام من حيث حسبت أنها أحسنت إليه، وشوهت قانون العقوبات في الإسلام بسبب التطبيقات الخاطئة للحدود، وجهلت أنه قبل الحديث عن تطبيق الحدود لا بد من تعليم المجتمع وتوعيته، وتوفير وسائل الأمن، ومقوماته للمجتمع.

صحيح أن الشريعة الإسلامية أمرت بتطبيق الحدود حماية للمجتمع من الجريمة، وكانت الغاية الأساسية من هذه الحدود هو قاعدة الردع والزجر بحيث تقضي على أسباب الجريمة بشكل كامل وتستأصل شأفتها، إلا أنه يوجد ضوابط لهذه الحدود عند تطبيقها لا يمكن تجاوزها، ومن يتجاوزها يعتبر معتديًّا متجاوزًا للحق العام، إذ لا يعتبر تطبيق الحدود مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية، وإنما وسيلة من وسائل الإصلاح العام. 

لقد تكلم الفقهاء كثيرًا عن ضوابط إثبات الحدود وإيقاعها على الجناة أو إسقاطها عنهم في كتب الفقه والسياسة الشرعية وغيرها، وقد حرصت في هذا البحث على جمعها وضبطها، ومن هذه الضوابط ما اتفق فيه الفقهاء، ومنها ما اختُلف فيه، وقد صنفت هذه الضوابط إلى ثلاثة أنواع:

ضوابط سقوط الحد- ضوابط وسائل إثبات الحد- ضوابط إقامة الحد.

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

===-

(1) وهي خمسة عند الحنفية: حد السرقة ويدخل فيه حد الحرابة والبغاة، وحد الزنا، وحد الشرب، وحد السكر، وحد القذف، ودخل فيها عند بعض المذاهب حدي القصاص والردة، انظر الفقه الإسلامي وأدلته: 7/5276

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين