الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض

نص الاستشارة :

السلام عليكم ورحمة الله

كيف نوفق بين حديث: (لا تمس النار مسلما رآني)، وحديث آخر معناه (أن صحابيا غل شملة فهو في النار)؟ وشكرا

الاجابة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هذان الحديثان ظاهرهما التعارض، لكن يندفع التعارض بما فسَّره عدد من شراح الحديث، فالحديث الأول تأوله عدد من أهل العلم، كما سيأتي بعد قليل، والحديث الثاني خرج مخرج المبالغة للتهديد والوعيد فيمن يغل شيئا من الغنائم. وفيما يلي تخريج الحديثين وذكر عدد مما قاله شراح الحديث:

الحديث الأول رواه الترمذي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصاري. وروى علي بن المديني، وغير واحد من أهل الحديث عن موسى، هذا الحديث.

والحديث بتمامه: عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني» قال طلحة: فقد رأيت جابر بن عبد الله وقال موسى: وقد رأيت طلحة قال يحيى: وقال لي موسى: وقد رأيتني ونحن نرجو الله.

وتوجد أحاديث عديدة بهذا المعنى. وقد تأولها العلماء أو حملوها على التغليب، أو على سعة فضل الله وكرمه، كما سيأتي بعد قليل.

أما الحديث الآخر، فرواه الإمام مسلم وغيره، ولفظه:

عن عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم خيبر، أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها - أو عباءة -» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابن الخطاب، اذهب فناد في الناس، أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون»، قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.

قال الإمام ابن عبد البر في (الاستذكار): وهي أحاديث قد عارضها من صحيح الأثر ما أخرجها عن ظاهرها وليس هذا موضع ذكرها منها قوله صلى الله عليه وسلم ((من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة)) وقوله صلى الله عليه وسلم ((من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن)) ويروى ((دخل الجنة)) والآثار مثل هذا كثيرة والحمد لله.

أما عن شرح الحديث الأول فذكر شراح الحديث كلاما حوله:

منهم ما قاله الصنعاني: في (التنوير شرح الجامع الصغير): (لا تمس النار) في الآخرة (مسلمًا رآني) بكرمه له - صلى الله عليه وسلم - أو لأنه يشفع لمن رآه أو لأنه يوفق من رآه فلا يموت إلا موفقًا (أو رأى من رآني) وهو حكم أغلبي وفيه شرف من رآه ومن رآى من رآه.

قال ابن المَلَك بن فِرِشْتَا الحنفي، في (شرح المصابيح): فيه دليلٌ على فضل الصحابة على غيرهم، وفضل التابعين على أتباعهم.

قال المناوي، في (فيض القدير): أي: غالبا فتمس بعض من رأى من رآه للتطهير. وقال المناوي أيضا في (التيسير بشرح الجامع الصغير): المُرَاد: نَار الخلود.

قال الشيخ: رشيد أحمد الكنكوهي، في (الكوكب الدري على جامع الترمذي): والموت على الإسلام شرط، وإلا لم يصدق عليه أنه مسلم، ووجه عدم المس مع أن وقوع المعاصي غير منكر، ما هم عليه من شدة مراقبة الله تعالى، فلا يتراخون في المتاب، أو رجحان الحسنات على السيئات لو سلم الموت من غير توبة، ولكن يشكل عليه بعض ما ورد في الأخبار من القصص التي هي مشعرة بخلاف ذلك كما ورد.

ثم علق على كلامه الشيخ: محمد زكريا بن محمد يحيى الكاندهلوي، فقال:

ولعل الشيخ لم يذكر الروايات في ذلك عمدًا فإن خاطري أيضًا لا يطيب باحصاءها، لكنها لا تخفى على من نظر كتب الحديث، كحديث الشملة، والمعذبين في القبر بالنميمة والبول على القول بإسلامهما، وغير ذلك، وكذا ما ورد في قاتل عمار، ومبغض علي والحسين رضي الله عنهم أجمعين، والجواب عن حديث الباب ظاهر، على أن المرجو من كرمه تعالى أن لا يدخل النار أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كما يدل عليه ما ورد في الروايات من فضلهم، كما تقدم شيء من ذلك. اهـ.

مما تقدم من شروح للحديث يندفع بها التعارض الذي يظهر لأول وهلة من ظاهر الحديث، والله أعلم.


التعليقات