الثورة الشامية وما بعد الانقلاب التركي الفاشل

 

 

لا يشعر بوجعك حقيقة وفعلاً، إلا من ذاقه وقاساه، فعلى مدى سنوات وقفت تركيا إلى جانب الثورة السورية، وعلى الرغم من الإحجام عن الفعل القوي المنتظر منها لصالح الثورة، كحال فعل الروس والإيرانيين وغيرهم من حلفاء العصابة الطائفية في دمشق بقتالهم ودعمهم العسكري والسياسي اللامحدود لها، إلا أن تركيا ظلت مؤيدة للثورة السورية لكن بقدر، وجاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة الأخيرة لتُنعش طموح الثوار في الشام من أن إحساس الأتراك بإجرام الانقلابيين في ساعات قد يساعدهم أكثر على فهم حقيقة وجوهر المعاناة السورية الممتدة لسنوات وربما لعقود، وسيعزز الفهم أيضاً تآمر حلفاء الطاغية في دمشق على التجربة التركية، على الرغم من التنازلات الأخيرة التي قدمتها لهم الحكومة التركية إن كان بالتطبيع مع إسرائيل أو بالاعتذار لروسيا.

لم يُصغ اللاجئون السوريون لقادة الثورة السياسيين وهم ينصحونهم من بداية المحاولة الانقلابية بالتزام البيوت، بعد أن ذاقوا طعم الحرية، وبعد أن لبثوا في بطن حوت الاستبداد والاستعباد لعقود، فخرجوا بالمظاهرات يتقدمونها بالمدن التركية المجاورة للشام ينددون بالانقلاب ويدعمون الشرعية ممثلة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وضجت صفحاتهم على الفيس بوك والتويتر والواتس آب بدعم وتأييد والدعاء للشرعية، فالقيم لا تتجزأ، ولا يمكن لك أن تطالب بحرية في الشام وترفض حكم الاستبداد والعسكر فيها، وتعيش في الوقت نفسه تحت سقف استبداد وعسكر تركي.

أتفهم موقف الساسة الموسميين الذين 

يأتون ويذهبون كالكرسي الدوار إن وقفوا على الحياد حتى ينجلي الغبار، ولكن لا أتفهم أبداً موقف ساسة يُفترض أن يمثلوا ثورة شعب وثورة قيم بأن يمارسوا النفاق السياسي والبراجماتية الزائفة، فيقفوا على الحياد الذي هو في الواقع أقرب إلى السلبية منه إلى الإيجابية، ولذا ما كان يُفترض ممن يمثلون قادة ثورة وزعماء شعب منتفض حر إلا أن يقفوا مع الشرعية والحرية وضد الاستبداد منذ أول لحظة.

على صعيد الحكومة التركية بعد هذا الانقلاب الفاشل المطلوب حملة تنظيف للأفاعي والثعابين المتآمرة ضدها وضد سياستها في الشام، وأول التنظيف يكون بدعم 

خيار الشعب السوري الحقيقي فأسُّ البلاء 

ومقر وجحر الثعابين حقيقة وفعلاً وواقعاً هو في سوريا الطاغية، والتي تشكل قاعدة متقدمة للتآمر على تركيا، وما على الحكومة التركية إلا أن تتخذ خطوة متقدمة برفع منسوب دعمها وتوحيدها للجماعات الثورية السورية، وتضع حداً لتصريحاتها الإعلامية التي يُفهم منها تراجعاً عن دعم الثورة، وهو ما يسبب تقدماً للاستبداد وأسياده وتراجعاً للثورة والشعب السوري حليف تركيا التقليدي والتاريخي.

بعض إعلام الغرب بدأ حفلة لطمية الآن من تداعيات الانقلاب وانعكاسه على تعاون تركيا فيما يصفونه بالحرب على الإرهاب، فهم لا يهمهم من تركيا وغيرها إلا أن تكون دولة وظيفية لهم ولأعمالهم، لا شأن لهم بديمقراطية ولا بحرية واختيارات الشعوب، ولذا فهم يخشون أن تعيد تركيا الجديدة حساباتها في التعاون معهم بعد أن خذلوها أو تآمروا عليها لا فرق في هذه اللحظة التاريخية الانقلابية الفاشلة، والأكثر خشيتهم من أن تُوقف تركيا تعاونها مع الاتفاق الروسي-الأميركي الأخير الرامي إلى إجهاض ثورة الشعب السوري، فإن كانت ثورة الشعب السوري الحليف التقليدي لها على حدودها، ويتم التآمر عليها بهذا الشكل، فكيف إن نزعوا لها أسنانها السورية؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين