الحب في زمن الكورونا (2)

لقد طال الزمن ونحن نمعن في القطيعة .

شابت الرؤوس ،وترهلت الأجسام ،وثقلت الحركة ،وتبدل الشباب شيوخاً، وبدا جيل جديد لايحمل من جينات آبائه إلا البغضاء وقد تورمت أوداجها ،واسودّ طالعها ،ونبتت قرونها على حروب بين الأهل ذوي الجد الواحد قبل أن تبلى عظامه من أجل حطام بئيس من عرض الدنيا الفانية .

البيوت تقابلها البيوت ..

والشبابيك تواجهها الشبابيك ..

الأسطح تتواصل مع الأسطح ..

وحبال الغسيل تعرض مقاسات متطابقة لمخلوقات بنفس التكوين .

ولوتكلمت الحجارة لنطقت بحب من عمرها ورصفها لتكون عوناً للذرية على عوادي الزمان .

لكن الدرهم در ّ هماً بين أخوة الدم الواحد،

والدنانير أحرقت الدنى بنير هواها لمّا استحكمت بنفوس خواء .

وليتها نفعت ..

لقد تشتتت في دروب المحاكم واستئناف الأحكام رشى ً وأتاوات .

كماتشتت ورثتها عن وصية أحبابهم وكانوا عيداناً مكسورة منخورة .

واليوم تضج البلدة بالكورونا القاتلة ..

وتزحف على جديد الأحياء وقديمها ،

والناس يرضخون لحكمها خوفاً على الأرواح، فلا غدوّ ولارواح .

ثمة شباك لاتطفؤ أنواره من ليلتين ؛

ماالأمر؟

-ابن أخي عدنان أصابته الحمى،هكذا أخبرني جارنا البعيد .

إن اسمه مثل اسم والدي وولدي

عدنان كم حملته صغيراً

عدنان لاذنب له هوالشاب الجميل الخجول 

لكنه لايعرف أعمامه جيداً ..

وفي هدوء الليل ،

أسمع نشيج أخي وهو يبكي بحرقة

صوته مزق فؤادي

آه ياوجع السنين الجافيات

ليتنا نعود كما كنا، صوتك ياأخي يشبه صوت أبي كأنه هو .

كل الشبابيك مضاءة

كل الشبابيك تبكي

وهل ينفع البكاء إذاعم البلاء .

-أبي ياأبي

أخي رضوان يهذي

أخي يرتعش .

ويهرع الأب مكسوراً جزعاً

ويمنعه عدنان ابنه الأكبر

-لا ياأبي لا نستطيع المساس به

كنت أراقبه من البارحة

كلنا في خطر .

لاندري من سيودع من

ولاندري اليوم من سيرث من

إذا بقي لنا من الإرث غير البغض والكراهية .

ماالعمل

سنخسر رضوان وكلنا مهددون

وأقبل أبو عدنان مسرعاً نحو شباك غرفته الكبير وفتحه رغم إغلاق السنين

رغم أعشاش الحمام

فتحه ونادى :ياأخي عبد العزيز

ياأخي عبد العزيز

ولم يتأخر عبد العزيز إذ فتح شباكه وقد تكلس خشبه بفعل هجران السنين

-رحم الله أبانا وجدنا

-ماذا تريد

-كيف حال عدنان

-الآن آلمك حال عدنان أين أنت من غابر السنين ؟

-أخي اليوم ولدك وولدي وغداً أنا وأنت

ماعادت الأيام تطيق خصومتنا

ماتريده من المال سأضعه تحت حذائك وما كان مني ومنك ندفنه اليوم قبل أن ندفن .

- بهذه البساطة

- نعم ياأخي سامحتك ولتسامحني ، ولنطو صفحة الماضي بكل مافيه .خذ كل ماتقول أنه لك خذه وسأشهد على ذلك

- وجراحات السنين وشماتة الأعداء

- لاتفلسف التوبة ،تجاوز كل ذلك ،كم أنا مشتاق إليك ياأخي أدركت ذلك متأخراً لكنه قبل فوات الأوان .

- لقد فات الأوان ولتبق في حسرتك . ..و أغلقت النافذة بصد ماله رد إلا هزيم الريح العاتية .

قبيل الفجر كان رضوان قد فارق

الحياة ،وعدنان في النزع الأخير لم تنسلّ أنفاسه من الدنيا إلا مع خيوط الشمس الأولى ونشيج القلوب المكسورة لايرد صداها شباك مغلق .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين