الثقة بالله

إن خير ما يلقيه الله عز وجل في الضمائر والقلوب هو اليقين والثقة به، التي ترسخ كرسوخ الرواسي، لأن الإيمان الصادق بكفاية الله لعبده تدفعه إلى طلب مرضاة ربه يؤثر بها على رضى الخلق والعبيد (أليس الله بكاف عبده).

بالثقة بالله عز وجل ننال الريادة والقيادة والعلو والسمو (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).
تكون هذه الأمة في المقدمة وتسبق  كل الأمم بحسن يقينها بالله عزوجل لا بقوة ،ولا بعتاد ،لأنه حينما نوازن عقليا بين القوة التدميرية التي أعدت لسحق المسلمين، وبين ما عند المسلمين، فإن قوتهم كافية لسحق المسلمين عن بكرة أبيهم، ولكن عندما نكون صادقين مع الله بالتضرع، والدعاء, والإخلاص وحسن الظن يصنع الله لنا كرامات ليست في حساباتنا ويصنع الله لنا من الحظوظ التي لم تكن تخطر على بال .
فلا بد لنا من الثقة بالله عز وجل، ونتعلم هذه الثقة من أم الكليم موسى عليه السلام التي ألقت وليدها في البحر، وهي آمنة مطمئنة واثقة بربها ألقت به خوفا من بطش فرعون الجبار الذي كان يقتل الأطفال حتى لا يصل طفل إلى ذلك اليوم الذي ينقض فيه عرشه ، ويقوض ملكه،وكان فعله هذا سنة للطغاة من بعده يقتلون الأطفال، ويسفكون الدماء ويصلبّون المؤمنين ،غير أن طاغية عصرنا لم يكتف بقتل الأطفال خشية أن يخرج جيل يزعزع بنيان ملكه، بل زاد على فرعون فإن فرعون، كان يستحيي النساء وهو لم يستحيي النساء، بل قتل النساء، وفعله هذا ليس عن عبث بل لما يعلمه أن أرحام النساء هي مصانع تنتج الأبطال المجاهدين، لكن الذي حفظ موسى في البحر، والبحر هو مظنة الضياع والفقدان "أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ".
  وفي استقرار هذا الوليد في بيت فرعون سر عظيم، إنها رسالة إلهية ذاك الطفل الذي من أجله قتل كل الأطفال يعيش ويترعرع في بيته بالذات!!
 إنه التحدي الإلهي، ونتعلم الثقة أيضا من موسى بعدما كبر ولحقه فرعون (قال أصحاب موسى لموسى لما رأوا فرعون من ورائهم والبحر من أمامهم "كلا إن معي ربي سيهدين).
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الثقة بالله لمّا أحاط به المشركون من كل جانب، ووقفوا عند باب الغار وينظر إلى الصديق وقد دمعت عينه خشية على النبي صلى الله عليه وسلم  قائلا له: ما يبكيك؟قال يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا  قال :"لا تحزن إن الله معنا "
"إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا".
علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الثقة بالله عز وجل يوم الأحزاب، وقد تجمعت قبائل المشركين على حربه ومعهم يهود بني قريظة، ذلك الموقف الذي قال عنه الله ( جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) في هذا الموقف وفي هذا اليوم يبشر الواثق بالله بفتوح اليمن والشام والروم وفارس! فالذين أيقنوا بوعد الله قالوا: هذا ما وعدنا الله، وأما المنافقون والمرجفون قالوا ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا .
            فلا بد أن تمتلئ القلوب ثقة بالله، ولا بد أن نعلم أن الذي يدبر أمر الكون هو الله  عز وجل، والنصر قادم بإذن الله، سيمكن للمسلمين ويدحر الكافرين, يقول المفكر الشهير اشنجلر: إن للحضارات دورات فلكية فهي تغرب هنا لتشرق هنالك ،وإن حضارة أوشكت على الشروق في أروع صوره :ألا وهي حضارة الإسلام فهو الدين الوحيد الذي يملك قوة روحانية ولعل هذا المفكر قد نسي قوله تعالى"إن  يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منهم شهداء والله لا يحب الظالمين".
فلنمض في تبليغ دعوتنا ورسالتنا، ولا نغتر بوعيد وتهديد الظالمين "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا".
نمضي ولا نخشى إلا الله ولا يكون للخوف من الغير حظ من أنفسنا، لأن الخوف من الغير يجلب استئساد الفأر وتطاول المهين .
نمضي ونحن واثقون بأن العاقبة لنا لأن الله وعد فقال "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ".
"ولقد سبقت كلمتنا لعبادي المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون".
الثقة هي النصر وهي الفوز، ونحن بإيماننا بثقتنا ننتصر، لا يصدنا عن طريق الجهاد والتضحية عربدة المجرم وجبروته فالله سينصرنا بإيماننا به, وإذا انتصر غير المؤمن بالثقة فكيف بالمؤمن فإننا نعلم أنه ما انتصرت دولة فيتنام إلا بالثقة وهي دولة كافرة، لا تؤمن برب ولا دين إلا بإيمان شعبها بالنصر، وضرورة الاستمرار في التحرر من ذل المستعمر الأمريكي، وقد أقسم رئيسها زعيم المقاومة آنذك أنه لن يذعن ولو استمرت الحرب ربع قرن.
ولهذا حثنا الله أن نربط قلوبنا به سبحانه وهو الذي قال: (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُواْ رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ)
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالآية دلت على أن الشيطان يجعل أولياءه مخوفين ويجعل ناساً خائفين منهم، ودلت الآية على أن المؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان ولا يخاف الناس، كما قال تعالى: (فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) ، بل يجب عليه أن يخاف الله، فخوف الله أمر به، وخوف الشيطان وأوليائه نهى عنه، وقال تعالى: (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى )، وقال: (فاياي فارهبون)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين