الحج فوائد ومنافع دينية ودنيوية

 

 
-?-
 
من المعلوم لدى كل مسلم واع أن أمور الشرع الحنيف وفرائض الدين وتعاليم الإسلام العظيم الذي أكرمنا الله به قد روعي في تشريعها دائما أن تكون ذات نفع دنيوي وأخروي، فردي وجماعي، هذا النفع وهذا الخير يكون للمسلم كفرد وللمسلمين كأمة وجماعة متى أديت العبادة بشروطها وجاءت  على وجهها الصحيح كما أمر الله عزوجل وبين رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم 
ولعل هذا النفع الفردي والجماعي هو المقصود مثلا في شأن صلاة الجماعة من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم  :( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)
والحج من العبادات التي يتحقق فيها للفرد المسلم والأمة الإسلامية منافع عديدة متى التزم الناس في أدائه بالآداب والسنن وأدوه على الوجه الصحيح واتبعوا رسول الله العظيم ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم القائل :(خذوا عني مناسككم ).
 
1-أول فائدة تعود على المسلم من أدائه للحج هي :أن الله أكرمه ووفقه ويسر له السبل ومن عليه من فضله وكرمه لأداء هذا الفريضة وهذا الركن العظيم من أركان الإسلام فكم من المسلمين يعيشون ويموتون ولايتمكنون من تأدية الحج بل معظم المسلمين لايتمكنون من الوصول لمكة المكرمة وتأدية الفريضة لضيق ذات اليد وعدم الاستطاعة  لأي سبب من الأسباب المانعة،  ولذا من رحمة الله عزوجل أن فرضه على المستطيع فمن وفقه الله وأدى فريضة الحج فليحمد الله عزوجل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات والأرض وملء ماشاءالله من شئ بعد  على هذه النعمة وهذا الاختيار له من ربه تبارك وتعالى وهذه منفعة كبيرة وفائدة عظيمة امتنّ الله بها عليه ( قل بفضل وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) 
2-ثانيا من الفوائد والمنافع التي تعود على المسلم من حجه :تلك المعاينة والمشاهدة المثيرة لوجدانه ومشاعره حينما يطالع بيت الله الحرام وهو الذي طالما توجه إليه في صلاته إنه الآن أمام الكعبة المشرفة التي كان يتخيل مشهدها ويرى صورتها ويتشوق للطواف حولها كلما تذكرها أو اتّجه إليها في صلاته ووقف بين يدي ربه الجليل عزوجل هذه المشاهدة وتلك المعاينة تربط المسلم ربطا مباشرا بأمور دينه وتعاليم إسلامه، وهي مشاهدة تتم في جو  روحاني رائع عظيم أقبل فيه الملايين من المؤمنين على ربهم بإخلاص نية ونقاء عقيدة وصفاء قلب وانكسار نفس للملك الجبار العزيز الغفار 
وبهذا الشعور الطيب المريح  والمطهر والمطمئن  للنفس  وبتلك الأحاسيس الجياشة بكل معاني الخير يتحقق للمسلمين الحجيج  أعظم حياة وهي حياة القلوب
وهذه من أجل النعم وأعظم الفوائد قال عزوجل :( ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )
3-ثالثا: من الفوائدالمهمة أيضا أن المسلم وقت أدائه للحج يظل وقتا طويلا ويقضي  فترة قد تمتد شهرا من الزمن وهو طوال هذه المدة  لاهم له ولا شئ يشغله إلا ذكر الله عزوجل والدعاء والتلبية والطواف والصلاة في جماعة في الحرم المكي أو المدني والتجرد لله جل جلاله وعظم سلطانه من كل شواغل الحياة الدنيا فلقد ترك الحاج وطنه وأهله وعمله وماله وأتى هذه البقاع الطيبة ليفرغ نفسه لطاعة الله عزوجل  والقرب منه أكثر عساه أن يتفضل عليه برحمته وفضله وإحسانه لقد قضى هذا المسلم الحاج عمرا مديدا في أمور دنياه ومعاشه العاجل وحق له الآن أن يهتم بعمل شئ لمصيره الآجل وليس كهذه الأعمال التي يقوم بها من ذكر ودعاء وتلبية وغيرها من العبادات وسيلة إلى التقرب من ربه العظيم الغفور الشكور ذي الجلال والإكرام وهي عبادة وذكر يحدث في أطهر بقعة وأشرف مكان على وجه الأرض وفي ظروف تجرد تامّ في زمن ومكان يرفع فيه الدعاء إلى مستوى الإجابة قال تعالى :( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ويقول أيضا: (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله )(وقال ربكم ادعوني استجب لكم).
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  (إن داود النبي صلى الله عليه وسلم قال:إلهي مالعبادك عليك اذا هم زاروك في بيتك؟ قال:إن لكل زائر حقا على المزور ياداود:لهم على أن اعافيهم في الدنيا وأغفر لهم إذا لقيتهم)
4-رابعا من الفوائد والمنافع التي يحصلها المسلم من حجه :أنه يعيش في فترة حجه وأدائه المناسك تجربة تربوية عجيبة لايمكنه أن يعايشها أو يتعرض لها طيلة حياته سوى أثناء تأديته مناسك هذه العبادة الجليلة وذلك أن الشريعة الغراء تلزمه وتفرض على سلوكه رقابة صارمة لاتفوت له أدنى مخالفة بل إنها تفرض عليه غرامة مالية كالذبح والصدقة أوبدنية كالصيام إذا ارتكب  مخالفة من المخالفات أوأتى فعلا من المحظورات وقد جاء ذكر بعض هذه المحظورات في مثل  قوله تعالى :( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق ولاجدال في الحج )وقوله تعالى :( وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما)والسنة النبوية المطهرة فصلت في ذلك فعلمنا منها أن المحرم لايأخذ من شعر رأسه وجسده ولايقص أظافره ولايمس طيبا ولايلبس الرجل الملابس العادية ولايغطي رأسه إلى غير ذلك من محظورات الإحرام والتي لو فعلها متعمدا استوجب فرض عقوبة عليه كما ذكرنا سابقا وهي صدقة أو إهراق دم أوصيام وهذا كله يتم ضبطه وإحكامه وتنفيذه بواسطة المسلم الحاج نفسه وليس بواسطة سلطة دينية أو دنيوية فالإسلام العظيم هنا يجعل من المسلم  رقيبا على نفسه يحاسبها ويضبط أهواءها ويقرر عقوبتها بما الزمه الله عزوجل من شرع 
فنحن نجد العبد هنا في وقت واحد متهما أو مدانا إذا ارتكب المخالفة وقاضيا يحكم على نفسه بشرع الله عزوجل ومنفذا للحكم والله وحده هو المطلع والرقيب على العبد  يرى تصرفه ويسجل نزاهة فعله وخشيته وحسن طاعته  لخالقه ومولاه في موسم الذكر والتلبية والتقرب والدعاء وفي هذا كله أعظم تربيةوتأديب لنفوس المؤمنين وضمائرهم ينتفعون بهامدة حياتهم
5-خامسا:من المنافع والفوائد كذلك مايعود على المسلمين من رواج اقتصادي وكسب مادي من خلال ممارستهم التجارة الحلال التي أباحها الله  أثناء الموسم وقبله وبعده لأنه ليس من الممكن أن تستقيم وتسير حياة هذا التجمع الكبير والحشد العظيم دون تجارة وصناعة توفر لكل حاج إحتياجاته من طعام وشراب ولباس ومسكن وغير ذلك من متطلبات الحياة وفي ذلك منافع عظيمة تفضل الله عزوجل بها على أهل الموسم وهو ما يدل عليه قوله تعالى :( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )، وقوله سبحانه  (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله )، ويتضح من السياق أيضا حكمة الباري سبحانه وتعالى في تقديم المنافع على ذكر الله ذلك لأن هذه المنافع التجارية تتوقف عليها حياة الملايين من حجاج بيت الله كي يستطيعوا أن يؤدوا ما طلب منهم وكلفوا به من ذكر الله عزوجل في أيام معدودات وكما تقول القاعدة الأصولية :(مالا يتم الواجب به فهو واجب )
6-سادسا :من أعظم ما تحققه فريضة الحج من منافع هو إجتماع هذا الحشد الضخم من المسلمين الذين أتوا من كل فج عميق من سائر أنحاء المعمورة ومن المستحيل أن يجتمع مثل هذا العدد في مكان آخر من أصحاب القلوب النقية والنفوس التقية في مكان واحد لهدف واحد ووجهة واحدة ويهتفون بنداء واحد تردده معهم الأودية والجبال يتصاعد إلى عنان السماء :(لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك  لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك )هذا الحشد العظيم في الحقيقة أصدق ما يمثل الأمة الإسلامية وليت المسلمين حكاما ومحكومين ينتبهون لذلك  ويعملون على حل مشاكلهم خلال اجتماعهم في موسم الحج لوأرادوا وأول هذه المشكلات في عصرنا هي في بعد كثير من المسلمين عن عقيدتهم الصحيحة وتنكر الكثيرين لكتاب ربهم وسنة نبيهم فإذا جاء هؤلاءالحجيج تاركين وراءهم شواغل الدنيا حاملين هموم أوطانهم كان من الخير لهم ولذويهم وبني أوطانهم أن يعرضوا هذه الهموم والمشكلات للتدارس والمناقشة في هذا التجمع والمؤتمرالمبارك الضخم الكبير ويعملوا على إيجادالحلول في هذا الجو الروحاني الطاهر الشريف
فمشكلات المسلمين ازدادت وتضخمت وزاد من تعقدها تفرق المسلمين وتمزق وحدتهم وارتماء البعض في أحضان السياسات الجاهلية وتنكرهم لكتاب ربهم وسنة نبيهم وشريعته الغراءو التي هي أساس وحدتهم ومصدر عزتهم ونتج عن كل ذلك المصائب والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولاحل لكل ذلك إلا بالعودة الصادقة النبع الصافي إلى الإسلام الصحيح الخالي ن البدع والخرافات والتزييف والتلبيس على عباد الله والحج فرصة لمدارسة كل هذه الأمور إن خلصت النوايا وأراد المسلمون الخير لأنفسهم والتمكين لدينهم هذا الحج أيضا فرصة كبيرة للتذكير بآلام بعض الشعوب التي ما زالت تئن تحت  سياط الغاصب المحتل كالشعب الفلسطيني الأبي وفلسطين جزء غال عزيز من أرض الإسلام أرض باركها الله عزوجل وبها  المسجد الأقصى المبارك موطن الإسراء ومهبط الرسالات السابقة على رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم 
والذي يفعل الصهاينة المجرمين الأفاعيل به وبأهله المنافحين عنه والصامدين فيه، والمتحصنين به واجب على المسلمين وحكامهم العمل الدؤوب والسعي والجهاد لتخليص  بيت المقدس من دنس الصهاينة المجرمين.
 والحج فرصة عظيمة للتذكير بذلك أيضا مشاكل المسلمين في العراق وأفغانستان وجامو وكشمير و واليمن وسوريا ومصر وليبيا وغيرها من دول الإسلام التي إما تعاني من محتل غاصب يستغل ثروات البلاد ويشردالعباد، أوحاكم ظالم فاسد وحكومة ظالمة مجرمة يذيقون شعوبهم الويلات ويسومونهم سوء العذاب دون ذنب أوجريرة سوى أنهم يطالبون بحريتهم التي منحهم الله إياها وبحقهم في أن ينعموا بثروات بلادهم  ويسود العدل مجتمعاتهم  ويعيشوا العيش الكريم.  
فهل يمكن للمسلمين وخاصة أهل الحل والعقد منهم  من العلماء والعقلاء والحكماء  أن يلتقوا على خير في هذا الموسم المبارك ويدرسوا مشاكل الأمة ويخرجوا ببعض النتائج والحلول أوالاقتراحات لحل هذه المشكلات والأزمات هذا في الحقيقة مانتمناه ونؤمل فيه وليس على الله ببعيد.
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )
تلكم هي بعض الدروس التي يمكن الإفادة منها على مستوى الفرد والجماعة، وهي تصلح للتأمل واستخراج مافيها من عبرتتحول مع صدق النية وحسن التوجه إلى عمل مثمر نافع دنيا وأخرى .
وفي الختام أسأل الله العظيم أن يوفق الحجيج ويعينهم على أداء مناسكهم كما أمر الله تعالى وبيّن رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يكون حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا، وأن يعودوا لديارهم سالمين غانمين مقبولين والحمد لله رب العالمين. 

 

المقال الثالث هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين