الجبال التي أخفاها هيكل في حرب السويس

 

 

تقتصر معرفتنا على دور #سوريا في حرب السويس على تفجير أنابيب البترول، وبطولة جول جمال في إغراق المدمرة الفرنسية. لكننا لم نعرف أبدًا أن هجومًا عربيًا كبيرًا على إسرائيل من جبهتي الأردن والجولان تشارك به ثلاث دول عربية قد أبطله جمال عبد الناصر قبل بدئه بساعة واحدة فقط.

وأروي هذه الوقائع نقلا من مذكرات قائد قوة الهجوم السورية من الجبهة الأردنية العقيد محمد سهيل العشي، وهو قائد متمرس درس في كلية أركان الحرب في إنكلترا، ومدرسة الحرب العليا في فرنسا، وقائد سابق لسلاح الطيران وللكلية الحربية. وكذلك من مذكرات قائد لواء المدرعات أحمد عبد الكريم، وعبد المحسن أبو النور أحد الضباط الأحرار والملحق العسكري المصري في سوريا.

فقد بدأ العدوان الإسرائيلي على مصر الساعة الخامسة عصرًا يوم 29 أكتوبر 1956. فتحركت القيادة السياسية السورية على الفور، واجتمعت، ودرست المستجدات، وحزمت أمرها واتخذت قرارها، وأعطت أمرًا صريحًا لقيادة الجيش بشن الحرب الشاملة على إسرائيل من جبهتين بغية احتلال نصف إسرائيل الشمالي لجر الجيش الإسرائيلي بعيدًا عن الأراضي المصرية. 

وقامت قيادة الجيش بدراسة الموقف وإعداد الخطط خلال تلك الليلة وتم استدعاء العقيد سهيل العشي في الصباح الباكر لتنفيذ الجزء الخاص به من قرار الحرب، كل ذلك خلال أربع عشرة ساعة فقط. 

وكلفته بقيادة ما سُمِّيَ "بالجَمْهَرة السورية الأولى" المشكَّلة من لواء المشاة الثالث، ولواء المدرعات المتمركز في درعا، إضافة لفوج مدفعية، وفوج هندسة عسكرية. وكلفته بمهمة هجومية ضد إسرائيل فجر يوم 31-10 على أن تبلغ القوة خط الهجوم في نابلس بالأردن عند منتصف الليل وأن تبدأ الهجوم في الثالثة فجرًا، وعلى أن تكون هذه الجمهرة تحت تصرف القيادة الأردنية.

ولم يكن هذا شأنًا داخليًا سوريًا محضًا، وإنما جرى بالتنسيق مع مصر التي تجمعها مع سوريا قيادة عسكرية مشتركة، أُنشئت عام 1955، ومع الأردن، التي اتُفِقَ على تشارك بفرقة مدرعة في الهجوم الذي سينطلق من جبال نابلس، ومع العراق الملكي الذي تعهّد أن يرسل فورًا قوات دعم لمؤازرة الجيشين السوري والأردني. كل ذلك خلال هذه الساعات الأربع عشرة نفسها. ويصف العقيد سهيل العشي قصته عما فعله بعد تلقيه الأمر من القيادة العامة للجيش السوري، فيقول:

"واستعملت كل الوسائل لإعلام العسكريين المأذونين بالالتحاق بالسرعة القصوى"، "وأصبحت مكاتب أركان اللواء في قطنا ورشة عمل دائم سواء للعمل داخل اللواء أو للاتصال بمختلف الوحدات المنضمة للجمهرة"، "وقد حضر جميع عسكريي اللواء، وقبضوا رواتبهم، وتأهبوا للمسير، وأخبروا أسرهم بالمجيء إلى ثكنات قطنا لقبض رواتبهم"، "وأصدرت أوامري بالتحرك الساعة الثالثة عصرًا".

وفي منتصف الليل 30 كما هو مخطط تمامًا وصلت القوات السورية لخط الهجوم في جبال نابلس، وانتقلت سوريا من حالة السلم إلى حالة الهجوم الاستراتيجي العام في ثلاثين ساعة فقط. 

ويضيف العقيد العشي:

"بدأتُ بإعداد الأوامر لوحداتي المقاتلة، بأن أعين لها أمكنة تواجدها، على أن تكون جاهزة فيه في مطلع الفجر، وكانت الساعة قد قاربت الثانية من صباح يوم 31-10-1956 "وفي هذه الساعة، يطلبني اللواء علي أبو نوار على الهاتف، ويأمر بالتوقف عن عمل أي شيء فيما يتعلق بالمهمة الهجومية، وأن أعود إليه فورًا".

ولما وصلت إليه، أبلغني أن الأوامر صدرت من القيادة المشتركة في القاهرة، تطلب التوقف عن أي هجوم، وأن تنتقل القوات كلها إلى مواقع دفاعية".

فاحت رائحة الخيانة، ويصف عبد المحسن أبو النور هذا الموقف في مذكراته فيقول: لم يتمالك ضباط الجيش السوري أنفسهم لحرمانهم من القتال استعدوا له، ومن ثأر يتلظى في صدورهم، ومن نصر كان قريبًا من أيديهم، فانفجروا بالبكاء.

كان رائد القومية العربية الزعيم الملهم جمال عبد الناصر قد أعطى لأمريكا عام 1952 تعهدًا بتجميد القضية الفلسطينية عشر سنوات، ولم يكن قد مضى على هذا التعهد سوى أربع سنوات فقط. لكننا نحن الجمهور الذي كان يهتف بحياة عبد الناصر، لم نعرف ذلك إلا منذ سنوات قليلة فقط.

لم يبطل جمال عبد الناصر هجومًا عربيًا على شمال إسرائيل بقوة جيشين، وهي منشغلة على جبهة القناة بعيدًا عن أقصى جنوبها، وينقذ رقبتها فقط، وأنما وأد بهذا القرار الخياني العمل العربي المشترك كله. فلو تم الهجوم السوري، لصارت عادة تعتادها الجيوش العربية وتترسخ كعُرْف وهي أن تهب لنصرة بعضها كلما تعرض أحدها للعدوان. تم ذلك عام 1948 وكان على وشك أن يتكرر عام 1956.

أعلم أن ستين برجًا سيطير من دماغكم، ولذلك إليكم مراجعي وقد صورتها لكم:

1-"فجر الاستقلال في سوريا، منعطف خطير في تاريخها"، خواطر وذكريات محمد سهيل العشي، دار النفائس، بيروت ط1، 1999، ص179- 188.

2-"حصاد سنين خصة وثمار مرة" مذكرات أحمد عبد الكريم، دار النشر: بيسان، بيروت ط1 1994، ص337-346.

3-جريدة الخليج الإماراتية، الخميس 1 ديسمبر 2005 مقال بمناسبة وفاة المرحوم عبد المحسن أبو النور، مقال من صفحتين، عنوانه الرئيسي: رسالة عبد الناصر تمنع السوريين من الاشتراك في حرب 56.

تنظر صور المراجع في صفحته:

-- https://www.facebook.com/mohamedsaid.mallah/posts/682500625225054

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين