الثورة السورية ومستقبل البشرية -6-

سوريا إلى أين ؟

إن ما يجري في سوريا من تدمير بفعل الوحش ومباركة الغرب الصليبي الصهيوني هو تدمير للإسلام ، فالثورة كانت مفاجأة كبرى للدول الصليبية الصهيونية والصفوية  وللعالم أجمع ..

قامت الثورة بقدر من الله ، فلم يكن أحد يصدق أن الثورة قامت لا السوريين ولا العالم ، وما كان أحد يظن أنها ستستمر كل هذا الوقت ، ولكن الوحش أراد أمرا وأراد العالم أمرا وأراد الله أمرا .. وتحركت أحقاد العدو الباطني والصفوي والصليبي الصهيوني والمنافقون وحاولوا بكل الوسائل وقف الثورة ، ولكنهم لم يستطيعوا ، وحاولوا توجيهها ولكنهم لم يستطيعوا .. وحاولوا تضييقها وركوب موجتها ولكنهم لم يستطيعوا .. فأصبحت الحرب كما يقول المثل " عينك عينك " أي على المكشوف علانية ،  قال تعالى ?  مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْـمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ  ?  (البقرة : 105)..

فأصبحت الحرب على المكشوف لتدمير سوريا ، والقضاء على الإسلام .. حتى لو أدى بهم الأمر إلى قيام حرب عالمية ثالثة ..

إنهم يخافون من نجاح الثورة السورية وانتصارها ، ولكن نتساءل ، ونسأل كل إنسان على وجه الأرض ، من الأولى بالخوف ؟

الخوف من الإسلام أم الخوف من الغرب !!!!!

الخوف من الإسلام الذي هو دين الأنبياء ، فهو دين إبراهيم عليه السلام قال تعالى ?  وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ?  ( البقرة: 127، 128)

والإسلام هو دين يعقوب عليه السلام , قال تعالى: ? أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ?  (البقرة: 133)

والإسلام هو دين موسى عليه السلام قال تعالى : ? وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ?  (يونس: 84)

 والإسلام هو دين عيسى عليه السلام قال تعالى : ?  فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ?  (آل عمران: 52)

والإسلام هو دين يوسف عليه السلام قال تعالى : ?  رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ?  (يوسف: 101)

والإسلام هو دين سليمان عليه السلام قال تعالى : ?  إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ?  (النمل: 30، 31)

والإسلام هو دين خاتم الأنبياء محمد e قال تعالى ?  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسلام دِينًا ?  (المائدة: 3)

الخوف من الإسلام ذو الخصائص الفريدة : الربانية والشمول والتوازن والثبات ..

الإسلام الذي يتسم بالعدل والسماحة والرحمة والحضارة والعلم والإنسانية والحرية ...

الإسلام الذي حمى الأقليات ، ولم يفرض معتقده على أحد ..

الإسلام الذي أثنى عليه ومدحه أشهر مفكريهم وأعظم فلاسفتهم ...

هذا هو الإسلام..  أنخاف منه أم نخاف من الغرب ؟

الغرب الذي يجتاح العالم طغيانا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعسكريا ..

الغرب الذي يؤجج الحروب ويبيع السلاح ، ويخطط للانقلابات العسكرية ، ويدعم بعض الحكومات ضد شعوبها ، مستخدما الجيل الرابع من الحروب كما سماها  بروفيسور في المخابرات ‏العسكرية الأمريكية وفى قيادة الجيش الأمريكي  ماكس مايوراينغ " الحرب بالإكراه ، ‏إفشال الدولة ، بزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد يحقق إرادة ‏المستهدف . ويضيف : الدولة الفاشلة ليست حدثا إنما عملية بخطوات ‏تنفذ ببطء وثبات وبهدوء ‏كافٍ، وإذا فعلت هذا بطريقة جيدة ولمدة كافية ‏باستخدام مواطني دولة العدو، ‏فسيسقط عدوك ميتاً "([1])

الغرب الذي قلب المصطلحات والحقائق وعبث بالعقول والأفكار فأصبح الاحتلال : حربًا عادلة وحرب تحرير ، والدفاع عن النفس وطلب الحرية : عدوان وإرهاب ، وعلمنة الإسلام : تجديد للخطاب الديني ..

الغرب الذي استخرب (استعمر) البلاد العربية ، وعاث فيها فسادا ودمارا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية ، واستباح البوسنة والهرسك لئلا تكون هناك دولة الحرية والعدالة والتوازن والإنسانية ، دولة إسلامية ..ودمر أفغانستان واحتل العراق وتآمر على سوريا مدمرا فيها الإنسان والحيوان والأشجار والنبات والجماد ، وقضى على الإنسانية والحرية والعدالة والكرامة ..

الغرب الذي بلغ من القوة ، ومن السلطان ومن الغنى بسبب استعماره للعالم الإسلامي ونهب خيراته .

الغرب الذي انبهر بنور الحضارة الإسلامية في عصوره المظلمة وأحس بواقعه المرير تحت ضغط الكنيسة التي جثمت على فكره وشعوره وسلوكه واستيقظ العقل الغربي من سباته واخذ يقتبس عن المسلمين طرائق البحث ومناهج التفكير وثارت ثائرة رجال الكنيسة على الحركة العلمية المستمدة والمنقولة من المدارس الإسلامية وكتب العلم الإسلامية وكانت تحمل معها روح الإعجاب الشديد بالإسلام والمسلمين وخشيت الكنيسة من انتشار النفوذ الإسلامي مع الحركة العلمية فأعلنت حالة الطوارئ ضدها وشكلت محاكم التفتيش في كل مكان تهدد المخالفين لعلمها المقدس بالتحريق والتعذيب والقتل. 

إن الغرب يخاف من نجاح الثورة السورية على يد شعب أعزل ، ليس معه أحد إلا الله متوكلا عليه ، منيبا إليه ، فالغرب يعلم جيدا حقيقة قيام الشعب السوري بثورته .. ولذا لا يريدها أن تنجح ، مهما كلفه ، لأنها ليست ثورة جياع ، وليست ثورة بطالة ، إنها ثورة تعيد للإنسان إنسانيته ، وكرامته وعبوديته لله الواحد ، وبالتالي تؤكد حقيقة فكرية مهمة في نتائج  المذاهب والأفكار العلمانية  والأيدلوجيات المستوردة  فقد سئم الإنسان من الخواء الروحي ، ومن العذاب النفسي ، ومن الشقاء البدني ، ومن التخلف التنموي ، والبؤس الحضاري  إنها ثورة على المشروع التغريبي بكافة أشكاله .

لن يدع الغرب الثورة السورية في حالها ولن يدعها تنجح مهما كلفه لأنه يعلم حقيقتها وأبعادها في العدل والحرية والكرامة وحفظ الحقوق لجميع الناس وخاصة الأقليات ، ويعلم نتائجها الدينية والحضارية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية .

وهناك عدة خيارات أمام هذا العالم :

  • استمرار الدعم الروسي والصفوي للوحش وشبيحته ، واستمرار ضحك الغرب على المعارضة واللعب معهم ومع الوحش لعبة القط والفار .. حتى تدمر سوريا بأكملها ليسلم العالم سوريا لقمة سائغة إلى الدولة المحتلة لفلسطين (إسرائيل ).

  • خيار الفوضى الخلاقة وهو الخيار الذي تسير فيه روسيا وأمريكا فالتنافس ، والتحيز لأفراد وكتائب معينة ضد أفراد وكتائب أخرى هي مقدمة لتسعير الحروب الأهلية بين الشعب السوري الثائر .. كما أن تلاعب الأطراف الدولية بالطوائف والأقليات يغرق سوريا في فوضى لتحقيق الأهداف الروسية والأمريكية التي تصب في مصلحة الدولة المحتلة لفلسطين (إسرائيل) .

  • إن مبدأ فرق تسد هو السياسة التي يقوم بها العالم مع المعارضة والثوار ، فالثوار أصحاب القضية الأولى وأصحاب الحسم يهمشون ، بينما معارضة الخارج منقسمة على نفسها مشتتة لا يربطها سوى اسم الائتلاف الوطني ..فكل فرد له تبعيته الخاصة به إلى دولة ما أو سفارة ما أو جهة ما ، وقليل الذين يتبعون الثورة في الداخل .. كما أن هذا المبدأ موجود أيضا لدى الكتائب والجيش الحر وإدخال عناصر مشبوهة ، ثم التفرقة بينهم بالمصطلحات فهذه الكتائب إرهابية ، وهذه الكتائب معتدلة ، وتلك الكتائب متشددة .. وقد نجد فيما بعد كتائب علمانية ، وغيرها من التقسيمات التي تستغلها روسيا وأمريكا أسوء استغلال .

  • قد ينجح العالم في إرسال قوات عربية وإسلامية إلى سوريا تحت مسميات عدة منها قوات حفظ السلام ، أو قوات فصل وحماية للمناطق المحررة ، وهذا سيناريو خطير ، يؤدي إلى إراقة دماء المسلمين بقتل بعضهم ، وتقسيم البلاد إلى قرى وثكنات ومدن محررة وأخرى غير محررة .

  • في حال فشل أي خيار من هذه الخيارات هناك التدخل العسكري بل ربما الحرب العالمية الثالثة .. ودخول الدولة المحتلة لفلسطين (إسرائيل)  إلى سوريا لتكون جسرا تنطلق منه لإنشاء دولتها المزعومة دولة إسرائيل الكبرى .

وفي كافة هذه الخيارات وغيرها هناك خيار واحد للشعب السوري المسلم الاستمرار في ثورته حتى يكتب الله النصر ،  وخير للغرب أن يعود إلى رشده ، ويبتعد عن حماقاته ، فالنصر قادم ، والإسلام قادم ، كما يقول المربي الكبير محمد قطب " الإسلام قادم ، من أيّ طريقيه جاء ، إما بتيار هادئ يعمل في رزانة وتؤدة ، ليصل على مهل إلى أهدافه ، وإما بتيار غاضب صاخب ، يلجأ إلى العنف ويستعجل الطريق !

ونحن نفضل ألف مرة التيار الهادئ ، الذي يعمل في رزانة وتؤدة ، ولو استغرق عمله بضعة أجيال ! ولكن ما حيلتنا في حماقات الغرب ، وحماقات إسرائيل ؟!" ([2])

 

 

 


[1] ) محاضرة منشورة على اليوتيوب  http://www.youtube.com/watch?v=uji4Yu5lnko

[2] ) دروس من البوسنة والهرسك . محمد قطب دار الشروق ص 52

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين