الثورات لقيطة فمن لها؟

 لست من دعاة اللامذهبية وان كنت لا أرى فيها مارأى بعضهم بأنها خطر أو أكبر خطر يهدد الشريعة الاسلامية ،وأرى لزوم اتباع مذاهب الائمة الأربعة رضوان الله عليهم حسما للخلاف والفوضى ،وأرى أن الأئمة الكبار قد قالوا في مسائل مالم يتركوا فيه قولا لأحد ،وبالتالي فان فهم ماقلته سابقا على أنه دعوة للخروج على المذاهب غير صحيح ولعلي لم أحسن صياغة موقفي بصورة صحيحة فلزم التنويه .

وما تحدثت عنه أن الثورة أو التغيير يحتاج الى خطاب اسلامي معاصر يحسن التواصل مع الناس ويكون رسالتنا كمسلمين الى العالم ،وأن هذا الخطاب يجب أن يستقرئ النصوص الأصلية (القرآن والسنة ) ،و أن يستوعب الواقع السياسي والاقتصادي المعقد كما هو عليه اليوم ،وأن يفيد من قراءة وفهم الأئمة الكبار لهذه النصوص ،ثم يصوغ من هذا كله خطابا قادرا على منافسة الخطابات الأخرى على قلوب الشباب وهذه واحدة من أهم مايجب فعله اليوم في صدد الدعوة الى دين الله.
هناك نقطة يجب أن نكون صريحين ويقظين اليها ،الثورات في العالم العربي قامت على أكتاف شباب ليس لهم صلة لا بالمشايخ ولا بالمثقفين ،هي ثورة الشارع على ظلم تراكم حتى كتم على الأنفاس وأخرج الناس عن أطوارهم ،صحيح أن كلا من الطرفين (بعض المشايخ وبعض المثقفين ) حاول أن ينسب الثورة لنفسه الا أن هذا كما هو واضح لكل عين غير صحيح وليس أكثر من حب الناس لأن يحمدوا على مالم يفعلوا ،واليوم سيتبارى الطرفان لاتمام المسيرة ولصياغة فكر خاص بالمرحلة القادمة ،من هنا كان على علماء المسلمين أن يهتموا بصياغة خطاب ثوري تغييري للناس لا فيما بينهم ،وأن يبرزوا أهمية وبؤرية المقاصد العامة للشريعة الاسلامية في تحريك الشارع والناس نحو مستقبل حر كريم ،ان مااعترضت عليه ليس العودة الى فقه المذاهب وانما هو ميكانيك التفكير عند بعض علماء المسلمين اليوم حيث يبدأ الموضوع وينتهي عندهم بعرض قول صاحب المذهب ثم ايراد شروحات وتعليقات رجال المذهب وصولا الى تحديد المراد وكفى الله المؤمنين القتال ،هذا التفكير الحلزوني الذي يدور في مكانه والذي يمكن أن يساء تنزيله على الواقع كما يساء تنزيل النص نفسه لا يمكن أن يكون ناجعا في قيادة التغيير على مستوى الأمة ،ليس خطأ أن يختص البعض بفقه المذاهب ومراجعها ومتونها وشروحها بل ان هذا مطلوب وضروري ،ولكن ليبق هذا حديث أهل الاختصاص ، أما أن يتحول الى خطاب للناس ليكون دليلهم في حركتهم نحو التغيير فهو من قبيل الحديث بلغة لا يفهمها كثيرون من أهل الأرض.
عندما حججت الى بيت الله الحرام كنت برفقة عالم جليل ،وكان يقصد للأسئلة الشرعية ذات الصلة بالمناسك فيجيب قائلا :الشافعية يقولون كذا والأحناف يقولون كذا ....الخ ،كان السائلون يضجون قائلين :شيخنا قل هل نفعل أم لا نفعل ،فيقول عندي المسألة كذا كذا ولو بالتقليد ،وتنتهي المسألة ،الناس لا يطيقون في معظمهم كلام الفروق بين المذاهب وهم يحتاجون الى اجراءات عملية واضحة ،أعود لأقول ليس الأمر دعوة للخروج عن المذاهب ،ولكن ماجدوى الحديث عن الفروق أو الاجماع بين المذاهب في مسأئل كمسألة رد الظلم والخروج على الحاكم الظالم .
الثورات اليوم لقيطة وهي تبحث عمن تنتسب اليه ،وحتى الآن لم يتقدم من المسلمين من يحسن التواصل معها لحرف مجراها باتجاه مايرضي الله ورسوله ،أستثني من قولي هذا عالما هنا أوعالما هناك استطاع أن يتواصل فعلا مع شباب الثورة ووقودها ولم يكتف بمقارعة الحجج المذهبية ،الخطر اليوم الذي أحذر منه أن غير المسلمين أجدر –حتى الآن- ألف مرة بقطف ثمار الثورات وزراعة قيمهم في تربتها ،ياسيدي ألا تستطيعون صياغة سياسة شرعية جديدة تناسب القرن الحادي والعشرين وتفيد من علوم الأوائل وهي تتأمل فيما لا يمكن تخيله ولا تحمله من فساد و فجور.
أبو عبيدة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين