الثُّمر الدَّاني في مآثر العلَّامة الشَّيخ محمَّد علي الصَّابوني

( 1349ھ-1442ھ، 1930م-2021م)، رحمه الله تعالى

تبكي الطُّروس عليك والأقلامُ...وتنوحُ فيكَ على الغصون حِمامُ

إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، في ذمَّة الله شيخنا العلَم الشَّهير، والجهبذ النِّحرير، ذو القَدر الأعلى، والفَضلِ الأجلى، صاحب الآثار والشَّمائل، والمَعارف والفَضائل، والتَّصانيف المحرَّرة، والتَّواليف المُحبَّرة، العلَّامة المُفيد الشَّيخ محمَّد علي الصَّابوني تغمَّده الله بغفرانه، وبوَّأه فسيح جنانه، وأعلى مقامَه، وبلَّغه في دار الجزاء مرامَه، وبلَّغه ما يرجوه، وضوَّاه بالمغفرة يوم تبيضُّ وجوه..تتعثَّرُ الكلمات في تدوين المآثر والمشاعر الفيَّاضة تجاه هذا العالم العامل، حيث الرُّوح الَّتي تتحفَّى بها وتُهفهف عليها، وترفُّ عواطف الرِّثاء والمحبَّة عليها نضرةً ورُواء، ولذلك كان فقدُ أئمَّة الدِّين وعلماء الشَّريعة والصَّالحين مِن أعظم الرَّزايا، والبليَّةُ بموتهم من أعظم البلايا، وأنَّى للمُدلجين في دياجير الظُّلمات أن يهتدوا إذا انطمست النُّجوم المُضيئة..

وبالجُملة: الشَّيخ محمَّد علي الصَّابوني من علماء الأمَّة المُفيدين، وأعلامها المُجيدين، حازَ من الرُّتب الشَّريفة أعلاها، ومن الأوصاف السَّنيَّة أغلاها وأسناها، وهو أحدُ أعلام حلب الشَّهباء وعلمائها، وهو مُفسِّرها ومحدِّثُها وفقيهُها، وخزانةُ معارفها وآدابها، ومنحةُ نبهائها، ونفحةُ ألبَّائها، ذو المناقب العديدة، والمآثر الحميدة، ابتهج به ذوو المعارف، وأقرُّوا له بالفضائل والعوارف، مفيدُ الطَّلبة بالمنقول والمعقول، والمنطوق والمفهوم، تصدَّر للإفادةِ والتَّعليم، والاستفادةِ والتَّفهيم، والتَّحقيق والتَّأليف، وكان عالمًا مشاركًا، مستحضرًا للأدلَّة النَّقليَّة والعقليَّة، والشَّواهد النَّحويَّة والشعريَّة، مطبوعًا على المعروف والخير، مجبولًا على البرِّ ودفع الضَّير، مواظبًا على الطَّاعة، حافظًا أوقاته عن الإضاعة، عاملًا بالسُّنَّة، ذا نفسٍ مطمئنَّة، صدَّاعًا في قوله، معتمدًا على الله تعالى في قوَّتهِ وحولِه، لا يميلُ مع نفسِه إلى مُلائم، ولا تأخذُه في كلمة الحقِّ لومة لائم، وكانت حلب وسوريَّة تملأ ناظريه، وترنُّ في أذنيه شوقًا وطوقًا، ويأمل خلاصها من الظُلم والاضطهاد والطُّغيان، واُضطُرَّ إلى مغادرة وطنه والاغتراب بسبب ذلك، وبقي مجاورًا لمكَّة المكرَّمة قرابة ثلاثٍ وخمسين سنة!، ذا غيرةٍ صادقةٍ على الإسلام وقضاياه، منافحًا عن تشريعه ونظامه وأحكامه، مُهتمَّا بحال وحاضر العالم الإسلامي، سالكًا الاشتغال في مدارسة تفسير الآيات القرآنيَّة والأحاديث النَّبويَّة، وإدامة النَّظر في كتبها، والاطَّلاع على ثناياها، والتفحُّص عن خباياها، والرَّغبة فيها، والانقطاع إليها، والاستئناس بها، وهُو مِن جملة البشر يُؤخذ من قوله واجتهاده ويُترك، ولا يزال أثره بين المسلمين مأثورًا، وفضله على ألسنتهم مذكورًا، وممَّا وفَّقه الله في آخر حياته شرح دواوين السُّنَّة النَّبويَّة "الكتب السَّتَّة" بأسلوب سهل مُيسَّر بتوضيح الألفاظ اللُّغويَّة والفوائد المُستنبطة وما حوته من أحكام تشريعيَّة، فاشتهر علمه وفَاق، وسما قدره في الآفاق، وانتفع بعلومه الكثير، وأخذَ عنه الجمُّ الغفير، غفرَ الله له وأعلى في المَدارج مُرتقاه، وجعلَ الجنَّة مثواه ومأواه، وأحسن الله عزاء أهله وتلامذته ومحبِّيه، وأخلف على المسلمين خيرًا، ﴿كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ، وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾.

تواضعَ للطُلَّاب فانتفعوا به...على أنَّه بالحلمِ زاد ترفُّعًا

وكان حليمًا واسعَ الصَّدر ماجدًا..تقيًّا نقيًّا زاهدًا مُتورِّعًا

ومَن يبتغي تعدادَ حُسنَ خصاله...فليسَ ملومًا إن أطال وأشبعَا

فجُوزِي بالحُسنى وتُوِّجَ بالرِّضا...وقُوبلَ بالإكرام ممَّن له دعا