جهاد القدوة :
حتى تؤتي الكلمة ثمارها لا بد من ان يتصف بها صاحبها ، فيعيش لها ويعيش بها وبالتالي يكون قدوة للغير .. فالمواعظ والخطب والمناهج والكتب والندوات والمؤتمرات لا تأثير لها إلا إذا تحولت إلى نموذج عملي ، حي متحرك في حياة البشر ، ممثل في تطبيق الناس لها في حياتهم ، مترجم إلى واقع تراه العين وتلمسه اليد ، ورحم الله صاحب الظلال فقد قال " ستظل كلماتنا عرائس من الشمع لا روح فيها ولا حياة، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة " وهل نموت من أجل كلمات لم نعش لها ؟ ولم نتخلق بها ؟ ولم تتحول إلى واقع في حياتنا ؟ !"([1])
إن منهج الإسلام بشموله وتكامله وتوازنه وايجابياته وفطرته بحاجة إلى أناس يحملونه ويترجمونه بسلوكهم وتصرفاتهم وافعالهم وبالتالي يكون لدينا المجتمع المسلم .
وهذا ما يخشاه أعداؤنا " وأعداء الإسلام العالميون من الصهيونيين والصليبيين المستعمرين يعرفون هذه الحقيقة جيداً. ومن أجل معرفتهم العميقة بهذه الحقيقة، هم قد يسمحون بنشر الكتب عن الإسلام- في حدود- وبإلقاء الخطب عن الإسلام- في حدود- وبعرض الأفلام عن الإسلام- في ندرة!- وبإرسال البعثات للإسلام- في رقابة!- ولكنهم لا يسمحون أبداً- بما لديهم من سلطات عالمية ضخمة خافية وظاهرة- بقيام مجتمع إسلامي- ولو صغير- في ركن من أركان الأرض- ولو في جزيرة بالمحيط!
ذلك أنهم يعرفون أن هذه هي الوسيلة الجدية الوحيدة " لوجود " الإسلام! وهو قد عانوا من " وجود " الإسلام طويلاً. إذ حال بينهم وبين أهدافهم الاستعمارية الاستغلالية للوطن الإسلامي وللمجتمع الإسلامي.. وما صدقوا أن أجهزوا- كما يتصورون- على هذا الجبار. فهم يفزعون من شبحه ولا يريدون له " الوجود " الفعلي بحال من الأحوال.." ([2])
إن وجود هذه القدوة المتحركة على الأرض هي التي نشرت الإسلام في جنوب شرق آسيا ، وفي وسط وجنوب القارة الأفريقية ، فقد رأى البوذي والوثني والمسيحي في تصرفات المسلمين التجار وسلوكهم القدوة الحسنة حيث لا وزن للون ولا للجنس ولا للجاه ولا مكان للإكراه والإجبار وإنما عقيدة الإسلام وأخلاق الإسلام وشمائل الإسلام في نموذج حي فاقتنع سليم الفطرة راجح العقل من غير المسلمين على أن الإسلام حق من عند الله فأسلم .
ووجود هذه القدوة المتحركة على الواقع هي التي " تعمل عملها في تكوين الإنسان الصالح الذي يظهر عليه ملامح التقوى والخشوع والحياء ، وهو المؤمن القوي الذي لا يدخل الوهن إلى قلبه ، الإنسان الذي يحب لأخيه كما يحب لنفسه الحب الخالص الذي لا ينتظر جزاءً ولا شكوراً ولا يهدف إلا لكسب الحب في الله سبحانه " ([3])
يقول صاحب الظلال - رحمه الله تعالى : " إن الكلمة لتنبعث ميتة ، وتصل هامدة ، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة ، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها . ولن يؤمن إنسان بما يقول حقا إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول ، وتجسيما واقعيا لما ينطق . . عندئذ يؤمن الناس ، ويثق الناس ، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق . . إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها؛ وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها . . إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة ، لأنها منبثقة من حياة .
والمطابقة بين القول والفعل ، وبين العقيدة والسلوك ، ليست مع هذا أمرا هينا ، ولا طريقا معبدا . إنها في حاجة إلى رياضة وجهد ومحاولة . وإلى صلة بالله ، واستمداد منه ، واستعانة بهدية ، فملابسات الحياة وضروراتها واضطراراتها كثيرا ما تنأى بالفرد في واقعه عما يعتقده في ضميره ، أو عما يدعو إليه غيره . والفرد الفاني ما لم يتصل بالقوة الخالدة ضعيف مهما كانت قوته ، لأن قوى الشر والطغيان والإغواء أكبر منه ، وقد يغالبها مرة ومرة ومرة ، ولكن لحظة ضعف تنتابه فيتخاذل ويتهاوى ، ويخسر ماضيه وحاضره ومستقبله ، فأما وهو يركن إلى قوة الأزل والأبد فهو قوي قوي ، أقوى من كل قوي . قوي على شهوته وضعفه . قوي على ضروراته واضطراراته . قوي على ذوي القوة الذين يواجهونه .([4])
[1] ) أفراح الروح سيد قطب .
[2] ) الإسلام ومشكلات الحضارة سيد قطب دار الشروق الطبعة السابعة 1402-1982 ص186
[3] ) منهج التربية الإسلامية محمد قطب دار الشروق 1/228
[4] ) في ظلال القرآن ص 40
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول