الجهاد بالمال في سبيل الله تعالى

ياسر محمد حجازي
   إن الجهاد كما يكون بالنفس والقلم واللسان – بالدعوة والدعاء- يكون بالمال , بل إن المال هو عصب الجهاد القتالي  يسبقه ويرافقه ويبقى بعده.
والنفس لا يهون عليها التكليف إلا إذا علمت بالأجر والثواب الذي ينتظرها مكافأة على تضحياتها , ولذلك تكفلت نصوص القرآن والسنة ببيان الأجر العظيم الذي ينتظر المجاهد بماله في الدنيا والآخرة
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 (من جهّز غازياً في سبيل الله فقد غزا , ومن خَلَفَ غازياً في أهله بخير فقد غزا )  
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( من جهز غازياً في سبيل الله فله مثل أجره , ومن خلف غازياً في أهله بخير , أو أنفق على أهله فله مثل أجره )  
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( من أرسل نفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم)
وأقلّ ما يقدمه المسلم لإخوانه في مثل هذه الظروف الحرجة المال , وخذلان المسلم لإخوانه أو التهاون في مناصرتهم ورفع الظلم والاضطهاد عنهم ذنب عظيم عقوبته تُعَجَّل في الدنيا قبل الآخرة
عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مسلماً في موضع تُنتهك فيه حرمته, ويُنْتَقَصُ فيه من عرضه , إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته, وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته)
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( من أُذِل عنده مؤمن فلم ينصره , وهو يقدر على أن ينصره , أذلّه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة)
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من أعان مجاهدًا فى سبيل الله أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)
فجهاد المسلم بماله ونصرته لإخوانه بالمال يرضي ربه سبحانه وتعالى
وجهاد المسلم بماله ونصرته لإخوانه بالمال يشعره بانتمائه لأمته الإسلامية وبانضمامه للصف المسلم
وجهاد المسلم بماله ونصرته لإخوانه بالمال يملأ نفسه بمشاعر الأخوة الإيمانية, ويخلصه من داء الشح والبخل الأنانية
وجهاد المسلم بماله ونصرته لإخوانه بالمال يقضي على شعور الهوان والاستصغار في نفسه, ويريحه من جلد الضمير وعذابه
وجهاد المسلم بماله يؤكد لنفسه أولا وللآخرين ثانيا أن أخوة الإيمان والعقيدة أقوى من أخوة الدم والنسب , وأن الجرح في أي جزء من أعضاء الجسد الإسلامي الكبير يؤرق ويؤلم ويوجع جميع الجسد لأنّ الإسلام وحد بين المسلمين ، وأوجدبينهم تحالفاً شـاملاً يقتضي التناصر والتعاون بينهم على من قصـد بعضهم بظلم ، وهذا ليس نافلة ومن باب مكارم الأخلاق بل فرض أوجبه وقرره الله تعالى في كتابه بقوله تعالى:
  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ سورة الحجرات 10
وقوله:  وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ  سورة التوبة 71
ولا يسقط فرض الجهاد بالمال عن كل مسلم مهما قلت استطاعته وذات يده إلا بحصول الكفاية في عدد المجاهدين وعددهم ورعاية أسرهم, ورعاية أسر الشهداء من بعدهم
ورسول صلى الله عليه وسلم صور بأحاديثه حقيقة المجتمع الإسلامي ومبلغ تكافله وترابطه وتضامنه فقال صلى الله عليه وسلم :
( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) وشبك بين أصابعه.  
وليس أبناء الإسلام أفرادًا متناثرين ، كل منهم يعيش منفصلاً عن غيره, بل كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )             
وعن سيدنا علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(المؤمنون تكافأ دماؤهم , وهم يد على من سواهم)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله)   
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"قوله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم ) هذه إخوة الإسلام , فإنّ كل اتفاق بين شيئين يطلق بينهما اسم الأخوة , ويشترك في ذلك الحر والعبد والبالغ والمميز , قوله ( لا يظلمه ) هو خبر بمعنى الأمر , فإن ظلم المسلم للمسلم حرام , وقوله ( ولا يسلمه ) أي لا يتركه مع من يؤذيه , ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه , وهذا أخص من ترك الظلم , وقد يكون ذلك واجبا وقد يكون مندوبا بحسب اختلاف الأحوال"  
وقال الإمام النووي رحمه الله :
"(لا يخذله) قال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصر , ومعناه إذا استعان
به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي"  
    هكذا يُنمّي الإسلام  في نفس كل مسلم الشعور بالمسؤولية الجماعية، والانتماء العضوي لجماعة المسلمين , ويدفعه إلى مساعدة إخوانه جميعاً بباعث الإيمان الذي يربطه بإخوته في العقيدة برباط متين لا تنفصم عراه.
فلذلك كان من المستغرب جداً أن يضن المسلم على إخوانه المجاهدين بدراهم معدودة ، ويخذلهم وقت محنتهم !!!
والحقيقة أنه لا يسع "مسلماً يؤمن بالله والدار الآخرة ، ويوقن بالأخوة الإسلامية ، ويعتز بالانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس ، ويفهم أن المسلمين على اختلاف ألسنتهم وألوانهم أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم، وأن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم , أقول: لا يسعه أن يسمع ويرى مآسي أمته في كل مكان ، وما يلقاه إخوانه هنا وهناك من إبادة مادية تتمثل في التقتيل والتنكيل ، أو معنوية تتمثل في التنصير أو على الأقل : التجهيل والتضليل ، ثم يمسي ويصبح قرير العين ، ضاحكاً مِلء سِنه ، نائماً ملء جفنيه ، بل لا بد أن يخامره شعور قوي وأكيد بضرورة التصدي والمواجهة"
و"الدفاع عن حرمات المسلمين والوقوف معهم في المحن واجب شرعي, ولا يجوز للمسلم أن يُسْلِمَ أخاه المسلم لأعدائه من الكفار والباطنية والمنافقين, ونحن في موقف المساءلة يوم القيامة سنُسأل :
ماذا فعلنا لنصرة إخواننا عندما أهريقت دماؤهم , واستبيحت أعراضهم وأتلفت ممتلكاتهم وشردوا في كل صقع ومزقوا شذر مذر ؟!
ماذا فعلنا لنصرتهم عندما أرهقهم الخوف وأفناهم الجوع ؟!
ماذا فعلنا لنصرتهم وقد لفتهم الأحزان وتعالت منهم الآهات وتألمت لأجلهم الآلام ؟!
ماذا فعلنا لنصرتهم وقد خرجوا من ديارهم هائمين على وجوههم لا يلوون على شيء ، يتساقطون على الطرقات موتى لا يجدون من يدفنهم؟!
هل نصرناهم بالأنفس ؟!
هل نصرناهم بالمال ؟!
هل نصرناهم بالدعاء ؟!
هل نصرناهم بالدفاع عنهم في المحافل داخلياً وخارجياً ؟!
هل حاولنا أن نستشعر في نفوسنا ما يشعرون هم به حقيقة وواقعاً ؟!
أين أمة المليار مما يجري في بلاد المسلمين ؟!
إن المسلم الحق له في قلبه عينان :
عين على الدنيا ، وعين على الآخرة؛ فكأنما يبصرهما جميعاً في آن واحد ، فيجعل دنياه حرث آخرته , فهل نجعل من نصرنا لإخواننا المسلمين في كل مكان زاداً لنا عند لقاء ربنا؟!"  


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين