الثورات... هل تكون رافعة للنهوض؟

 

 
بقلم: حسن قاطرجي
إن نهوض أيّ أمة لا بدّ أن يرتكز على أسس وينطلق من مقوّمات وهذا أمر بديهي... وأصدق ما يكون هذا القانون وأجلى ما يُظهره التاريخ بشأن هذه الحقيقة هو في (نهوض أمتنا الغالية العظيمة) الأمة الإسلامية التي ما أخرجها الله عز وجل للوجود إلا لتكون (صمام أمان) التاريخ الإنساني و(بوصلة) المسيرة البشرية...
وإن أهم أسس ومقوِّمات (نهوض أمتنا) بعد الركود الحضاري هي انطلاقة (العقل المسلم) من جديد متحرراً من الخرافات و(الفهم الطقوسي) للإسلام ومكسِّراً احتكار (طبقة الإكليروس) المتكلِّسة الهجينة غير المعهودة في الإسلام من موظَّفي الدين الذين يُحيطون (الطغاة) برعايتهم وبتقديسهم ويجهّزون لهم الفتاوى التي تكرّس استبدادهم!!
... انطلاقة مرتكزة على حقائق الإيمان العظيمة، وعلى فهم (غاية الحياة) وحقيقة (الدنيا) ومنزلتها من (الآخرة)، وعلى (وعي السُّنن) التاريخية والحضارية التي طالما لفت القرآن الكريم الانتباهَ إليها، مع تعظيم للشريعة المُنْزلة من عند الله والمبيَّنة في أقوال وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستنبطة بعقول المجتهدين الأئمة العظام الذين هم مفخرة الاجتهاد القانوني في التاريخ البشري... تعظيماً مشفوعاً بالتبنِّي لها والدعوة إليها وبتحكيمها في نصوص دستورية حاسمة إذ الشريعة (وعاء هُوّية الأمة)... ويلي هذه الانطلاقة مساران هاديان:
أحدهما: مسار الاهتمام ببناء الإنسان لأنه محور اهتمام الدين وله أُنزلت الرسالة ومن أجل تسهيل دوره في الأرض وتحقيق رسالته في الحياة سَخّر الله له كل شي في الكون تسخيراً جعل مفتاحه (التعاطي السببي) وذلك بتحصيل العلم الكوني وبالجِدّ والكَدّ وباكتشاف كنوز الأرض وخيراتها.. }وآتَيْناه من كل شيء سبباً * فأَتْبَع سببا{.
البناء الذي يقوم أولاً على الإيمان ليشمل بعد ذلك الأخلاق وتغذية الروح بالصلة بالله وذِكْره وبتزكية القلب... ثم يصل إلى بناء الوعي السياسي والمهارات الحضارية...
والآخر: مسار الاعتزاز بالهُوّية والجرأة في قول الحق ومواجهة الظالمين والإنكار على المستبدِّين بل الأخذ على أيديهم كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم... وأبرز علامات سلوكه تمايُز الطريق المستقيم عن طريق المستبدِّين المجرمين تمايزاً واضحاً مستعلياً ظاهراً لا لَبْس فيه ولا غَبَشَ ولا غموض...
فإذا اتضحت هذه الحقائق بهذه الإضاءات يأتي الجواب عن السؤال: نعم الثورات فتحت الباب لتبدأ الأمة (مشوار التحرُّر من الطغيان) الذي استعبدها وأذّلها وقتل معنوياتها وكَبَتَ طاقاتها وأنزلها إلى حضيض التخلُّف وتسبب بفراغ حضاري - نجم عن انسحابها من دورها - ملأه اليهود بشرّهم ومكرهم ودهائهم رغم قلة عددهم!
ولن تكون هذه الثورات (رافعة للنهوض) إلا إذا ارتكزت على الأسس المتقدمة، ولا يَخفى أن (لصوص الثورات) ليسوا غافلين... خاصة إذا غَفَل أهل الإيمان أو جَبُنوا أو لم يتقدم العلماء الربانيون ومعهم أهل الخبرة بالسياسة والإعلام من النخب المؤمنة المثقفة إلى الأمام ويُمسكوا بالزمام! 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين