الثورات في العالم العربي : وجهة نظر إسلامية

                أ.د/محسن عثماني الندوي

الإسلام هو دين جامع ونظام كامل شامل للحياة البشرية جمعاء، ومن أركانه الأساسية العقيدة والعبادات والسلوك، ويحتل الجهاد مكانة مبدئية في الإسلام أيضا ، ويدخل في نظام الإسلام كل ما يتصل بالحياة من الثقافة والحضارة والمدنية والاقتصاد والمعاملات وحرية التعبير والمساواة البشرية والحقوق الأساسية، ويقوم بالتوجيهات والتوصيات في كل شعبة من شعب الحياة، وبدون هذه الشمولية الجامعية ربما لا تتجلى مرأة الإسلام صافية نقية، ولا تكاد تتضح محاسنه الشاملة واضحا كل الوضوح.
 يمر العالم الإسلامي في هذه الأيام بمرحلة من أدق المراحل، وأكثرها مفاجأة، قد اهتز كيانه بالثورات والانتفاضات، والانقلابات ضد الحكومات العربية، وطغت عليها روح الديمقراطية، كأنَّ العالم الإسلامي بدأ يهب من غفوته وغفلته، وتتقلب الانتفاضات ذات اليمين وذات الشمال، وتأخذ بتلابيب الحكام والقادة العرب - الذين هم من نتاج ووليدي الغرب- وأصبحت أراضي العالم الإسلامي متلطخة ومثخنة بالدماء، وترتفع أصوات البكاء، والحداد والنياحة، وفي ليالي الظلم الحالكة المكفهرة بالظلام تتنور الأبراج والأعمدة بشموس الرؤوس، ومازال يتلاعب مع تيجان الأمراء وأكاليلهم بالذل والمهانة، وتتساقط عروشهم على الأراضي، وقامت المعارك والصراعات، وتتصاعد أصوات ونعرات ضد الحكومات فهذه حادثة منقطعة النظير في التاريخ.
في هذه الأوضاع الرهيبة المفزعة المرتبكة الحساسية تمس الحاجة إلى تقديم الرؤية الإسلامية الصحيحة، وإخبار الشعب عن ما هو التوجيه الصحيح وماهو النظام السياسي والحل الناجح للإسلام؟ والشيخ العالم الكبير والمفكر الجليل الدكتور يوسف القرضاوي كل ما أدلى بتصريحات تأييدا وحماية لما يقوم به الشعب في تونس وليبيا من الانتفاضة والثورة ضد الحكومة ينمُّ عنها شعوره العميق الراسخ الناضج، ويدل على أنه جامع بين جديَّة واتزان، وأنه على معرفة العصروالزمان، وبجانب ذلك صدرت فتاوى لبعض علماء المملكة العربية السعودية مخالفة لما يحدث من الثورات والانتفاضات الشعبية موافقة للحكام والأمراء، ومن المدهش أن عالما سلفيا من مصر قد أصدر فتوى أباح فيها قتل الشيخ يوسف القرضاوي – حفظه الله – مستدلا بقوله: إن فتوى الشيخ يوسف القرضاوي ضد الحكومة وتأييدا لما يجري على ساحة أرض العرب من الثورات يتسبب فسادا وفتنة، "والفتنة أشد من القتل" ومثل هذا قد حدث من الخلافات، حينما أفتى الشيخ يوسف القرضاوي بجواز العمليات الاستشهادية في فلسطين، وقد خالفه بعض العلماء في السعودية ومصر ، وأقلقت فتواه مضاجع إسرائيل والاستعمار الصهيوني.
ولاجناح في القول بأن العلماء وأصحاب الإفتاء في الدول العربية الإسلامية لا يجدون في أنفسهم هذا القدر الذي يجده العلماء في الهند وباكستان من الحرية التامة للتعبير، ولكن من الأسف أنهم مازالوا ساكتين وصامتين في هذه القضية الساخنة المهمة، ولم يدلوا بتصريحات لا تأييدا ولا مخالفة، فإلى متى يطول صمتهم وسكوتهم؟ وإن كانت آراؤهم ووجهات نظرهم متضاربة، فلا بأس في إظهارها ليطلع الشعب على ما هوالحق والصدق والصواب ، وإلا فإن سكوتهم يدل على أن الدين لاعلاقة له بالسياسة، ولايستطيع الإسلام في هذه الأوضاع القيام بتوجيه رشيد، ويدل صمتهم على أنهم في تأييد ما كان عليه الحكام العرب من الظلم والاستبداد والجور، وإن لم يفعلوا فمن يقوم بترشيد الناس إلى الطريق المستقيم؟ وليس الدين الصلاة والدعاء والابتهالات في زاوية من المساجد فقط، بل هو نظام كامل شامل للحياة.
 أعلنت رابطة العالم الإسلامي بعقد مؤتمر حول الموضوع الجديد الساخن في شهر شعبان وتم إرسال الرسائل إلى علماء الهند أيضا للحضور فيه، فهذا وقت ابتلي فيه علما ء العالم الإسلامي وعلى رأسهم علماء الهند عن إبداء الأراء السديدة بجرأة وبسالة، وبدون خوف ولومة لائم.
 
بلغت الأوضاع التي يمر بها العالم العربي أن الرئيس حسني المبارك قد تم نزعه عن العرش، ولا يمكن القول أن عهده الطويل المدى الذي قد تولى فيه منصب الرئاسة كان عهدا سعيدا مباركا، وإن كان ينجح دائما في التصويت بنسبة التاسع و التسعين من المائة ، لأنه كان يصدرالأمر بزج المخالفين المناهضين في السجون، وأصدر أمر فرض حالة الطوارى التي هي مستمرة منذ 1958م حتى الأن، وكان عامة الناس يواجهون الإفلاس والفقر المدقع، وما كادوا يجدون ما يسد رمقهم ويشفي غليلهم، وأما أحوال أصحاب المناصب و التيجان والأكاليل فلهم مئآت من الطن وملايين و بلايين ذهبا و فضة قد جمعوها في مصاريف وبنوك الدول الأوربية، هكذا كان الحال في تونس، والرئيس الحاكم زين العابدين بن علي الذي لم يستطع أن يتحمل مواجهة الانتفاضة الشعبية والاضطرابات الداخلية، فاضطر للجوء إلى السعودية فحمل معه طنا و نصفه من الذهب، هذا الحاكم زين العابدين هو الذي كان يستهزئ بالشعائر الدينية، وكان مخالفا للنظام الإسلامي، وقد نزعت الانتفاضة الشعبية والثورات القومية في مصر و تونس عرش الحكم الجائر المستبد، وانتهى دور الظلم وبدأت تأخذ تونس ومصر طريقهما إلى العدالة والحرية .
أما أحوال ليبيا فكان القذافي قد حكم حوالي أربعين سنة بقوته واستبداده، و جعل ابنه سيف الاسلام القذافي خليفة له في الحكم، وكتبت "المجتمع" - مجلة اسبوعية اسلامية صادرة من الكويت – " لو افترض أن الرئيس القذافي قد أنجز لشعبه من الأعمال والإنتاجات كل ما يحتاج إليه الشعب من أسباب الحياة و الراحة و الهناء و العيش الرغيد، وبالرغم من ذلك لو لم يكن الشعب يحبه و يريد إقصاءه من الحكم و يريد حرية التعبير والتخلص من النظام الجائر، فمن أين يسع له أن يكون ملتصقا بالحكم مع الظلم و الجور؟ وقال القذافي: الناس يحبونه، فلماذا لم يصدر الأمر للانتخابات على غرار الجمهورية؟ ولماذا يريد الضغوط على التظاهرات، والاحتجاجات السلمية ضد الحكم؟
 وأما أوضاع سوريا فحدث عن البحر و لا حرج، تم رشق القائمين بالتظاهرات السلمية بالأسلحة النارية في معظم المدن و الأرياف و القرى، و أجسادهم المتقطعة المتلطخة بالدماء منتشرة هنا هناك، و بلغ عدد الشهداء أكثرمن ألف وسبعمائة ، وألوف اعتقلوا وعذِّبوا ، وألوف شردوا ولجأوا إلى لبنان وتركيا.
 و يشهد التاريخ أن أبا بشار الأسد حافظ الأسد قد قتل ألوفا من الإسلاميين في منطقة"حماة " ، و"جسر الشغور"، و"معرةالنعمان" وقبل ذلك الوقت تمَّ فرض حالة الطوارئ، و قد مضى عليه نصف قرن، وما زال باقيا حتى الآن،وألغي شكليا ،ولا يزال يمارس على أرض الواقع في أبشع الصور، وكان العلماء اضطروا حتى في خطب الجمعة إلى الإشادة بالحكام الجائرين، وقد عزم المناهضون لحكومة سوريا في مؤتمر تم انعقاده بـ "تركيا" على إقامة الديمقراطية، وانقلاب النظام المستبد الحالي في سوريا، وإقصاء بشار الأسد عن عرش الحكم.
و مازال حاكم اليمن علي عبد الله الصالح يحاول القضاء على الثورات الشعبية التي هي أشد الثورات والانقلابات قد بلغت ذروتها، وأيدتها الدول الخليجية في إقصائه من الحكم، و لكن هناك بندا من تلك البنود التي وافقت عليها وتم الميثاق عليها أن الرئيس علي عبد الله الصالح لا يؤخذ بالمحاكمة بعد انعزاله من الحكم، فرفضت طائفة من القائمين بالتظاهرات هذه النقطة، ، ومدت السعودية يد المعونة إلى الحكومة اليمنية و البحرينية من جانب، ومن جانب آخر بدأت تؤيد جمهورية ايران بشار الأسد حاكم سوريا الذي ظل يحاول القضاء على الشعب ببراثنه الفتاكة، هكذا بدأت تغشى سحب كثيفة من التظاهرات والاحتجاجات ضد الحكومة على سماء الدول العربية، وبدأ الحكام يشعرون بالخوف والذعر والهلع، كأن يوم الحساب قد جاء عليهم،ومن العجب العجاب أن قد ظهرت في خضم هذه الثورات فتاوى لبعض العلماء بأن الاحتجاجات و الانتفاضات الشعبية ضد الحكومة حرام، و لا يجوز الاحتجاج و إن كان سلميا، و لا يسمح لتقديم المذكرة للتوقيعات إلى الحاكم، و كانت بعض الحكومات العربية مع تصريحات من العلماء تؤيد حسني مبارك حتى قبل يوم من إقصائه وعزله، لو كانت فتاواهم في حماية بلدهم لما كان لنا الانتقاد عليها، لأن استقرار المملكة عزيز لدى كل مسلم بسبب الحرمين الشريفين، وبالرغم من أن خادم الحرمين الشريفين مازال يجزل ويبذل خدمات جليلة في سبيل الحجاج الكرام ويوفرلهم أحسن الوسائل لأداء مناسك الحج، وله مساهمات فعَّالة في ترسيخ قدم الإسلام والمسلمين في العالم كله أكثر بكثير بالنسبة الى الدول الإسلامية الأخرى،ولكن مع ذلك يصعب القول بأن النظام الإسلامى قائم في المملكة بمعنى الكلمة، والقوانين منفذة كل التنفيذ طبقا للإسلام، نخشى أن تدب الثورة دبيب النمل ثم تطرق أبواب المملكة لا قدر الله ذلك - لا منجي ولا منجي من الله إلا إليه – ننصح أصحاب الدفة والتنفيذ في المملكة تنفيذ القوانين الإسلامية كلها حتى منهج انتخاب الحاكم والأمير حتى يحرم الخروج لأن الخروج حرام على أمير السملمين .
 إن المملكة في أمس الحاجة إلى إعادة النظرفي القوانين وإلى تغيير الملوكية الأدنى بالذي هو خير .ولقد مضى زمان الموكية وانقرض عهد ألف ليلة وليلة . نرجو منهم إدخال التعديلات اللازمة في الدستور تحت المنظور الاسلامي وإزالة الشكاوى وإقامة النظام بالعدل والقسط. وأما بالنسبة لهؤلاء المستبدين الرئيس حسني المبارك والقذافي و بشار الاسد وزين العابدين وعلى عبد الله الصالح والطغاة الآخرين الغاشمين المستبدين هل هولاء أمراء وخلفاء للمسلمين؟ ولماذا لاتكون الانتفاضات مشروعة ومبررة في بلدانهم؟ ولقد أسقطت نظم بعض الطغاة المستبدين وسيسقط الآخرون   واذا هلك قيصرفلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده -
وأما بالنسبة للفتاوى الصادرة من هيئة كبار العلماء في المملكة عن عدم الخروج فلا شك إنها مستندة على آية من القرآن الكريم، " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ولكن السوال: هل يدخل هؤلاء الحكام العرب الفاسدون المفسدون في دائرة "أولي الأمر" ؟ أهولاء الغاشمون الذين يريدون تبديل النظام الإسلامي، والاحتذاء حذو القانون الأوربي؟ بل قد غيروا النظام الديني، و يدخلون في السجن من يقوم بمطالبة تطبيق الشريعة ومن يقومون بالتظاهرات والاحتجاجات السلمية ضدهم، أفلا تكون المحاولة لتغيير النظام الجائر المستبد وتحويله الى الجمهورية والديمقراطية وإلى النظام العادل مشروعة؟ هل يجب على الناس طاعة الحاكم في هذه الأوضاع؟ فهذه القضية السياسية تقتضي وتتطلب من العلماء أن يطرحوا آراءهم الدينية الصحيحة لأن الذين يريدون النظام الإسلامي لا يجدون أمامهم مجالا إلا المشاركة في هذه المسيرات و الثورات الساخنة .
بدأ في التاريخ الإسلامي بعد انتهاء الخلافة الراشدة - التي كانت قائمة على الشورى- نظام الملوكية الذي استمر إلى مدة طويلة فترسخ هذا النظام الباطل المستبد في أذهان المسلمين حيث أننا نرى نظام الجمهورية والديمقراطية يحصل النجاح في كل دولة من دول العالم إلا في الدول المسلمة، وكان القضاء على النظام الاستبدادي عسيرا في العصورالسابقة، ولكن أصبحت اليوم بسبب الغلبة الفكرية للديمقراطية والجمهورية سهلا ميسورا للعودة إلى النظام الجمهوري، وكل ما كان في النظام الاستبدادي من المفاسد والمساوى ما زالت باقية حتى اليوم، فإن الذخائر المالية والكنوز كانت تعد ملكية للحكام، وتعد الأن ملكيتهم الذاتية أيضا، وكان نظام الحكم لا يتدخل في حياة كل فرد من أفراد الشعب كما يتدخل اليوم، وكان المجتمع في قديم الزمن حرا وبعيدا عن تدخل الحكومات، ولكنها تتدخل الآن في حياة كل فرد من أفراد القوم، وبذلك تغييرالنظام الفاسد الباطل بالنسبة إلى الزمان القديم أصبح سهلا الآن. وكان الحكام بعد الخلفاء الراشدين قد انغمسوا في ملذات الدينا وزينتها وشهواتها، ولم يبق في نظام الملوكية لأحد أن يقوم بمحاسبة الحاكم، ولم تستطع أية محاولة من المحاولات التى بذلت في سبيل تغيير ذلك النظام المستبد أن تبوء بالنجاح، ولكن اليوم سمحت الحرية والديمقراطية بمؤاخذة الرئيس والوزيروالآميرورفع القضية إلى المحكمة العدلية، وإذا ارتكب حاكم في يومنا الحاضر بالفساد والرشوة فيمكن مؤاخذته بالمحاكمة. ففي هذه الأوضاع هل يجوز السكوت على ما يقوم به الحكام من الفساد والجور ويطيعهم الناس ويخضعون لهم ويرضون بما يرتكبون، ولايقولون عنهم شيئا؟ ولايقوم أحد بالتحدي على حكمهم الغاشم ؟ هل يجوز الأن تحمل الاستبداد والصبرعليها؟ فإن أقوال العلماء القدماء باتخاذ الصبر وعدم الاحتجاج غير صالحة في هذا الوقت . وبالعكس يجدر بالعلماء بأن يقوموا بالقول الصادق وتأييد ما يقوم به الشعب في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن من الإنتفاضة والثورة ضد الاستغلال والظلم، ونرى أن إسرائيل - التي غصبت فلسطين – في اضطراب وقلق من هذه الثورات والانتفاضات وهي تخاف من هذه الحركات الإسلامية، وخاطب الرئيس الامريكي اوباما وتحدث الى العالم الأسلامي وبدأ يؤيد حركة الاستقلال والديمقراطية ،ولكن مازال يغشى على العلماء السكو ت والصموت لماذا ؟؟؟
 وجاء في كتاب" رد المحتار" في باب البغاة إذا قامت جماعة ضد الأمير الذي كان يصب على الناس الظلم والقسوة وتخرج تلك الجماعة من طاعة الأمير وتطالب في حقها فلا تسمى جماعة باغية، ولا يجوز للمسلمين نصرذلك الحاكم الظالم ضد تلك الجماعة، وذهب بعض العلماء إلى وجوب إغاثة المظلومين، وكل ما جاء في الحديث النبوي صلى الله عليه وسلم من أمر الطاعة سواء كان الأمير صالحا أو فاجرا فالمراد به طاعة الأمير الذي كان خليفة للمسلمين، ويهتم بإقامة القانون الإسلامي، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في وصف الأمير "من ولى الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين "، وقال الإمام الحسن :" إن أمير المؤمنين من يهتم بأمرالمسلمين ويحافظ على الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود" أين بقيت اليوم الخلافة والنظام الشورائي في الدول العربية؟ وهل يجب على الناس طاعة هؤلاء الأمراء العرب ؟ ومابال بعض العلماء الذين مالوا إلى تأييد الحكام العرب الظالمين الذين ما زالوا يحاولون القضاء على شوكة الإسلام وإرضاء الغرب؟ وهولاء القادة العرب الذين وهبوا قطعة من أراضيهم إلى إسرائيل، ويوثقون الصلات مع إسرائيل، ويحاصرون أبناء فلسطين، ويقضون على كل من يطالب تنفيذ الأحكام الشرعية ويدخلونهم في السجون ويعذبونهم ويذيقونهم من العذاب ما يقشعرمنه الجلود، ألم يحن لهؤلاء المستبدين الجاثمين على صدور الأمة أن يتم إقصاؤهم وعزلهم من الحكومة وإلغاء الأنظمة المستبدة واستعادة الحقوق البشرية من جديد؟ وهذه جوانب وأبعاد تستلفت أنظارالعلماء الذين سوف يشاركون في المؤتمر في مكة المزمع عقده في 22-23 من   شعبان القادم والذي ستعقده رابطة العالم الإسلامي وتطالب من العلماء أن يدلوا بآرائهم بكل حرية .
 وعلى العلماء المشاركين أن يفرقوابين النظام السياسي الشورائي الإسلامي والنظام الموروثي الاستبدادي وأن يصرحوا هل هذا النظام الموروثي مرضي في الإسلام؟ فإن الحكومة ليست إلا مؤسسة لتنظيم المجتمع وللحفاظ على الحدود والثغور، وهي ليست ملكا لفرد أو أسرة، ومازال هذا النظام الموروثي قائما في مصر، وليبيا، وسوريا، وفي النظم الدكتاتورية وليس هذا النظام قائما على منهاج النبوة و الخلافة الراشدة، وإنما هو قائم علي سنن كسرى وقيصر.
خلاصة القول :أن هذه الثورات التي تجري على ساحة العالم العربي مهمة للغاية لا للعالم الإسلامي فحسب بل للعالم كله ، لقد بلغ ملايين من اللاجئين ينزحون إلى الدول الغربية، وإن هذا العدد الضخم سوف يؤثر سلبيا في اقتصاد البلدان الغربية، وإن العالم العربي يستطيع أن يتحرر من ضغوط الدول الغربية السياسية والاقتصادية والحضارية ، ولكن هذا سوف يتحقق بتغيير شامل وليس بتغيير الأيادي فقط، إن الحكام الذين كانت بيدهم زمام الأمور ودفة الحكم والتنفيذ كانوا أيضا مسلمين، والمساجد أيضا كانت معمورة في زمانهم ، وإن هذه المساجد مازالت موجودة في لندن وواشنطن، والناس يصلون فيها، ولكن هولاء الحكام العرب لم يسمحوا تطبيق قوانين الإسلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكانوا يحذون حذو الغرب في هذه المجالات، وكانوا مستبدين سلبوا شعوبهم الحرية حتى لم يكن لأحد أن يصدر جريدة إلا إذا كان مؤيدا لنظمهم، إننا نؤيد هذه الثورات في البلدان العربية لأنها بارقة أمل ، وإن العالم العربي سوف يبدأ رحلته بإيمان جديد وبدم جديد وعاطفة جديدة بعد ما أوقعه الحكام وولاة الأمور في النكبات وبؤرالذل والمهانة، أما الذين يخالفون هذه الثورات هم يقولون أن الأصل هو الاستقرار، وإن الثورات تستأصل الاستقرار والنظام، وتخلق البلبلة والشقاق ، ولكني أسأل :ماذا قدم للعرب والمسلمين هذا الاستقرار المزعوم ؟ إنه لم يقدم شيئا إلا الهزيمة النكراء أمام إسرائيل وضياع البيت المقدس والقبلة الأولى وتحويل العراق إلى بلد خراب والعبودية أمام الولايات المتحدة والدول الغربية والحرمان من الاستقلال وإنشاء أماكن القمار والمجون والنوادي الليلية والحوانيت وبيوت الخمارين والخلاعة والفحشاء، هذه هي التحف والهدايا التي تلقاها العالم الإسلامي من أيدي هؤلاء الولاة الجبابرة .
إذا كنت تريد أن تعرف تطور العالم العربي من الناحية الثقافية والصناعية فكفاك تقرير مؤسسة التطور البشري الصادر 2002م ، يقول هذا التقرير: إن مجمل الإنتاجات في العالم العربي يعادل ويساوي أقل من إجمال إنتاج بلد أوربي واحد وهو إسبانيا، وإن مصاريف العالم العربي على التربية والتعليم تبلغ عشربالمائة مقارنة بمصاريف الدول الأوربية، وإن عدد الأمية بلغ في البلدان العربية إلى ستين مليونا نسمة، أهذا هو الاستقرار الذي يعتزبه العالم العربي ويفتخربه؟ لقد وضع الحكام العرب الأغلال والسلاسل في أعناق الشعوب وأقدامهم، ولكن هذه الليلة الليلاء للجور والاستبداد سوف تنتهي ،وسوف ينبلج الفجر للحرية والاستقلال والعز والكرامة بمشيئة الله، وإن الفجر لآت ، وإن غدا لناظره قريب .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين